صحة العـامل وسلامته المهنية مهددة.. فمن ينصفه؟.. اختصاصيون: التشريعات المتعلقة بإصابات العمل بحاجة إلى تعديل

صحة العـامل وسلامته المهنية مهددة.. فمن ينصفه؟.. اختصاصيون: التشريعات المتعلقة بإصابات العمل بحاجة إلى تعديل

أخبار سورية

السبت، ٢٤ ديسمبر ٢٠١٦

 دانية الدوس

على المائدة يجلس سمير يمسك ملعقة الطعام بإصبع الإبهام مرتكزاً على بقايا أصابعه المقطوعة يحاول جاهداً الحفاظ على توازنها كي لا تقع لكنها مع ذلك تختل كما كل المرات وينسكب الطعام، يحاول لملمة ما وقع وهو يلعن ويشتم حظه السيئ ويقول: «الله يلعن هديك الصدفة يلي خلتني اشتغل عنده» يلتقط ما استطاع أن يحمله من الطعام المبعثر ويعود ليمسك الملعقة ويأكل بيده اليسرى.
إعاقة سمير ومنظر أصابعه المبتورة ليس عيباً ولادياً فمنذ حوالي عشر سنوات فقط يحاول التأقلم مع إعاقته الجديدة.. يأكل ويلبس ويقضي جميع حوائجه بيده اليسرى لكنه الى اليوم لم يتقن إمساك القلم والكتابة بها، فتبدو الحروف التي يكتبها معوجة ومتباعدة كطفل لا يزال يتعلم كيفية الكتابة. يتأسف على قوة شبابه الضائع ووصمة اعاقته الدائمة التي حصلت نتيجة إصابته في العمل، فحولته من عامل لتقطيع اللحم الى حارس في بناية يتحنن عليه سكان المنطقة، يصرخ سمير بغضب وهو يقول: «ما نفع 300 ألف ليرة اللي أخدتون؟ مارح يقدروا يرجعولي أصابعي».
ترى مديرة المعهد العربي للصحة والسلامة المهنية د.رانية رشدية أن التشريعات والقوانين العمالية المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية في سورية بحاجة الى إعادة النظر فيها للتوسع ببعض موادها وتفعيلها وخاصة فيما يتعلق بموضوع رفع الغرامات في حال المخالفة التي باتت قيمتها بسيطة وغير رادعة، إضافة الى نشر ثقافة الصحة والسلامة المهنية التي نحتاجها في سورية.
يحتاج إعادة النظر
في عام 2010 قامت وزارة الشؤون الاجتماعية بتطوير التشريعات العمالية المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية بشكل يتوافق مع حماية صحة وسلامة العمل من خلال إقرار القانون رقم (17) ولكن هل ما جاء في هذا القانون شامل ويغطي كل احتياجات السلامة المهنية وخاصة في ظل الاعتراف بزيادة إصابات العمل والأمراض المهنية في الحرب رغم غياب أي توثيق لتلك الحالات؟!
معاون وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل ركان إبراهيم أكد ضرورة الالتزام بمعايير الصحة والسلامة المهنية أكثر من أي وقت مضى نتيجة ما تعرضت له المنشآت في القطاعات الاقتصادية للتدمير والإرهاب، بينما وجد نقيب المهندسين غياث قطيني أن هناك ثغرات في تطبيق القانون على أرض الواقع، لذا فمن الضروري إجراء تعديلات على بعض مواده مشيراً إلى أن لا علاقة لهذا الاقتراح بظروف الحرب التي نعيشها، لكن الظروف الحالية تشجعنا أكثر على أهمية تطبيق هذا القانون الذي يعد من واجب المهندس بوصفه مسؤولاً عن عدد من العمال في المنشآت المختلفة.
عامل البناء أكثر شخص معرض للإصابة بسبب طبيعة عمله  في البناء، يقول نائب رئيس لجنة الصحة والسلامة في نقابة المهندسين عبد الرزاق ضميرية: من المفترض ألّا يقوم صاحب العمل بتشغيل العمال لديه إذا لم يوفر لهم ما يضمن صحتهم وسلامتهم المهنية، مشيراً إلى أن نسبة إصابات العمل في ورشات البناء زادت في الحرب بسبب عدم المتابعة اليومية للعامل وقلة الإشراف عليه.
مشكلة في التطبيق
يمسك محمد ماكيت الصحيفة بيديه السوداوين اللتين تبدوان وكأنه غطسهما ببحيرة من الحبر الأسود لشدة تعشقه في خلايا جلده المتقرن، يهم  لوضعها على الطابعة وينتظر لحظات لتخرج صفحات الصحيفة، ملابسه الملوثة ولطخات السواد المصبوغة على وجهه ويديه كانت تفضح طبيعة مهنته، قبل سنوات كان محمد يحصل على لباس خاص وصحن بيض يمنع تناوله من التسمم بمواد الرصاص الموجودة في الحبر، لكنه اليوم لا يتقاضى سوى 3 آلاف ليرة بدل لباس لا تشتري له بنطالاً يقول: إن أصبت بالأمراض فمن سيتعرف علي؟!
القانون رقم (17) ضَمِنَ صحة العامل وسلامته المهنية وتوعد صاحب العمل بالعقاب في حال المخالفة.. تقول رشدية، لكن توجد مشكلة دائمة في الالتزام بتطبيق القوانين على أرض الواقع فمن المفترض أن تكون هنالك كوادر مؤهلة للتفتيش تذهب إلى مواقع العمل وتتبين إذا ما كان هنالك التزام في تطبيق معايير السلامة والصحة المهنية منها كتوافر لباس العامل والأدوات الوقائية الخاصة بعمله، لتقوم بمحاسبة صاحب العمل في حال المخالفة،  مشيرة الى أن عدد أفراد كادر التفتيش الحالي غير كاف لتغطية جميع المناطق في سورية، إضافة إلى أنه بحاجة إلى تدريب وتأهيل أكثر، ولا ننسى ضرورة عقد دورات دائمة لتعريف العمال بحقوقهم وحثهم على المطالبة بها وإعلام أصحاب العمل بالتزاماتهم الواجبة تجاه عمالهم.