تزداد أعباؤها تعرفة المعاينة الطبية تحلّق بأجورها.. والعيادات تتخلى عن إنسانية المهنة!

تزداد أعباؤها تعرفة المعاينة الطبية تحلّق بأجورها.. والعيادات تتخلى عن إنسانية المهنة!

أخبار سورية

الأربعاء، ٨ مارس ٢٠١٧

تتنازع تعرفة المعاينة الطبية الخارجة عن القيود، والبعيدة عن الضوابط والحدود، وجهات نظر، وآراء، ومواقف متباينة تصل إلى حد التناقض حيال عدم الالتزام بالتسعيرة المحددة للمعاينة في العيادة الطبية الخاصة، وتقاضي أطباء أجوراً زائدة تصل إلى عدة أضعاف قيمة المعاينة المسعّرة من وزارة الصحة، ونقابة الأطباء من خلال اللجنة المشتركة، وقد تخطّى بعض الأطباء التسعيرة المعممة المحددة للمعاينة منذ سنوات بعدة أضعاف دون حسيب أو رقيب، لأنهم هم من يحدد قيمة المعاينة ورفعها دون اعتبار لقدرة المواطن على دفعها في ظل ظروف معيشية استثنائية، واحتياجات حياتية يومية ضاغطة، وبعيداً عن تكريس الطابع الإنساني لهذه المهنة الإنسانية، حتى إن بعض الاختصاصات الطبية، ولاسيما الحديثة، ليست لها معاينة مسعّرة، ولا تسعيرة صادرة رغم مضي سنوات عديدة على مزاولتها، وهي اختصاصات مكلفة جداً، وتختلف تسعيرة عملياتها بشكل كبير بين طبيب وآخر، وبين هذا المشفى الخاص وذاك، لأنها خارج الضوابط السعرية المحددة!. مزاجية وغياب الضوابط
وكثيراً ما تخضع المعاينة، في ظل غياب الضوابط، إلى مزاجية الطبيب نفسه، ففي حين يكون البعد الإنساني مؤثراً ومحدداً لقيمة المعاينة عند هذا الطبيب الذي يرأف بحال الناس، منطلقاً من أحوالهم، ومقدّراً أعباءهم المعيشية، فيرضى بالحد المعقول والمقبول، بما يوازي التسعيرة الطبية، أو ما يقاربها كثيراً، متمسكاً بإنسانية مهنة الطب قبل كل شيء، فإننا نجد طبيباً آخر يحلّق كثيراً بتسعيرة المعاينة التي تزيد بمعدل ضعف، وضعفين، وحتى ثلاثة أضعاف عن التسعيرة المعتمدة المحددة، واضعاً مردوده فوق كل اعتبار، ولا يعنيه بشيء عبء المعاينة المرتفعة على المواطن، ومدى قدرته على دفعها، فيفصل نفسه عن الواقع وظروفه لأجل تحصيل أكبر مردود، لأنه يرى أنه هو الآخر يتحمّل الكثير من الأعباء، ويتكلّف النفقات الكبيرة، وأنه يواجه الظروف والمتغيرات نفسها التي يواجهها الآخرون، وبين هذا الطبيب وذاك نجد طبيباً متفرداً وملفتاً في تعامله مع المعاينة لدرجة تخيير المواطن بدفع القيمة التي يريدها للمعاينة بمطلق الحرية، ومنهم من يرضى بـ “300” ليرة، و”500″ ليرة، وهؤلاء “يراعون” ظروف الناس بكل واقعية، حتى إن أسماءهم يتداولها الناس، وهناك عدد من الأطباء لا يتقاضون معاينة من جرحى الجيش، ومن الحالات الناجمة عن الأزمة والظروف الراهنة، كمساهمة وجدانية إنسانية منهم في بلسمة الجراح، والتخفيف عن ظروف الأسر المتضررة.

بحثاً عن الأسباب
ولاستجلاء الصورة الواقعية للمعاينة الطبية، وأسباب ارتفاع تسعيرتها، وعدم كبح جماح هذا الارتفاع بضوابط محددة قابلة للتطبيق، التقت “البعث” مع الدكتور غسان فندي رئيس فرع نقابة الأطباء في محافظة اللاذقية الذي أوضح أن تسعيرة المعاينة الطبية تضعها لجنة مشتركة مؤلفة من ممثلين عن وزارة الصحة، ونقابة الأطباء بموجب القانون الناظم للتعرفة الطبية التي تصدر بقرار من وزير الصحة، ويمكن أن تعدل تعرفة المعاينة الطبية وفقاً للقانون بمعدل مرة كل 3 سنوات، وقد جرى آخر تعديل لها في عام 2005، حيث كانت 700 ليرة للطبيب الاختصاصي فوق الـ 10 سنوات، و500 ليرة للاختصاصي تحت 10 سنوات، و500 ليرة للطبيب العام فوق الـ 10 سنوات، و300 ليرة للطبيب العام تحت 10 سنوات من مزاولة المهنة، ونتيجة للتغيرات التي حصلت من ارتفاع تكاليف ونفقات، فقد طالبت النقابة في مؤتمراتها المتعاقبة على مدى السنوات الماضية– ولاتزال– بزيادة التسعيرة الطبية للمعاينة في العيادة الخاصة، وذلك أسوة بباقي المهن والوظائف، وأسوة بالصيادلة، والمحامين، وكافة الاختصاصات المهنية، إلا أنه لم يتم رفع تسعيرة المعاينة، وقد تسبّب عدم رفع التسعيرة بتعويم تعرفة المعاينة الطبيّة، حيث بات الطبيب يشعر بغبن لعدم زيادة ورفع التعرفة الطبية، وبسبب ما يواجهه الطبيب من ضغط الحياة وأعباء وظروف المعيشة، فقد لجأ إلى زيادة التسعيرة بشكل غير منتظم مع وجود تفاوت في التسعيرة بين طبيب وآخر.

لايلتزمون بها
ويضيف الدكتور فندي: ومن هنا فإن إصرار النقابة، ومطالبتها المتكررة بزيادة التعرفة الطبيّة له أسباب ومبررات عدة، منها تحقيق عدالة أسوة بجميع المهن في زيادة التعرفة، وإمكانية معاقبة، ومخالفة كل طبيب يتقاضى أكثر من التعرفة الطبية المحددة، كما أن عدم رفع التسعيرة، والإبقاء عليها بهذه القيمة يجعل من المتعذّر على النقابة، أو غيرها من الجهات المعنية إلزام الأطباء بهذه التعرفة، وهذا يخالف القانون، ولكن لا يمكن تعميم الموضوع على جميع الأطباء على الرغم من أن هناك أطباء يتقاضون تعرفة معاينة ما بين 1000و4000 ليرة، وهذا يؤكد ما نذهب إليه في حديثنا أن هناك تعويماً حقيقياً وواضحاً للتعرفة، سببه عدم رفع تسعيرة المعاينة الطبيّة.

شكاوى
ويؤكد الدكتور فندي أنه في حقيقة الأمر هناك شكاوى تردنا إلى النقابة عن أطباء يتقاضون 1000و2000 وأكثر، ولكن هذه الشكاوى شفهية غير مكتوبة وغير موثّقة، وهنا يسارع الطبيب المشتكى عليه إلى النفي التام، وبالتالي لا نتمكن من تثبيت الشكوى، وتوثيقها لاتخاذ إجراءات المحاسبة المتعارف عليها قانونياً في مثل هذه الحالات لمعاقبة الطبيب المخالف، ولنكن واقعيين، فإذا طبّقنا التعرفة المستمرة منذ عام 2005 وفق القانون فإن هناك زيادة حصلت في الضرائب والرسوم والأجور، وتكاليف العيادة الخاصة، وتسيير العيادة الطبية، وهذا يجعلنا عاجزين عن تطبيق التسعيرة الطبيّة، أو الزام الطبيب بالتعرفة المحددة المعتمدة حالياً، ولذلك كانت مطالباتنا المستمرة والملحّة، ودعوتنا الحثيثة في المؤتمرات بضرورة زيادة التعرفة الطبيّة، إلّا أنه إلى الآن لم تصدر زيادة على هذه التعرفة منذ عام 2005، وقد تكون محافظة اللاذقية من أفضل المحافظات نسبياً في تطبيق التعرفة، والالتزام بها حسب معرفتنا واطلاعنا، وأما تقاضي الطبيب لأجرة مقابل المراجعة للمرة الأولى بشأن نفس المرض، فهو مخالف تماماً للمعاينة وتعليماتها، وتستوجب المحاسبة المنصوص عنها في قانون مزاولة مهنة الطب.

الحل برفع التسعيرة
وفي إطار مسعى نقابة الأطباء لمعالجة هذا الموضوع – والكلام للدكتور فندي- فقد تقدمت في مؤتمراتها باقتراح قرار رفع التسعيرة الطبية للطبيب الاختصاصي 1200-1500 ليرة، ولكن لم يتم التوافق على هذا المقترح، ولايزال موضع مناقشة في اللجنة المشتركة مع وزير الصحة، ونحن ندرك تماماً كأطباء، ولا سيما كأطباء عاملين في الخط الأول، أن هناك ظروفاً معيشية ضاغطة، وأن هذه الزيادة تشكّل عبئاً، كما أن دفعها ليس بالأمر السهل، لكن ما ينبغي أن ندركه أن الطبابة في قطرنا تتحقق بثلاث طرق: أولها يتم عن طريق شركات التأمين (الوزارات – المؤسسات)، والشريحة الثانية هي العمال عن طريق الصندوق المشترك بموجب إحالات طبّية تصدر عن الأطباء المتعاقدين مع الشركات، وأما الشريحة الثالثة، فليست لها طبابة، ويؤكد الدكتور فندي أنه عندما يتم تعديل ورفع قيمة معاينة المشمولين بالشريحتين الأولى والثانية، فإن هذا سينعكس حتماً وبشكل مباشر على طبابة الشريحة الثالثة، لأن النقابة وغيرها من الجهات المعنية، وأيضاً الأطباء أنفسهم سيقدمون كل الرعاية لهذه الشريحة بتعرفة منخفضة وبالحد الأدنى، كما سيكون استقبالهم أوسع وأفضل وبجودة خدمات أحسن، وبيّن فندي أن رفع التسعيرة عندما يخدم الشريحتين الأولى والثانية، ومن ثمّ الثالثة تلقائياً وآنياً فإن الهدف الكبير المنشود المتمثل في تحصين الحماية الاجتماعية يكون قد تحقّق في إطار ضمان صحي شامل لكل الشرائح، ولا سيما الشريحة الثالثة، وهذا تعزيز ودعم لديمومة واستمرارية التأمين الصحي، لأنه عندما نصل إلى علاقة وثيقة بين الطبيب والمريض مجردة من البعد المادي وتفصيلاته، عندها يتعزز البعد الإنساني، والإطار الاجتماعي لمهنة الطب.

زيادة على التعرفة
ويوضح رئيس فرع نقابة أطباء اللاذقية، أنه كان لنا طرح في هذا المجال فبالنسبة للشريحة المؤمّن عليها عبر “شركات التأمين” و”الصندوق المشترك” فيمكن أن تكون هناك زيادة على التعرفة، وهذا ليس لمصلحة الأطباء ولتلبية رغباتهم، وإنما حفاظاً على التأمين على مستوى القطر. والواقع أن بطاقة التأمين التي من المفترض أن تغطّي علاج المواطن فإنها لاتحقق هذه التغطية، والسبب في ذلك هو المبلغ “أقل من 700 ليرة التي يتقاضاها الطبيب، وبذلك أصبح مريض التأمين مريض فئة ثانية عند الأطباء، وأصبح الكثير من الأطباء يتهربون من العمل والتعامل مع شركات التأمين، وكذلك بالنسبة للفئة الثانية “الصندوق المشترك” حيث تصل المعاينة إلى 300 ليرة، وبالتالي لايقبل الأطباء الأخصائيون هذه الإحالة، كما أن كثيراً من العمال يراجعون العيادات مع الإحالة ويدفعون زيادة عن الإحالة مبلغاً يتراوح مابين 500 و1500 ليرة، وأصبح المريض فئة ثانية من حيث الاهتمام والقبول، وهنا وإزاء هكذا واقع فإن الطرح يكون بزيادة معاينة أجور المعاينة الطبيّة للمؤمّن عليهم من خلال الصندوق المشترك، وأما الشريحة الثالثة غير المؤمّن، فهناك خيار المشافي العامة التي لاتزال حضناً دافئاً لاستقبال المرضى، وما أريد طرحه هنا أن تكون طبابة المشافي العامة موجّهة لمن ليس لهم طبابة “غير خاضعين لشركات التأمين أو الصندوق المشترك” أي أن تقدّم المشافي العامة الخدمة المجانية لهذه الشريحة غير المؤمّن عليها بالدرجة الأولى، أما من لديه تأمين فيمكن أن يدفع لها، وهناك مشاف عامة تقدّم خدمات من خلال عيادات، ولكن ليس على مدى اليوم، كما أن الاستقبال غير لائق.

اختصاصات بلا تسعيرة
وهناك اختصاصات طبيّة غير مسعّرة كطب التجميل والعمليات الجراحية عن طريق التنظير، حيث لاتوجد تسعيرة صادرة رسمياً بشأنها، وهنا تكمن مسؤولية اللجنة المشتركة في عدم صدور التسعيرة، وبشأن نسبة عدد الأطباء إلى عدد سكان المحافظة، أوضح فندي أن هذه النسبة ربما تكون الأعلى على مستوى القطر، ولكنها لاتصل إلى النسب العالمية، وأما بما يخص التوزع الجغرافي للأطباء الأخصائيين، فأكد أنه ليس مطلوباً في كل أنحاء العالم أن يكون انتشار الأخصائيين شاملاً لكل البقعة الجغرافية لمحافظة أو مدينة.

محاسبة أطباء مخالفين
وحول الإجراءات التي تتخذها النقابة بحق الأطباء المخالفين لمزاولة المهنة أكد فندي أن النقابة خالفت وعاقبت أطباء مخالفين وأية شكوى تصل النقابة يتم التحقيق والتدقيق فيها، ولكن الأهم تكريس ثقافة الشكوى بما يمكّن من الإحاطة الدقيقة والمثبتة بحالة المخالفة، حيث يتم التحقيق المباشر بالشكاوى التي ترد، وهناك أطباء قامت النقابة بمعاقبتهم ومحاسبتهم، كما سددوا تعويضات للمواطن المتقدّم بشكوى، كما تمت المحاسبة على الخطأ المهني.

الطب الشعبي
وحول ظاهرة الطب الشعبي “العربي” أكد الدكتور فندي أن هذه الظاهرة موجودة في اللاذقية، وأنه ليس للنقابة دور في محاسبة مزاولي هذا العمل أو الإشراف عليهم، إلا من خلال وجود شكوى محددة وواضحة، لأن هناك لجنة مشكّلة من فروع النقابة ومديريات الصحة والبلديات “لضبط ومتابعة هذه الظاهرة، وهناك حالات عديدة تمّ فيها إغلاق مراكز لمزاولة هذه الأعمال بعد ورود شكوى مباشرة ومحددة، وعزا نقيب أطباء اللاذقية انتشار هذه الظاهرة إلى فقدان الوعي الصحي، وعدم قدرة المواطن على تلقّي العلاج اللازم، ما يدفعه إلى اللجوء لمثل هذه الأساليب والطرق التي تعكس حالة من عدم الوعي الصحي بكل المقاييس.

مروان حويجة