الجيش السوري يتحدى المعطيات الجغرافية إلى تدمر.. ما هو شكل المعركة اللاحقة؟

الجيش السوري يتحدى المعطيات الجغرافية إلى تدمر.. ما هو شكل المعركة اللاحقة؟

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٤ فبراير ٢٠١٧

تشهد مدينة تدمر الأثرية معارك شرسة بين الجيش السوري مدعوماً من القوات الروسية من جهة، وبين تنظيم "داعش" الإرهابي من جهة أخرى. فما هو التكتيك الذي يستخدمه الجيش السوري الذي يقود الهجوم لاستعادة المنطقة بعد سيطرة التنظيم عليها؟ وفي صالح من تصبّ المعطيات الجغرافية والميدانية؟!

في تدمر الآن يتم مزج تكتيكات عسكرية جديدة بين الطيران وقوات المشاة وقوات المدفعية، واستخدام الوسائط الحديثة في القتال والمراقبة لمحاولة سدّ الثغرات، وعلى رأسها ثغرة الجغرافيا الواسعة والمعقّدة والصعبة للتضييق على هذا التنظيم لتحقيق إنجازات كبيرة، يقول الخبير العسكري عمر معربوني في اتصال مع موقع قناة "الجديد".

  لكن لا نستطيع أن ندخل الى توصيف دقيق للمعركة بدون أن نصف الجغرافيا التي تحصل عليها، يتابع معربوني قائلاً "هي معركة متحولة ومتغيرة الميدان لأسباب عدة، أهمّها أن المنطقة واسعة جداً ذات طبيعة صحراوية تحتوي على عدد كبير من الجبال والهضاب والوديان، ما يعني جغرافيا معقدة ذات مناخ قاسٍ جداً، الأمر الذي يأتي بأعباء على القوات المتقاتلة إدارياً ونفسياً وجسدياً، إضافة الى مسألة هامة جداً وهي المساحة الكبيرة لهذه الجغرافيا والتي يبدو من خلالها أي جيش، مهما كان عديده، غير قادر على ضبطها بالكامل".

  لهذه الأسباب كانت معركة تدمر وستبقى لفترة ليست قصيرة، بحسب معربوني، معركة متغيرة الميدان ومتغيرة السيطرة. إضافة الى مسألة هامة هي تفوّق "داعش" على الجيش السوري من حيث العديد وخطوط الإمداد، إذ يمكنه أن يتزود بكل ما يلزمه من عتاد ورجال خلال فترة قصيرة عبر الحدود مع الأردن أو الحدود مع تركيا، وهي حدود طويلة ومفتوحة، يضيف معربوني، "أما الجيش السوري، فيتزوّد بما يلزمه عبر البحر والجو، وهي طرق إمداد محدودة نظراً للمسافات الكبيرة والوقت الذي تستغرقه السفن لتصل، كما أن الإمداد عبر الجو لا يؤمّن للقوات ما يلزمها".

  بعد استعادة "داعش" لتدمر واندفاعه باتجاه السيطرة على مطار الـ"تي فور" (T4)، استطاع الجيش السوري تنظيم عمليات إعادة تموضع، هي نموذج مطور عن نماذج إعادة التموضع التي حصلت إبان هجمات المسلّحين في حلب، يقول معربوني، "الهدف من ذلك امتصاص صدمة الهجوم الكبيرة وتحسين شروط المدافعة للإنتقال الى الهجوم المضاد. وهذا ما حصل على مدار شهرين من عمليات متواصلة أدت الى استعادة "داعش" لتدمر والضغط على مطار "T4"، ليستطيع الجيش بعدها تأمين المطار في دائرة دفاع تقترب من الـ40 كيلومتراً بالإتجاه الشمالي والشرقي والجنوبي، ما مكّنه من استعادة المبادرة بعد تحطيم خطوط الدفاع ونقاط تمركز "داعش"، بمساعدة الطائرات الروسية".

  وزارة الدفاع الروسية أعلنت قتل أكثر من 200 داعشي وتدمير آليات ومستودعات ذخائر له. ويعتبر معربوني أن ذلك سيساعد في تقليل المسافة بين تموضع الجيش السوري في الغيضة الشرقية ومنطقة حيان ومنطقة التربة، وهي أماكن تبعد عن مدخل تدمر الغربي بحدود 20 كيلومتراً. ويشير الى أن المعارك تتخذ هذه المرة منحى مختلفاً عن السابق، حينما استعاد الجيش تدمر، في عمل عسكري اعتمد على شق ممرات ضيقة بعمق طويل، ما سهّل على "داعش" استعادة السيطرة بسرعة. أما الآن، يتابع معربوني، فالعمليات تجري بشكل ونمط مختلف هو شق الطريق بواسطة جبهات عريضة لا تقل الواحدة منها عن 20 كيلومتراً، بالإستعانة بسدود نارية من الأسلحة الدفاعية والصواريخ والطيران، بهدف تأمين أوسع نطاق أمان للقوات المتقدمة لشق طريقها باتجاه تدمر.

  يرى معربوني أن العملية ستتسم بالبطء إلاّ اذا كنّا أمام عمليات تدمير كبيرة لمواقع "داعش" بمساهمة الطيران السوري والروسي. "سلاح الجو يستطيع أن يحقق نتائج إيجابية في المناطق المفتوحة على عكس المناطق السكنية. من هنا تبدو عملية التنسيق بين سلاح الجو والأسلحة المدفعية والصواريخ وقوات المشاة ضرورية جداً وهو ما يحصل في تدمر لكن باعتماد نمط مختلف عن المرة السابقة".

  وعمن تصريح روسيا بأن "داعش" يفخخ المعالم الأثرية في تدمر، يقول معربوني "إذا صحّت المعلومات، يعني أن "داعش" وصل الى مرحلة القناعة بأن عودته الى المنطقة ستكون متعذّرة، وهو يعمد الى تقليص المساحة الجغرافية التي سيقاتل عليها لإعطاء البعد الدفاعي زخماً أكبر. وهذا إجراء طبيعي يخدم إيقاع خسائر في معلم أثري عالمي كبير، وإعادة تحسين شروط المدافعة".

  "داعش" ما زال يمتلك أكثر من 150 كيلومتراً بين تدمر والرقة. لكن، بتقدير معربوني، اذا استطاع الجيش السوري تحرير تدمر، سيكمل التنظيم اندفاعه باتجاه منطقة السخنة، وهي عقدة عقدة ربط جغرافية بين مجموعة طرقات على الجيش أن يكمل عملياته اللاحقة باتجاهها لارتباط المسألة بمعركة أكبر وأشمل هي معركة الرقة