عندما تغيب الحلول مشوار البحث عن الدفء يبدأ بقطع الأشجار وينتهي في السوق السوداء للمحروقات!

عندما تغيب الحلول مشوار البحث عن الدفء يبدأ بقطع الأشجار وينتهي في السوق السوداء للمحروقات!

أخبار سورية

السبت، ١٤ يناير ٢٠١٧

بعيون جاحظة أمام التلفاز، يجلس أبو مازن متأملاً النشرة الجوية، ومعادلة صعبة ترتسم في ذهنه، فمقابل الخرائط الجوية التي بدأ المتنبئ الجوي عرضها على الشاشة، هناك خارطة من الأفكار المتناقضة تفصله عن المدفأة المتوضعة وسط غرفته، وبين أرضه العطشى للمياه، ومدفأته العطشى للمحروقات، تشتت تفكيره، فهل يدعو بقدوم منخفض جوي، أم يدعو لانحرافه بأي اتجاه كان؟! وماذا عن صورة الغيوم التي بدت واضحة في الخارطة الجوية، هل يفرح لقدومها، أم يحبط لما ستحمله من برد قارس سيخترق جسده، وجسد أبنائه المتدورين حول المدفأة بانتظار القليل من الدفء؟!.

“مقسوم لا تأكل”
الحديث عن مشكلة التدفئة في السويداء لم يعد من باب الترف الإعلامي، فالمشكلة تكرر الحديث عنها في كل وسائل الإعلام، وفي كافة الملتقيات والحوارات، ولكن آذان مسؤولينا الصماء مازالت تسير على النهج نفسه، والأسلوب ذاته، أما جوابهم التقليدي فهو: “ضمن الإمكانيات المتاحة”، ولكن لو قدر لأحد منظري الإمكانيات المتاحة العيش يوماً واحداً في إحدى قرى الريف الشرقي للمحافظة، لأدرك أهمية ابتكار حلول تنسجم مع معاناة الأسر الريفية هناك؟!.. يقول أبو مازن: إن مجموع كميات المازوت التي وصلت إليه منذ بداية فصل الشتاء 150 لتراً، وهذه الكمية وفقاً للمصروف اليومي لكل للأسرة لا تكفي أكثر من 30 يوماً في حالات التقنين الشديد، أي أن معظم الأسر اليوم لا يوجد لديها مازوت تدفئة، وبالطرف المقابل ممنوع قطع الأشجار، وأسعار المازوت في السوق السوداء مرتفعة، فسعر اللتر يزيد عن 350 ليرة سورية، أما طن الحطب فسعره وصل إلى 60 ألف ليرة، وهو لا يكفي أكثر من شهر واحد، إذاً حالنا بات ينطبق عليه المثل الشعبي: “صحيح لا تأكل، ومقسوم لا تأكل، وكول لتشبع”، ويطالب أبو مازن بإنصاف الأسر في المناطق الجبلية الباردة، فحاجتها مضاعفة عن حاجة الأسر في المناطق الداخلية والسهلية!.

وعود خلبية
العواصف الجوية تتناوب على البلاد، والجميع يحذر من موجة برد قارس، والآلاف من أبناء السويداء مازالوا يصطدمون بعجزهم عن الحصول على أسلوب مبتكر يبعث فيهم الدفء، درجات الحرارة تتراوح بين 6 درجات نهاراً، وتحت الصفر ليلاً، وهطولات ثلجية تشمل معظم المناطق، هكذا يبشّر المتنبئ الجوي سكان المنطقة الجنوبية يومياً، وبالمقابل لجنة المحروقات تبشّر بأن توزيع الدفعة الثالثة من المحروقات والبالغة 50 لتراً قد تطول لنهاية شهر شباط، وعلى المواطن تقنين المتوفر لديه طيلة هذه الفترة، فالكميات الواردة للمحافظة تشير إلى أن نسب التوزيع ستكون قليلة وفق تصريحات فرع المحروقات، وبالتالي وعود الوزارة بتأمين المازوت كانت بحدود الخلبية، أو قريبة منها!.

نحو الغاز.. در
الاتجاه نحو الغاز المنزلي كان أحد الحلول للعديد من أسر المحافظة بعد طول فترة انتظار حصولهم على حصتهم من مازوت التدفئة، وصعوبة تأمين ثمن المادة من السوق السوداء في حال وجدت، إضافة إلى شبه استحالة القدرة على اعتماد التيار الكهربائي كمصدر للدفء، فمازال الغاز المنزلي رغم ارتفاع أسعار المدافئ التي تعمل بواسطته متوفراً نوعاً ما، ويمكن الحصول عليه بأي وقت، شريطة الالتزام بما يفرضه البائع من سعر، على عكس باقي وسائل التدفئة، فسعر أسطوانة الغاز يتراوح ما بين 2600 و3500 ليرة سورية، وفقاً لمكان الشراء إن كان منفذاً حكومياً، أو سيارة جوالة، أو سوقاً سوداء، وهنا يؤكد من استخدم أسطوانة الغاز للتدفئة بأنها أكثر توفيراً من المازوت والكهرباء، حيث يحتاج المواطن في فصل الشتاء إلى 5 لترات يومياً من المازوت على الأقل، وبهذا تحتاج مدفأة المازوت ما يقارب 20 ألف ليرة سورية شهرياً إن تم الحصول على المازوت بالسعر الرسمي، بينما تحتاج الأسرة إلى 4 أسطوانات شهرياً من الغاز، ما يعني إنفاق حوالي 15000 ليرة بحد أقصى شهرياً، لكن المعضلة في المدافئ التي تعتمد على أسطوانات الغاز الكاملة، حيث إن سعرها مرتفع جداً يصل إلى 60 ألف ليرة للنوعية الوسط، فكان الحل بالنسبة للأسر ذات الدخل المحدود هو مدافئ غاز صغيرة انتشرت بشكل كبير في الأسواق، وشهدت إقبالاً واسعاً، ولا تحتاج لأسطوانة غاز كاملة، إلا أن تجار الأزمات، وغياب الرقابة قتلوا آخر حلم بالدفء للكثير من الأسر، وجعلوا من معادلة الحصول عليه بواسطة الغاز صعب المنال، هذا الغاز الأرضي، انتشر بشكل كبير مؤخراً، لرخص ثمنه وفعاليته الجيدة، لكن تلك الإيجابيات، دفعت تجار الغاز لاستغلالها، حتى بات هذا الحل الأخير مهدداً بالعزوف عنه. فإفراغ أسطوانات الغاز بهذه المدافئ الصغيرة، يكلف نحو 1800 ليرة سورية للتعبئة، وسعتها أقل من نصف جرة غاز عادية، وبهذا يكون هذا الحل الجزئي الذي لا يفي بأدنى شروط الدفء والأمان صعب المنال للكثير من الأسر التي لن تستطيع تأمين المبالغ المطلوبة أسبوعياً لتعبئة جرة المدفأة والتي تصل إلى 5 آلاف ليرة.

ضريبة كهربائية
الخيار الآخر أمام المواطنين كان التوجه نحو التدفئة الكهربائية، ولكن هنا تقول الكهرباء على لسان مسؤوليها “لا تشكيلي ببكيلك” فزيادة التحميل أرهق الشبكة وزاد من أعطالها وضعف شدة التيار لا يلبي حاجة المدافئ الكهربائية للإقلاع في ساعات معدودة تتوافر فيها  الكهرباء التي ينعم بها المواطن …مدير التخطيط في شركة الكهرباء المهندس منيف الجبرائيل بين أن الكهرباء دفعت ضريبة عدم توفر مازوت التدفئة ففي الصيف كانت ذروة الاستهلاك لا تتجاوز 85 ميغا بينما حالياً ذروة الاستهلاك تصل لنحو 200 ميغا، حيث يتجه غالبية المواطنين لاستخدام الكهرباء لأغراض التدفئة وتسخين المياه وطهو الطعام، ما أدى إلى ارتفاع كميات الاستجرار بنسبة 200% وتضاعفت حمولات المحافظة، وأدى ذلك إلى ازدياد الأعطال نتيجة ارتفاع نسب التحميل  على مراكز التحويل، وهذا تطلب مضاعفة عدد ورش الإصلاح والآليات اللازمة لتخديمها.
ماذا عن الحطب
تقول الإحصائيات الرسمية أن أكثر من 5 آلاف شجرة قطعت بشكل كامل نتيجة موجات الاحتطاب المتكررة التي تعرضت لها غابات المحافظة، طبعاً هذا الرقم قابل للزيادة الكبيرة على أرض الواقع، وهناك أرقام مضاعفة له للأشجار التي تعرضت بشكل شبه كامل أو جزئي للتعدي، فكانت المبادرات الشعبية والأهلية والدوريات الأمنية والحراجية للحد من عمليات القطع الجائر حيث بين رئيس دائرة حراج السويداء أنس أبو فخر أن تعاون المجتمع المحلي أدى للحد من “التعديات غير المسبوقة” على المواقع الحراجية وتطبيق التعاميم المتعلقة بإيقاف السيارات المحملة بالأحطاب وتسليمها للدائرة واتخاذ الإجراءات اللازمة، وأكد أبو فخر أنه يتم تطبيق القوانين وأشد العقوبات بحق الأشخاص المتاجرين بالثروة الحراجية، وهناك حملات التشجير من قبل المواطنين والمنظمات والجمعيات المعنية وندوات لزيادة الوعي البيئي بأهمية المحافظة على الشجرة، منوهاً إلى أن الدائرة تواصل دورياتها إلى مختلف المواقع الحراجية، حيث نظمت خلال العام الماضي 202 ضبط حراجي لمخالفات تتعلق بقطع وتشويه الأشجار مع إحالة مرتكبيها للقضاء المختص أصولاً، موضحاً أن هذه المخالفات أدت إلى تضرر 5136 شجرة بشكل كامل وفق الضبوط المنظمة، عدد كبير منها ضمن موقع غابة الأسد بمنطقة صلخد التي ما زالت تتعرض لتعديات جائرة، لافتاً إلى أن مساحة الثروة الحراجية في محافظة السويداء 12031 هكتاراً وتعادل 2 بالمئة من المساحة العامة للمحافظة، وتقسم إلى 3376 هكتاراً للحراج الطبيعية و4655 هكتاراً للحراج الاصطناعية، و4000 هكتار للحراج الخاصة.

عدالة ومساواة
العدالة في كثير من الأوقات لا تعني المساواة، وهذا ينطبق على توزيع مازوت التدفئة، فما تحتاجه الأسر في الريف الشرقي للسويداء لا يقل عن 200 لتر شهرياً كحد أدنى، بينما نصف الكمية تحتاجها قرى الريف الغربي، وما تحتاجه محافظة السويداء يفوق بشكل مضاعف حاجة محافظات أخرى أقل برداً، فإذا كان المعنيون بعمليات التخصيص والتقسيم راغبين بتحقيق العدالة، فهذا يتطلب منهم تحقيق المساواة في تقاسم شدة برودة الطقس، وبالتالي لابد من دراسة واقع كل منطقة واحتياجاتها على حدة، وتأمين تلك الاحتياجات وفق الإمكانيات المتاحة بعد بذل جهود لزيادة هذه الإمكانيات ورفعها عن عتبة 200 لتر التي دخلت أيضاً في خانة الوعود الخلبية للحكومة، بسبب عدم القدرة على توزيعها إلى عتبة أعلى، لعل ذلك يخفف العبء عن باقي القطاعات من كهرباء وغاز وثروة حراجية، ويقدم بعض الدفء للأسر التي لا تملك أي حلول….

رفعت الديك