ما بعد حلب قبل أستانا.. مصر وتركيا في واجهة الحدث السوري

ما بعد حلب قبل أستانا.. مصر وتركيا في واجهة الحدث السوري

أخبار سورية

الجمعة، ٣٠ ديسمبر ٢٠١٦

فرض تحرير أحياء حلب الشرقية عدة احتمالات حول معركة ما بعد حلب على المستويين العسكري والسياسي، أغلب الاحتمالات تشير إلى إن الجيش السوري سيفتح حسابات إدلب، فيما تشير بعض التقديرات اتجاه الريف الشرقي لحلب كمنطلق نحو الرقة، وبينما يحضر ريف العاصمة في الحسابات أيضاً فإن الجنوب السوري بدأ يخضع لفعل الأمر الواقع بالاتجاه قسراً نحو اتفاق إخلاء مناطق ريف دمشق ودرعا والقنيطرة من الوجود المسلح، وعلى أساس هذه الاحتمالات ترتفع احتمالات التصعيد الميداني والسياسي المعاكس.
في محيط الملف السوري تظهر العاصمة التركية مصابة بحمى العلاقات المتواترة مع قطبي السياسة العالمية، ففي حين أن التنسيق العالي المستوى بين أنقرة وموسكو أفضى إلى "اتفاق وقف إطلاق للنار" في الأراضي السورية تمهيداً لإطلاق مسار الحل السياسي في العاصمة الكازاخية، فإن الولايات المتحدة التي رفضت إسناد عملية "درع الفرات" باتت متهمة من قبل رئيس النظام التركي بـ "دعم داعش".
وفي المحيط أيضاً، يبرز صعود الدور المصري على المستوى السياسي من خلال تأكيد القاهرة على ضرورة حضور أعضاء "مؤتمر القاهرة" لمباحثات "أستانا"، كما إن بعض الحراك المصري الإقليمي يصرف على الطاولة السورية، فالقاهرة قد تدخل الحرب السوري من أوسع أبوابها خلال المرحلة القادمة بعدما قررت أن تجعل العراق المصدر الرسمي للنفط المستورد من قبلها، الأمر يعنى أيضاً بضرورة التذكير بالتقارير الإعلامية التي تحدثت عن زيارة وفد عسكري مصري إلى سورية خلال المراحل الأخيرة.
وبالنظر إلى تصريحات قادة الحشد الشعبي العراقي التي أكدت على ضرورة دخول الأراضي السورية لمحاربة تنظيم "داعش" بالتنسيق مع دمشق لما لذلك من أثر على تأمين الأراضي الغربية من العراق.
يمكن القول إن "معركة ما بعد حلب" ستكون معركة حسم إقليمية مع الإرهاب، إذ ارتفعت نسبة التأكيد المنطقي لتشكل تحالف "سوري – مصري – عراقي" لمحاربة الإرهاب على أن يدعم هذا التحالف من الحكومتين الروسية والإيرانية عسكرياً بشكل مباشر، ولن تغيب حكومات داعمة لدمشق عن الساحة كـ "الصين – كوريا الشمالية" من خلال تقديم الدعم اللوجستي المستمر منذ بداية الحرب المفروضة على سورية.
وإن كانت الحكومة التركية قد أرسلت تعزيزات عسكرية إلى مدينة "غازي عنتاب" بالتزامن مع بدء العمل باتفاق "وقف إطلاق النار" افتراضيا، فإن دمشق لا تهمل من حساباتها أن التوجه إلى "أستانا" بمثابة الذهاب إلى حقل ألغام سياسية، خاصة وأن المرحلة الحالية تتسم بكونها أكثر مراحل الحرب السورية حساسية وتتطلب الكثير من التروي في أخذ القرار، خاصة وأن دمشق كانت قد رفضت عدة مشاريع جاهزة قدمها الحلفاء لحل الأزمة السورية، فلا تسريبات الإعلام عن "دستور التوافق الطائفي" – إن صح التعبير- قبلت من دمشق، ولا الحديث عن "فدرلة الشمال السوري" يلقى أذن صاغية في أروقة السياسة السورية، والقرار السيادي خط أحمر عريض بالنسبة لدمشق.
وعلى هذا الأساس تعرف دمشق تماماً أن أنقرة التي تبحث عن وقف "التمدد التركي" في الشمال خشية من قيام دولة كردية مستقلة أو إقليم شبه مستقل، تمتلك أيضاً حلماً بجعل جزء من الأراضي السورية دولة إخوانية، أو إقليم "شبه مستقل" يكون تحت وصاية الجماعة المحظورة في دمشق، كما إن أنقرة لا تمانع من قيام دولة أو إقليم شبه مستقل في إدلب يحكم من قبل العناصر الأكثر تشدداً والمنتمين لـ "النصرة" وحلفائها، إذ تؤمن بذلك أراضيها من خطر ارتداد الجهاديين إلى تركيا، ومنها إلى العالم.
كما إن "أستانا" التي باتت بديلاً روسياً تركياً عن محادثات جنيف التي تعرقل بطبيعة النفوذ  الأمريكي على المعارضات، ليست مفاوضات آمنة بالنسبة لدمشق، إذ تعرف الحكومة السورية إن العاصمة الكازاخية مرتعا للمخابرات الإسرائيلية التي كان لها حضور من قبل بعض الشخصيات المعارضة كـ "رندة قسيس" التي تتهمها المعارضة الداخلية بمحاولة تمرير مشاريع إسرائيلية خلال جولتين من الحوار في "أستانا" سابقاً، وبذكر المعارضة الداخلية يبرز دور مصر مجدداً، فعدداً من قيادات هذه المعارضة توجه إلى مصر مؤخراً، كما إن زعيم تيار الغد المعارض ورئيس الائتلاف السابق "أحمد الجربا" زاراها للطلب من وزير الخارجية المصري "سامح شكري" عقد نسخة ثالثة من "مؤتمر المعارضة" في القاهرة خلال الأيام القليلة القادمة تمهيداً لـ "حوار أستانا"، وهذا يؤكد أيضاً أن مصر لا تسعى لـ "تحقيق مصالح ضيقة" خلال المرحلة القادمة، وإذا ما دخلت الأراضي السورية عسكرياً لن يكون دخولها بهدف تأمين خط أنابيب النفط الواصلة بين الآبار العراقية والموانئ السورية، وإنما سيكون بهدف إنهاء "المد الوهابي" المدعوم من قبل أنظمة إقليمية على رأسها السعودية.
عموماً، يبدو أن "أستانة" بخطورتها ستكون منطلقاً لحل سياسي سوري، ومن الغريب أن التكهنات حول طبيعة هذا الحل ترتبط بتقارير إعلامية من هنا أو هناك بهدف إظهار أن الحل السوري كتب قبل بدء الحوار، إلا أن الواقع الذي عايشته الدول المعنية بالأزمة السورية من خلال تصرفات دمشق السياسية والعسكرية يؤكد على أن سورية غير قابلة للتقسيم أياً كان شكله والعلاقة مع الإرهاب هي علاقة قتال وجود، وما تبقى أمور قابلة للنقاش أياً كانت.