دخل حياتنا عنوةً ويوفّر بعضاً من حاجاتنا ..اختصاصية اجتماعية:«العمــل الإضـافي» حاجة ماسة لتحقيق الاكتفاء بالإنفاق الشهري

دخل حياتنا عنوةً ويوفّر بعضاً من حاجاتنا ..اختصاصية اجتماعية:«العمــل الإضـافي» حاجة ماسة لتحقيق الاكتفاء بالإنفاق الشهري

أخبار سورية

الجمعة، ٢٤ فبراير ٢٠١٧

 سراب علي
حكايات وقصص كثيرة في مجتمعنا تحكي ما آل إليه حال المواطنين باختلاف أعمارهم وأوضاعهم الاجتماعية في رحلة البحث عن توفير حاجات الحياة الأساسية في ظل واقع معيشي واقتصادي صعب، فالعمل تضاعف والتغيب عن المنزل والأسرة في ازدياد، أما تربية الأبناء فعلى الله والأمهات إن كن ربات بيوت، أما إن كن من العاملات فتربيتهم على الجدة والخالة والعمة وحتى الجارة، فلم يعد العمل في مكان واحد يكفي للموظف لتأمين المستلزمات الحياتية التي تتضاعف أسعارها يوماً بعد يوم.
رحلة العمل التي كانت تبدأ من الساعة الثامنة صباحاً عند الموظف «أحمد .ح» وتنتهي عند الساعة الثالثة تغيرت منذ سنتين فهو موظف يحمل إجازة جامعية في التجارة والاقتصاد، يتقاضى راتبا شهرياً وكذلك زوجته، ولكن كما يقول: لم يعد الراتب الذي أتقاضاه يكفي لذا بحثت عن عمل ثان وحصلت على وظيفة في القطاع الخاص في أحد الفنادق، بين العملين لدي ساعة واحدة لأذهب إلى المنزل وأتناول الغداء وبعدها أنطلق إلى عملي الثاني الذي ينتهي في الساعة الحادية عشر ليلاً لأعود إلى أسرتي منهكاً متعباً، زوجتي من يتدبر أمور الأولاد بعد عودتها من عملها.
في الصباح موظف حكومي وبعد الظهر موظف في القطاع الخاص وفي المساء مدرس، هذا حال الشاب الثلاثيني المهندس حسين محمد الذي اضطرته الظروف كما غيره لتأمين حاجاته  ومساعدة أهله بعد أن كان يزاول عملين منذ ثلاث سنوات وكان يقتصد في مصروفه ويجمع البقية لوقت الحاجة أصبح منذ سنة يزاول ثلاثة أعمال ليلبي متطلبات الحياة الآنية قائلاً: فكرت بإيجاد عمل ثالث لهذا كان التدريس هو العمل الذي أستطيع أن أقوم به بعد يوم من العناء والتعب في الوظيفتين فأنا لا أرى أهلي سوى دقائق صباحاً وأحيانا مساءً وكذلك التواصل مع أصدقائي يكون عبر الجوال فقط.
«محمد .م» يعمل في مدرسة خاصة لكن ضيق فرص العمل والظروف الاقتصادية والمعيشية الضاغطة جعلته يبحث عن عمل إضافي حيث يعمل حارساً ليلياً في إحدى الشركات الخاصة بدوام (24) ساعة متواصلة ليرتاح (48) ساعة ويعطي دروساً خصوصية في ذلك الوقت, ويقول: هذا سبب لي الإرهاق والتعب وأبعدني عن أولادي، فأحياناً لا أراهم ولا أعرف ما حاجاتهم وما مشاكلهم إلا عن طريق زوجتي، وهذا ليس حالي أنا فالكثير من أقاربي يعملون أكثر من عمل ليؤمنوا حاجات أسرهم.
«مو شغلتي»
لا أخفي أنني دهشت عندما دخلت أحد المحال لبيع الألبسة ورأيت إحدى الموظفات التي التقيتها في مؤسسة حكومية تعمل في المحل بعد الظهر فحالها ليس أفضل من سابقيها، وبابتسامة خفيفة قالت: الظروف هي من يتحكم بعملنا والشغلة «مو شغلتي» بس هيك صارت حياتنا، ولا يمكنني أن أوفر أياً من النقود، فكل ما أتقاضاه من العملين يذهب في وقته، وأمي من يتدبر أمور أولادي في فترة غيابي أنا ووالدهم عنهم.
كذلك لم تجد «س. ص» الموظفة في إحدى المؤسسات الحكومية عملاً إضافياً يحسّن من حالها سوى العمل كمزينة للسيدات في منزلها، إذ لديها هواية في تصفيف الشعر والماكياج، قائلة: رغم أنني لم أكن أتوقع يوماً أن أقوم بهذا العمل، لكن هذا أنسب عمل أقوم به وأنا في منزلي وبالقرب من أطفالي لأن عمل زوجي يجبره على التغيب ساعات طويلة عن المنزل.
امسك العصا بالمنتصف
في الظروف الطبيعية يطمح أي فرد للعمل وهذه رغبة داخلية ذاتية، كما بينت اختصاصية علم الاجتماع  «ندى علان» وتابعت قولها: العمل في أكثر من مكان حاجة ماسة وأساسية للمواطن لأن ما يتقاضاه من أجر في عمل واحد لا يكفي سد احتياجات أسرته، ورغم أن الرجل والمرأة يخرجان معاً للعمل فإنهما لا يستطيعان الوفاء بالتزامات الأسرة المعيشية وما يحصلان عليه من مال غير كاف، وأضافت: لا ننكر أنه يجب أن نلبي حاجات أطفالنا أن نعطيهم حقوقهم في الحياة، لكن هذا لا يكون على حساب صحة الأبوين وغيابهما المتكرر عن أطفالهما مبينة أن غياب الأب المتكرر عن أطفاله وزوجته يشكل تهديداً خطيراً لاستقرار الأسرة الاجتماعي ويؤثر في العلاقة الزوجية فضلاً عن أنها تؤثر في علاقاته الاجتماعية مع محيطه.
الأب الذي يعمل وحده في المنزل لتأمين متطلبات أسرته ويهمل أبناءه في المراحل العمرية الأولى من حياتهم وكذلك في مرحلة مراهقتهم يخسرهم مستقبلاً وتترتب على ذلك إشكالات كثيرة لذا نصحت «علان» بإمساك العصا من المنتصف ومحاولة إيجاد توازن بين العمل والحياة الأسرية وتقسيم الوقت وإيجاد صيغة للتفاهم مع الأسرة في حال تكرر الغياب الدائم عن المنزل لأن الخاسر الأكبر هو الرجل إضافة إلى المشكلات الاجتماعية التي ستنجم عن غيابه وكذلك زيادة التعب والإرهاق لصحته النفسية والجسدية.
مسموح قانونياً
العمل خارج أوقات الدوام الرسمي هو ما سمح به قانون العاملين الأساسي في الدولة رقم 50 لعام 2004 حيث بيّن مصدر في مكتب شؤون العاملين في محافظة اللاذقية أن عدد الطلبات المقدمة  للمكتب من الموظفين خلال عام 2016 وحتى منتصف شهر شباط من العام الحالي 150 طلباً حيث يتم إعطاء الموافقات للعاملين في قطاع التربية والثقافة والزراعة والخدمات الفنية بناء على تفويض من الوزير المختص إلى محافظ اللاذقية، مشيراً إلى أن هناك زيادة في عدد الطلبات المقدمة خلال العام الماضي مقارنة مع الأعوام السابقة وأغلب الطلبات ممن يحملون شهادات جامعية إضافة إلى أن العديد من المدرسين قدموا طلبات للعمل في عدة معاهد ولكن لم تتم الموافقة لهم إلا على العمل في معهد واحد وكذلك الطلبات المقدمة من قبل حاملي الشهادات الجامعية للعمل كسائقي تكسي لكن المكتب لم يوافق على هذه الطلبات مراعياً في ذلك الحالة الاجتماعية لهؤلاء، وهذه  الموافقات تعطى سنوياً.
تفاوت كبير
هناك تفاوت كبير جداً بين الإحصائية التي زودنا بها مكتب شؤون العاملين في المحافظة وما هو على أرض الواقع وربما يعود السبب لعدم رغبة الموظفين في أخذ الموافقات على اعتبار أن أكثرهم يعمل في مهن وأعمال ربما تكون منزلية أو أعمالاً يصفونها بأنها حرة ولا تحتاج موافقات كما قالوا.