هـل أصبحت ضرباً من الخيال؟! ..«مكانة المعلم» تضيع بين ضغط أعداد الطلاب وضيق المدارس والأحوال

هـل أصبحت ضرباً من الخيال؟! ..«مكانة المعلم» تضيع بين ضغط أعداد الطلاب وضيق المدارس والأحوال

أخبار سورية

الجمعة، ١٧ مارس ٢٠١٧

    إلهام العطار

في إحدى الثانويات طالب يكتب أبيات هجاء بإحدى المعلمات، يمر الأمر على المديرة فتكتفي بتأنيبه وتطيب خاطر المعلمة كما يقال «بكلمتين»!
أثناء إعطائي الدرس سمعت أحدهم يتحدث على موبايله من دون أي اعتبار لوجودي، هكذا عبّر أحد المعلمين عن امتعاضه مما يجري داخل القاعات الدراسية، فيما قال مدرس آخر: لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك من يتسلى بالألعاب أثناء الحصة محدثاً مشاغبة وضجة على زملائه. في يوم من الأيام قررت موجهة المدرسة التفتيش على اللباس المدرسي وقصات الشعر وألوانه الغريبة العجيبة، عندها وجدت العجب، فالملتزمات باللباس لا تتجاوز نسبتهن أصابع اليدين، وحين استدعت أمهات الطالبات تفاجأت بإحداهن تتحدث معها بعصبية, محذرةً إياها من التدخل بشؤون ابنتها وموديل شعرها.
لم يستطع أحد أولياء الأمور ضبط أعصابه لدى قراءته الملاحظة على دفتر ابنته بأنها مشاغبة ولا تشارك في الدرس، فحضر إلى المدرسة وأغرق المعلمة بالمحاضرات عن كيفية التعامل مع الأطفال، وبأن ابنته تتمتع بمستوى جيد إذ إن هناك مدرساً خصوصياً يشرف على تدريسها في البيت، فما كان من المعلمة إلا أن وقفت حائرة في أمرها، تستذكر أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال: «قم للمعلم وفه التبجيلا…. كاد المعلم أن يكون رسولا»، وتتساءل كما تساءلنا معها بحسرة: أين اختفى وقع وتأثير ذلك الكلام من نفوس طلابنا ومجتمعنا؟ ما هي الأسباب التي أدت إلى حدوث خلل أو اضطراب في العلاقة بين المعلم والطالب، فأصبحت تميل إلى علاقة غير رسمية تفتقر إلى الحدود الأخلاقية التي كانت موجودة سابقاً؟ هل هي قوانين وزارة التربية أم هي تبعات ومخلفات الأزمة التي نمر فيها؟

 من أرض الميدان
«من علمني حرفاً كنت له عبداً»، ‏لا أدري إن كان هذا القول الذي حفرناه في قلوبنا منذ الصغر يصلح لكل زمان ومكان، كلمات بدأت بها المعلمة سمية الحلبي حديثها وتابعت: خطر ببالي هذا القول ونحن نحتفل بعيد المعلم الذي كنا ننتظره ونحن تلاميذ بشوق ولهفة لنعبر فيه عن محبتنا واحترامنا لهذا الإنسان المتفاني في عمله، لكن الآن بات المعلم يفتقد أبسط الأمور ألا وهي احترامه داخل صفه أو مملكته، إن صح التعبير، واهتمام أولياء الأمور ومتابعة مستويات أبنائهم. ‏نحن لا نطالب بهدية للمعلم في عيده، فالهدية في أن يرد إليه الوقار والاحترام الذي حرم منه بعد عدة قرارات جعلت منه مجرد آلة يلقي درسه ويخرج فلا سلطان له بالتربية أو التحصيل الدراسي أو المتابعة.
مسموح للأهل.. محرم على المعلمين
والد ضرب ابنه الطالب في الصف السادس (فلقة) من دون أن تردعه أبوته ثم تجده مهرولاً نحو أبواب الرقابة والتفتيش ليشتكي على معلمة ابنه (خبرة 29) عاماً لأنها حاولت معاقبته على مستواه المتدني وتقصيره المستمر ومشاغبته، ‏قصة روتها الآنسة ريم: مدرسة اللغة الإنكليزية وبغصة قالت: الظروف الجديدة التي يعيشها كل من المعلم والتلميذ وذويه، أدت بشكل أو بآخر إلى نوع من التسيب، وهو ما اتفقت فيه مع كثير من المعلمين والمعلمات الذين أكدوا أن المعلم لا ينعم بالظروف الملائمة لتأدية واجبه وتوصيل رسالته، فمن جهة أصبح يتعرض لإهانات شتى وذهاب إلى مخافر الشرطة، ومن جهة أخرى ماذا يفعل وهو المسؤول عن60 طالباً أتوا من بيئات مختلفة؟! صحيح أن البعض يفهم من الكلمة الطيبة، ولكن ماذا يفعل للبعض الآخر المشاغب والمشاكس الذي يتعرض للعنف الجسدي واللفظي في البيت، ثم يأتي ليفرغ طاقاته السلبية داخل أسوار المدرسة وعلى معلميه وزملائه؟‏
العطلة غايتهم من عيد المعلم
مجتمعنا اليوم أصبح مادياً إلى أبعد الحدود، ولهذا التحول تأثير كبير في مكانة المعلم واحترامه في نفوس الطلاب والأهل، ولو قارنا بين أيام زمان واليوم لوجدنا أن المعلمين يعيشون في مهزلة كبيرة، إذ ترى سهاد مدرسة الرسم أن الأساتذة في بعض الأحيان هم السبب في ذلك، لأن بعضهم لا يهمه سوى التوقيع على ساعاته التعليمية من أجل تقاضي الراتب.
الحديث عن هيبة المعلم حالياً أصبح ضرباً من الخيال في ظل القيود التي تحد من حرية تصرف المعلم مع طلابه، يقول أمجد المدرّس في إحدى المدارس الابتدائية: كل المؤسسات على اختلاف مجالاتها قائمة على مهنة التعليم، فنحن الذين نربّي ونعلّم لنخرّج الجيل الجديد من أطباء ومهندسين وصحفيين وغيرهم، مستطرداً بحسرة: عيد المعلم كان له رونقه الخاص أيام زمان، فحينها كنا ننتظر هذا العيد لنرد الجميل للمعلم، ولكننا اليوم نفتقد من يردّه لنا، فكل ما يهم الطالب من هذا العيد هو العطلة، مشيراً إلى أن الوضع الاقتصادي العامل الرئيس في تناسي عيد المعلم أو عدم الاكتراث به من قبل الطلاب الذين يكتفي بعضهم بالمعايدة عبر منشور على مواقع التواصل الاجتماعي.
بدوره وليد مدرس التاريخ في إحدى الثانويات رأى أن للتطور التكنولوجي دوراً في تهميش دور الأستاذ وفقدان ثقة الطالب به كمصدر للمعلومة، فالمصدر الأسرع والأسهل للمعلومة هو شبكة الإنترنت التي تغنيه عن المعلم والكتاب.
من أجل أداء أفضل ‏
المعلم يعمل ويسعى لاكتشاف المواهب العلمية والثقافية ويساعد على تنميتها وتوجيهها نحو حب التعلم والتعليم رغبة لا رهبة، وعن العلاقة بين المعلم والطالب تبين الباحثة الاجتماعية نسرين حسن أن الموضوع يحمل أبعاداً مختلفة وعوامل عديدة اقتصادية واجتماعية يضاف إليها وجود عدد من القوانين التي قيدته وخففت من صلاحياته، حتى أصبح الطالب في الابتدائية يعلم الحالات التي يحق للمعلم معاقبته فيها، ناهيك بظاهرة العنف المنتشرة في المجتمع التي أثرت بشكل مباشر في كل العلاقات، وبالطبع لا ننسى الإعلام وما يقدمه بأفلامه ومسلسلاته من صورة سلبية عن المعلم، ودور الأهل الذي تحول إلى دور سلبي فهم اليوم يشاركون أبناءهم الهجوم والوقوف على أي زلة تصدر منه.
لتختم بالقول: هيبة المعلم تتطلب مراعاة قدر من الرسمية في العلاقة بين المعلم والطالب، ومن الأهمية بمكان إدراك الفارق بين منزلة المعلم ومنزلة الطالب فلا يجب إسقاط جميع الحواجز بينهما, كما أن على المعلم ألا ينحاز لأحد من الطلاب على حساب الآخرين، ومهما تبدلت اهتمامات الطلاب وتغيرت قناعاتهم بحسب تطورات عصرهم، إلا أن ما يجب الاتفاق عليه، هو ضرورة المحافظة على مكانة المعلم وهيبته واحترامه، فأمس، اليوم، وغداً، كان وسيبقى المعلم هو الركيزة الأساس لبناء المجتمعات والأوطان… وكل عام وكل المعلمين بألف خير.