ارتفاع نسبة عمالة الأطفال إلى 20 بالمئة في سورية

ارتفاع نسبة عمالة الأطفال إلى 20 بالمئة في سورية

أخبار سورية

الاثنين، ٣٠ يناير ٢٠١٧

محمد منار حميجو

حاول الطفل محمد التهرب من الأسئلة التي طرحتها عليه حول سبب عمله بمهنة جر عربته اليدوية في أسواق دمشق القديمة والمحملة بأثقل أنواع البضائع لجرها إلى المكان الذي يرغب صاحب البضاعة في وضعها، ولكيلا أمنع تهربه المتواصل ساعدته في جر العربة لأكسر حاجز الخوف واستجر المعلومات منه.
بلغ محمد العاشرة من عمره واضطر لترك المدرسة في سن الثامنة لمساعدة والده الذي يعمل في المهنة نفسها ولكن في سوق الهال ورغم أن أجوبة الطفل ذي العاشرة مختصرة إلا أنها مفيدة بالنسبة لصحفي فضولي مثلي.
قال محمد: إن والده فضل أن يذهب إلى العمل بدلاً من المدرسة بسبب أن ما يجنيه والدي لا يكفي أجرة الغرفة التي أستأجرها لإيواء أمي وإخوتي الخمسة وبالتالي خرجت مع أخي الذي يكبرني بثلاث سنوات إلى العمل بجر العربات إلا أن أخي يعمل مع والدي في سوق الهال.
وأعرب محمد عن تفاؤله بأنه سيعود يوماً إلى المدرسة حينما يعود مع أسرته إلى منزلهم.
وقادت الظروف المعيشية الصعبة والقاسية الطفل «ح، ر» إلى العمل في أحد مذابح الفروج رغم أنه لم يتجاوز الثامنة من العمر إلا أن فقد والده بحسب قوله دفعه إلى هذا العمل الشاق.
وأضاف الطفل: إنه يعيش حالياً مع أعمامه الذين يعملون في هذه المهنة ووالدته تعيش مع أخيه الأصغر منه مع أهلها، معتبرا أنه حرم من الأب والأم كما أن أعمامه ليسوا مجبرين على الصرف عليه فقادوه إلى العمل معهم في مذبح الفروج.
وأكد الطفل ذو ثمانية الأعوام أنه تعرض في أكثر من موقف للخطر نتيجة استخدامه للسكين بطريقة خاطئة حتى إنه كاد يقطع عدداً من أصابعه، مشيراً إلى أنه تمرس حالياً على استخدام السكين بعد سنة من العمل.
ووجد الطفل «س، ر» مهنة الباطون مناسبة لمساعدة والده المريض لعل ما يجنيه من مال يساعد في معالجة أبيه.
وقال الطفل إن والدته تعمل في أحد معامل الخياطة إلا أن ما تحصل عليه في نهاية الشهر لا يكفي لشراء أدوية لوالدي الذي يحتاج إلى أنواع غالية من الأدوية مشيراً إلى أن المعونة التي يحصلون عليها من إحدى الجمعيات الخيرية لا تكفي ولاسيما أن كل شهرين يحصلون عليها.
وأضاف الطفل: حينما أنظر إلى يدي أشعر أنهما أصبحتا أكبر مني بكثير وبلغنا سن الرجولة في حين جسدي مازال طفلا رغم أنني لم أتجاوز الثالثة عشرة من العمر مؤكداً أنه ترك المدرسة وهو في الصف الثالث للعمل في هذه المهنة.
ويعمل الطفل أحمد في مهنة الدهان رغم أنه لم يبلغ الرابعة عشرة إلا أنه بحسب قوله أصبح معلما فيها وهو يطمح في المستقبل أن يكون صاحب ورشة معتبرا أن هذه المهنة تدر له المال في حين الدراسة «ما بطعمي خبز».

الجمعيات الخيرية مقصرة
ورأى رئيس غرفة الجنايات في محكمة النقض أحمد البكري أن أداء الجمعيات الخيرية مقصر في ملف عمالة الأطفال مؤكداً أن هذا النوع من العمال ارتفعت كثيراً في ظل الأزمة الراهنة.
وفي تصريح لـ»الوطن» قال البكري: إن هناك الكثير من الأطفال انقادوا إلى هذا العمل ولو كان شاقا نتيجة الظروف المعيشية السيئة ولاسيما الأطفال الذين تراوحت أعمارهم ما بين 10 إلى 16 سنة.
وأوضح البكري أن هناك أطفالاً اضطروا للعمل لأن آباءهم غير قادرين على العمل نتيجة مرضهم وبالتالي فإن هذا الطفل وجد نفسه هو المسؤول الأول عن هذه الأسرة التي لم يعد لديها معيل غيره مشيراً إلى أن خروج العديد من المدارس عن التدريس سبب في ارتفاع نسبة العمالة عند الأطفال.
وبين البكري أن عقوبة إجبار الأب لابنه دون الثامنة عشرة من العمر على العمل غرامة مالية بسيطة وهي جنحوية الوصف أي من اختصاص محكمة جنح الأحداث.

الكثير من الآباء يفضلون ذهاب أبنائهم للعمل
وأعلن رئيس القسم الجزائي في كلية الحقوق بجامعة دمشق عبد الجبار الحنيص أن نسبة عمالة الأطفال ارتفعت في سورية إلى نحو 20 بالمئة، معتبراً أن هذا النوع من العمالة من مفرزات الأزمة التي تمر بها البلاد ولاسيما أن الظروف الاقتصادية لها دور كبير في هذه المسألة.
وفي تصريح لـ«الوطن» قال الحنيص: إن الكثير من الآباء حالياً يؤثرون ذهاب أبنائهم إلى العمل بدلا من المدارس وهذه تعتبر مشكلة كبيرة موضحاً أن الغرامة المفروضة في القانون غير كافية وهي تتراوح ما بين ألفين إلى 10 آلاف معتبراً أن مثل هذه الغرامات تشجع على إجبار الآباء لأبنائهم على العمل ولو أنه شاق.
وشدد الحنيص على ضرورة تشديد العقوبة لتصل إلى الحبس ولو لمدة شهر لكل أب يجبر ابنه دون سن الثامنة عشرة على العمل باعتبار أن هذا ينافي حقوق الطفولة منوها إلى أن عمالة الأطفال في الخارج أكثر من داخل البلاد.
واعتبر الحنيص أن أداء الجمعيات الخيرية حالياً ضعيف وهي لا تقوم بدورها بمنع ارتفاع عمالة الأطفال بمساعدتهم أو بمساعدة أسرهم مشيراً إلى أن هذا أدى إلى ارتفاع نسبة التسرب في المدارس.