تدمر.. نقطة انتهى .. بقلم: محمود عبد اللطيف

تدمر.. نقطة انتهى .. بقلم: محمود عبد اللطيف

أخبار سورية

الأحد، ٥ مارس ٢٠١٧

تتشابك خطوط الاحتمالات الميدانية كما تتشابك خطوط التعب في يد مقاتل لا تعرف أمه تحت أي نخلة في تدمر يستريح، فالذهاب نحو الشرق باتجاه السخنة قائم بعد أن تتم عمليات توسيع النطاق الآمن حول تدمر من جهتيها الجنوبية الشرقية، والشمالية الشرقية، والصوامع نقطة أولى لتأمين المدينة من الجهة الشرقية.
في تدمر وقفت عقارب الساعة عدة مرات، انتصر الرجال لكنهم لم يبقوا فيها ليحتفلوا بالنصر، ثمة ما هو أهم من الوقوف أمام عدسات الكاميرات لأخذ صورة تذكارية بعد المعركة، فهناك معركة أخرى يجب إتمام مهامها، والرصاصات اللاتي بقي من فعلهن الصدى، يعرفن جيداً أن الرجال الذين ما أفردوا متاعهم منذ زمن يشقون وحشة الصحراء بخطى واثقة قبل أن تقسو بحرارتها عليهم.
لمعركة تدمر منعكساتها على توازن القوى ميدانياً وسياسياً، الشرق قاسٍ بتضاريسه المكشوفة، سهل على العازمين، والشرق السوري أيضاً مسرح لفوضى ميدانية يجب توضيبها، ففي عرف دمشق السياسي، من غير المسموح أن تستمر الفوضى التي يخلقها العدو ميدانياً ليصرف مشاريعه السياسية، إلا أن هذه الفوضى في عرف المقاتلين ممنوعة لأن ثمة "أطفال يجب أن يجدوا أياماً حلوة"، وحين تسأل مقاتلاً إلى أين تمضي؟، يجيب: "بالدير عندنا شغل"، وليس تفاؤله شطحة خيال من مقاتل قد يكون أمياً لما قد تفرزه التطورات، فالعدو منها، وتركه للراحة قد يضر بالقوات، وقد يكون الخيار الأسلم بالفعل هو مواصلة التقدم على حساب تنظيم داعش طالما هو ينحسب تحت وقع الضربات العنيفة التي يتلقاها الواحدة تلو الأخرى.
على الطريق الحجرية التي تصل المدينة الأثرية بتدمر، مقاتل يحمل بندقيته على ظهره ويقود دراجة هوائية، تسأله إلى أين تمضي؟، فيجيب ببساطة: "الشباب عم يمشوا.. أريد ألحقهم"، يتابع طريقه تاركاً كومة من الأسئلة حول عزيمة من مثله، من أين تأتي؟، ما الذي ينتظرونه بعد الحرب؟، ماذا سيحكون لأولادهم إذا ما جاءتهم مساءات بسيطة حول مدفأة قد تذكرهم بليالي البرد في تدمر، المدينة التي لا يخلو شارع فيها من أثر معركة.
على الطرف الآخر من الطريق، تجمع المحتفلون يراقبهم مجموعة من الرجال الذين طالت لحاهم بطريقة غريبة، إن اقتربت منه لتسأله منذ متى لم تتواصل مع أهلك؟، ستصعقك الإجابة كأن يقول لك: "كنا بالبيارات من خمسة أيام، اتصلت وقلت لهم أدعولي"، أو أن يقول لك: "كنا بالبويضة من أكثر من 10 أيام، وبعدها راحت التغطية"، هذه الإجابات تدفع للبحث الحقيقي في حجم الخوف الذي تتملئ به قلوب أمهاتهم، وأي صبر ذاك الذي يسكّن أرواح زوجاتهم، وماذا يقال لأطفال هؤلاء المقاتلين حين يشتاقون لأحضان آبائهم.. وأي بشر هؤلاء المقاتلين الذين تجاهل العالم حجم انتصارهم في تدمر على أبشع التنظيمات الإرهابية في العالم، ولم يحرك هذا العالم ساكناً تجاه المدينة التي تباكى على آثارها عبر منظماته الدولية، إلا أن لسان حال السوريين يقول: "في تدمر لا تاريخ لنا إلا رجال مازالوا قابضين على جمر الصبر ليخطوا على شفاهنا ابتسامة نصر".
المروحيات القتالية تشق سكون المدينة التي تنتظر عودة ساكنيها، المدفعية لها دور أيضاً في استهداف العدو الذي دمر جزء من حاضرها وماضيها على دفعتين، تدمر تحتاج بحسب كلام محافظ حمص إلى تنفيذ خطط وضعت للبدء بها، فكل المرافق الحيوية العامة تضررت، حالها في ذلك حال ممتلكات الفقراء الذين كانوا في هذه المدينة قبل هجوم داعش، والأخير الذي شن هجومه بعدة محاور صحراوية للوصول إلى مطار الـتيفور بما يخدم قلب المعادلة التي تستند إليها دمشق على طاولة السياسة، يحاول الوصول إلى مناطقه الآمنة، هي آمنة له مؤقتاً وفقاً لتأكيد قادة الجيش السوري، ويحز في نفوس المقاتلين الذي كتبوا بعرقهم ودماء الشهداء حكاية النصر الجديد في تدمر، أن ينسفهم "محرر صحفي" من خبرهم ويقول "حررها الحلفاء"، إلا أنه يقول: "ربك شايف مين اللي اشتغل.. الأصدقاء ساعدونا بس نحن الخط الأول والثاني".
في تدمر لم يزل النصر يكتب، حكاية الشرق لم تنتهِ، ومربط الخيل السورية في هذه الجبهة تحديداً، الكل يعرف في تدمر أن الطريق لم ينتهِ، بعضهم يقول "السخنة" مجرد طريق، فالسيطرة عليها تعني شلل لقوافل إمداد داعش بين الرقة ودير الزور من جهة، والصحراء من جهة أخرى، والعمل في حقل شاعر شمال تدمر من شأنه فتح طريق نحو جنوب الرقة، والوصول إلى دير الزور ليست "مهمة مستحيلة"، كل الاحتمالات واردة، وكل الاحتمالات هامة بالنسبة لهم، فلا راحة طالما ثمة عدو قد يهاجم في أي لحظة.. في تدمر تقف هذه المرة عقارب الساعة بقرار سوري، لتعلن ألا زمن يمر في هذه المدينة إلا زمن الرجال الرجال، ونقطة انتهى.
عاجل الاخبارية