أقساط كاوية.. وخدمات متواضعة..!! ..رياض الأطفال أماكن لحجز الأبناء.. بعضها أقبية لا ترى النور

أقساط كاوية.. وخدمات متواضعة..!! ..رياض الأطفال أماكن لحجز الأبناء.. بعضها أقبية لا ترى النور

أخبار سورية

الثلاثاء، ٧ مارس ٢٠١٧

    أيمن فلحوط – إلهام العطار

تأكيد الكثيرين من علماء النفس والتربية والاجتماع أن 50% من ذكاء الطفل وقدراته التحصيلية تتكون في السنوات الأربع الأولى من عمره، التي سميت بسن العبقرية أو المرحلة الذهبية لما تشهده من تطورات عقلية ونفسية وخلقية وجسدية، كان الدافع وراء الاهتمام برياض الأطفال التي تحتضن تلك الفئة العمرية وتمتلك القدرة على التدخل الفاعل في مرحلة التكوين الفكري لدى الأطفال، ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة: هل تلبي رياض الأطفال في بلدنا بواقعها الحالي طموح الأهالي؟، أم إنها تحولت إلى مكان لحجز أبنائهم فيه خلال فترة غيابهم عن المنزل فقط؟ ثم ماذا عن تناسب أقساطها المرتفعة مع ما تقدمه من خدمات؟ ما هي مشكلاتها ومشكلات الأهل معها؟
حرصت «تشرين» على مناقشة كل ذلك مع الاختصاصيين والمعنيين المسؤولين عن هذا القطاع التربوي المهم بغية تصحيح مسار رياض الأطفال ووضعه على سكة الأهداف التي وجدت من أجلها وهي «رعاية الأطفال ما بين الثالثة والسادسة، وبناء شخصيتهم من الناحية الجسمية والنفسية والحركية والفكرية واللغوية، ومساعدتهم على الاندماج في مجتمع الأقران، وغرس روح التعاون في داخلهم، وتهيئتهم للمرحلة التعليمية اللاحقة» وذلك حسبما اختصرها غيث شيكاغي مدير التعليم الخاص في وزارة التربية.

مع الأهل
رغم أن اسم زينة وهي طفلة في السنة الرابعة من العمر، يندرج على القائمة في سجل إحدى رياض الأطفال في ريف دمشق، فإن أيام حضورها لا تكاد تتعدى أصابع اليد الواحدة في كل شهر، والسبب -كما تقول والدتها التي تعمل مدرسة للرسم- إصابتها في كل مرة تذهب فيها إلى الروضة بمرض من أمراض الشتاء، إما لعدم وجود وقود التدفئة وإما من جراء العدوى من الأطفال الموجودين بأعداد تفوق الحد المسموح به رسمياً.
الروضة بالنسبة إلى لمياء تشكل عاملاً مساعداً كبيراً لها ولغيرها من النساء العاملات في تربية الأولاد ورعايتهم منذ الصباح حتى فترة الظهيرة، لكن مصدر قلقها يعود إلى السرعة التي يقود بها السائق باص الروضة وإلى مجيئه بعكس السير من دون مراعاة سلامة الأطفال بحجة ضيق الوقت.
وتبقى طريقة التعامل مع الأطفال هي ما يخيف شهناز شحاف التي طالبت بأن يتم على أسس مدروسة من دون تدخل المزاجية فيه، وضربت مثالاً على ذلك بقولها: في إحدى المرات قمت بجلب ابن أخي من إحدى رياض الأطفال فقالت له المعلمة بحضوره «هلق أنا راح ارتاح منك» فما كان مني إلا أن أعطيتها محاضرة في التربية والأخلاق، ففي زمن الحرب نحن بحاجة لمعاملة الأطفال بمحبة وتشجيع لأنهم الأمل والمستقبل، ولابد من قوانين صارمة لحمايتهم أينما كانوا.
أما هناء التي لا ترى أهمية كبيرة لرياض الأطفال، فنحن -كما تقول- يمكننا أن نعلم أطفالنا في المنزل ونشتري لهم أفضل الألعاب، لكننا نسجلهم في الروضة بحكم العادة أو «البريستيج» الاجتماعي، فقد عبرت عن امتعاضها من ارتفاع أقساط الروضات العامة والخاصة الذي بات في رأيها مصدر التنافس الوحيد فيما بينها، رأي شاركها فيه المحامي خالد الباسط وقال: من واقع التجربة، وجدنا أن رياض الأطفال التابعة للقطاع العام هي الأفضل والأكثر حرصاً على بناء الجيل، على عكس الكثير من رياض الأطفال الخاصة التي تركز بشكل أساس على المظهر الخارجي من دون الغوص باتجاه العمق، والشيء الوحيد في رأيي الذي تختلف فيه الرياض الخاصة يتمثل في موضوع اللغة الثانية إضافة للغة الانكليزية.
بدورها نبال زيدان مدرسة لغة عربية قالت: لو دققنا في الواقع الحالي لمعظم مربيات الأطفال في الروضة نرى أن معظمهن لا يحملن شهادة جامعية رغم أن التخصص في هذا المجال أصبح ضرورياً فالطفل في هذه المرحلة يحتاج من يفهمه ويتعامل معه وفق أسس علمية تساعد في نموه العام ونمو شخصيته وتعليمه الكتابة والقراءة بطريقة صحيحة وإعداده لمرحلة الدراسة الابتدائية، أضف إلى ذلك أن لبناء الروضة شروطاً لابد من تحققها، لكن للأسف الأماكن التي تشغلها الرياض حالياً عبارة عن شقق سكنية، أو دور عربية والأفظع حين تكون الروضة في القبو.
لتختم حديثها بالتأكيد أن مستوى النمو النفسي ودرجة الجاهزية للتعلم المدرسي تبدو أعلى بكثير عند الأطفال الذين ارتادوا رياض الأطفال التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من النظام التربوي في العالم.‏
بين الأبنية والمناهج
برد الشتاء ووقود التدفئة، الأقساط الكاوية والخدمات العادية، المناهج والمعلمات، الرعاية وشروط السلامة لأطفالنا، تساؤلات كانت محور حديثنا في مديرية التعليم الخاص في وزارة التربية مع المثنى خضور مدير التوجيه وسهى بسيسيني موجهة رياض الأطفال وغيث شيكاغي مدير التعليم الخاص الذي أكد بداية أن هناك مواصفات مطلوبة في دور رياض الأطفال منها أن يكون موقعها قريباً من المناطق السكنية، وبعيداً عن كل ما يؤثر في الرسالة التربوية، وعن كل ما يهدد سلامة وصحة الأطفال، أن تستقل الروضة وفناؤها وباحاتها ومرافقها بحيزها الخاص في حال وجود مراحل أخرى في المدرسة، وأن يحتوي البناء أقساماً تتوافق مع فئات أعمار الأطفال المقبولة فيها ودورات مياه ومناهل شرب خاصة مناسبة ومريحة، أن تكون الباحة مرصوفة يظلّل 20% من مساحتها بحيث لا تقل حصة الطفل من المساحة عن 2 متر مربع، ويحيط البناء بكل مرافقه سور آمن، وأن تزود الروضة بنماذج متعددة من الألعاب الثابتة الآمنة شكلاً ومادة والمناسبة لأعمار الأطفال من حيث الحجم والنوع، وبأجهزة الإنذار والحماية اللازمة وألا تقل المساحة المخصصة للطفل الواحد في الشعبة عن متر مربع واحد وألا يزيد عدد الأطفال في القاعة الصفية الواحدة على 30 طفلاً، لكن يا ترى هل جميع رياض الأطفال المنتشرة على امتداد البلد تنطبق عليها هذه الشروط؟ أرض الواقع تقول:لا!
وبالنسبة للشروط الواجب توافرها في مدرسي رياض الأطفال.. يبين شيكاغي أن المرسوم التشريعي رقم /55/ لعام 2004 م أكد وجوب أن يكون العاملون في المؤسسات التعليمية الخاصة من حملة الشهادة الجامعية مع التأهيل التربوي، ويجوز أن يكون معلم الروضة حاصلاً على أهلية التعليم الابتدائي أو الإعدادي ومن حملة الشهادة الثانوية ومارس التعليم مدة لا تقل عن 500 يوم ويسمح للمربية المساعدة في الروضة أن تكون من حملة الثانوية العامة.
بدوره المثنى خضور مدير التوجيه في وزارة التربية قال لدى سؤاله عن المناهج التعليمية: خلطت الرياض بين دورها والحاجة إلى مكان للمرأة تضع فيه أولادها لحين عودتها من العمل، وابتعدت عن الهدف الأساس باعتبارها مكاناً لتنمية مهارات الطفل، وإعداده للحياة المدرسية من خلال تعويده على العمل الجماعي وتنمية خبراته الحياتية عبر التواصل والتفكير والبحث والاستكشاف، وتنمية ملاحظاته وهي أولى المهارات في مجال التحليل والتركيب، ولكن حقيقة الرياض حالياً تعلم الطفل ألف باء القراءة والحساب معتمدة مع الأسف على أسلوب التلقين وفقاً للطريقة المدرسية التي تشكل ضغطاً على الطفل في هذه المرحلة العمرية، لأنه غير مستعد للتقبل وهوسه باللعب، متناسية أن التعلم عن طريق اللعب هو من أفضل أنواع التعلم، وهو الذي يلبي القدرات عند الأطفال.
وعن دور الوزارة في المناهج الخاصة برياض الأطفال أضاف مدير التوجيه: تزامناً مع مناهج التعليم العام لاحظت وزارة التربية أهمية وضع معايير لمناهج رياض الأطفال، وحددت فيها الخبرات والمهارات ومواصفات المربية، والمهارات التي ينبغي أن تمتلكها، ووفقاً لذلك جربت المناهج وعدلت، والآن سنقدم مناهج متطورة أكثر لتكون وسيلة بين يدي المعلم، فهناك كراس للأطفال مع دليل للمربية يمسك بيدها خطوة بخطوة، إضافة للتدريب والمتابعة الميدانية عبر الموجه التربوي المشرف في رياض الأطفال، ومشكلتنا لا تزال في ضعف رؤية المشرف التربوي باتجاه مرحلة رياض الأطفال وينظر لها كأنها مرحلة مدرسية، ولذلك نعمل الآن على تدريب الموجهين التربويين وتأهيلهم مستقبلاً ليكونوا متخصصين في الإشراف على رياض الأطفال.
وفي إطار المناهج أيضاً هناك تعاون دائم بين وزارتنا ووزارة التعليم العالي في وضع المعايير والتأليف للمناهج، وعلى صعيد تطبيقها أشار إلى أنه ينبغي على جميع الرياض تطبيقها، ويمكنهم اختيار مناهج إثرائية في مجال اللغة الانكليزية والرياضيات بعد موافقة وزارة التربية على أن تكون معدة بطريقة الخبرات وليس بطريقة مدرسية، أما من حيث إمكانية الأطفال لدراسة أكثر من لغة فبينت الدراسة التي أجرتها وزارة التربية أن الطفل قادر على تعلم أكثر من لغة.
آلية التطبيق
بينما ترى سهى بسيسيني موجهة رياض الأطفال في الوزارة أن أهم المشكلات تكمن في آلية تطبيق منهاج رياض الأطفال بعد صدور المناهج الموحدة المتمثلة بدليل المربية وكراس الطفل بفئاته الثلاث، وكنا حريصين أن نشرح للمربية طريقة عملها لأن الطفل هو محور العملية التربوية وطريقة استخدامه للأدوات التي تساعده في التعلم بشكل حسي وصولاً لمرحلة التجريد.
وأضافت: للطفل حاجات وخصائص عمرية ونمائية في هذه المرحلة، وعلينا التعامل مع مشكلاته السلوكية بطريقة صحيحة، ومع الأسف هذه الحالة غائبة وإذا لم نوفق بالتعامل مع شخصيته فإن ذلك يؤثر فيه على المدى البعيد بهدم أشياء لديه أو بناء أشياء أخرى، ووسيلتنا بالمعالجة هي التدريب للمربيات وتأهيلهم، وهدفنا المربية بذاتها بشكل مباشر، لأن تأهيل الموجه التربوي قد لا يؤدي الرسالة التي ننشدها، وقبل الوصول لمربيات الرياض الخاص نهتم برياض الأطفال الحكومية لتكون مثالاً يحتذى بها عند بقية الرياض التي ستكون ضمن خطة عملنا اللاحقة باتجاه الرياض الخاص.
وتابعت بسيسيني: عندما نعلم المربية مهارة التعلم باللعب والتواصل مع الطفل بشكل صحيح نكون قد حققنا المراد، لأن الطفل كائن مجهز بإمكانات هائلة وفي الوقت نفسه لديه مشكلات وخصائص وحاجات نمائية وعدم تلبية الحاجات قد يسبب له اضطرابات.
واعترفت رئيسة قسم رياض الأطفال أن هناك فجوة بين رياض الأطفال والخطة المدرسية تتمثل في البيئة من خلال متطلبات اللعب في الروضة، واختلاف ذلك في الصف الأول ونحاول عبر المناهج لتقليص هذه الفجوة وخاصة بالنسبة للفئة الثالثة لتكون قريبة من الصف الأول.
الشكوى الدائمة
أما بالنسبة للأسعار المرتفعة وتناسبها مع الخدمات المقدمة من قبل الرياض، فقد أوضح شيكاغي أن المؤسسات التعليمية الخاصة تلتزم قبل بداية تسجيل الطلاب في كل عام بإعلام مديرية التربية بالأقساط المدرسية السنوية والمحددة من قبلها لكل مرحلة وإعلانها بشكل بارز في لوحة الإعلانات الخاصة بالمؤسسة، على أن يشمل القسط (الرعاية الصحية والخدمات التعليمية وثمن القرطاسية الخاصة بالمؤسسة).
وفيما يتعلق بأجور الخدمات الأخرى والميزات الإضافية بما فيها أجور نقل الأطفال، فعلى المؤسسة التعليمية إعلام المديرية وأولياء الأمور بها قبل التسجيل أيضاً ويعد حجب هذه المعلومات عند طلب التسجيل مخالفة صريحة توجب المساءلة. وفي حال لم تتناسب مع ما تقدمه بيّن خضور أن الوزارة تحدد الأسعار لكل الرياض حسب المستويات الخدمية، وفي حال تقديم أي شكوى لناحية عدم تقديم الخدمة بالمستوى المطلوب تعمد الوزارة لاتخاذ الإجراءات عن طريق مديرية التعليم الخاص، ويمكن إرسال ضابطة عدلية بشكل سري للكشف عن هذه الخدمات، وتتم معاقبة الرياض المخالفة وتعاد المبالغ المادية الزائدة التي تم قبضها.
وعن الدور الإشرافي لوزارة التربية أفاد شيكاغي أن الوزارة تتابع أوضاع رياض الأطفال من خلال توزيع نصاب الموجهين التربويين على الرياض الخاصة بالتساوي مع الرسمية إضافة إلى تعيين مديرين مشرفين في بعض الرياض التي تستوجب الإشراف المباشر، كما أن مديرية التربية تقوم بمتابعة الرياض من خلال اللجان المشكلة للتحقق من مدى التزامها بالتعليمات والبلاغات الوزارية الصادرة.
أخيراً لابد أن نستغرب بعد كل تلك الإيضاحات واقع رياض أطفالنا المثقل بالهموم، وهو ما نضعه برسم الوزارة لاتخاذ خطوات عملية ورقابية وعدم انتظار شكوى الأهالي الذين لا حول لهم ولا قوة.

وماذا عن رياض الاتحاد النسائي؟

المهندسة لوريس يوسف رئيسة مكتب رعاية الطفولة في الاتحاد العام النسائي أكدت أن بعض رياض الأطفال التابعة للاتحاد خرجت من مهامها وتحولت إلى مراكز إيواء (7 مراكز) وهناك رياض في المناطق الساخنة (29 روضة) وتضررت (19) روضة نتيجة الأعمال الإرهابية من قبل المجموعات المسلحة عدا الغائبة كلياً في إدلب والرقة ودير الزور.
تتقاضى المدرسات المثبتات في رياضنا، بحسب يوسف، الرواتب الدائمة على مدار العام وفقاً للشهادة العلمية التي تملكها، أما المياومات فيحصلن على الراتب فقط خلال عملهن، ولا يتقاضين شيئاً صيفاً، إلا في حال عملهن بالنادي الصيفي.
أما أسعار الرياض فتختلف حسب المناطق والأحياء الشعبية، وكذلك في مناطق مراكز الإيواء، وتتراوح شهرياً بين 2000 و3000 ليرة سورية والدوام في الرياض يبدأ مع بداية العام الدراسي من 1/9 إلى 31/5 وهناك رسوم للتسجيل والتدفئة تدفع مرة واحدة مع بداية العام ومقدارها بين 1500 و3000 ليرة سورية.