مفاوضات «شرق حلب»: مسارات متعدّدة... ودولارات!

مفاوضات «شرق حلب»: مسارات متعدّدة... ودولارات!

أخبار سورية

الجمعة، ٢٣ ديسمبر ٢٠١٦

خرجت أمس نحو ادلب آخر قافلة تحمل مسلحي أحياء حلب الشرقية. كل المدينة أصبحت بعهدة الجيش السوري. أُقفل ملف التسوية مع احراز مكسب اخراج مئات المحاصرين من كفريا والفوعة. اتفاق قيل فيه الكثير من حيث إدارته ونتائجه، لكن عملياً أَسْدلت «الشهباء» رسمياً ستارة «غزوة تموز 2012». بدءاً من صباح اليوم لا بندقية في المدينة سوى بندقية الجيش وحلفائه. ومن اليوم أيضاً، تبدأ رحلة إعادة شيء من الحياة الى الجزء الشرقي من مدينة اعتادت النبض بالحياة والحركة. المهمة الصعبة تقضي بعودة الخدمات الحياتية إلى «شوارع الحرب»، وفتح طريق عودة الأهالي، كل الأهالي... لتنسى حلب، عصب سوريا واقتصادها، يوم الصيام ذاك من رمضان 2012... ولتفطر على مدينة موحّدة من دون معابر وفصائل
بخروج آخر دفعة من مسلّحي الأحياء الشرقيّة في حلب، تُطوى صفحة مفاوضات شائكة ومتعدّدة المسارات استمرّت قرابة أسبوعين. وعلى الرغم من أن الفترة ليست طويلة بحساب الأيام، غير أن الملابسات والأحداث الجانبية والعوائق الكثيرة التي حفلت بها جعلتها حافلة.
وعلاوة على كل ما تمّ تداوله في الإعلام، حفلت كواليس مفاوضات «شرق حلب» بتفاصيل كثيرة بقيت طيّ الكتمان. بدأ أول مسعى تفاوضي في 12 الشهر الجاري، بعدما انسحبت المجموعات المسلّحة تباعاً من معظم مناطق سيطرتها في تهاوٍ دراماتيكي. وإثر سيطرة الجيش وحلفائه على حيي بستان القصر والكلّاسة تقلّصت مناطق سيطرة المسلّحين لتقتصر على السكّري، تل الزرازير، المشهد، الأنصاري، وأجزاء من صلاح الدين (أرض الناصر وأرض الصبّاغ). الانكفاء المتتالي أسفر عن انقسام حادّ في أوساط المجموعات المسلّحة في شأن الخطوة التالية. كان مسلّحو «حركة أحرار الشام الإسلامية» من السوريين على رأس الراغبين في إيجاد مخرج «تفاوضي». فيما كان «المهاجرون» التابعون لـ«الحركة» ومسلّحو «جبهة النصرة / فتح الشّام» متمسّكين بمواصلة القتال. أوّل مسارٍ تفاوضي كان محلياً، بوساطة من جهاتٍ أهلية، ومشاركة من فريق المبعوث الدولي ستيفان ديمستورا، وبمتابعة جنرال روسي لكل التفاصيل. مثّل المجموعات المسلّحة القيادي في «أحرار الشّام» المعروف باسم «الفاروق أبو بكر». وبعد حوالى 16 ساعة من التفاوض بدا أن المسلحين على استعداد للقبول بالصيغة النهائيّة التي عُرضت عليهم: «خروج آمن للمسلّحين من دون اصطحاب أي قطعة سلاح (بما في ذلك الفردي) مع عائلاتهم والناشطين وكلّ من يرغب من المدنيين». من بين النقاط الخلافية برز إصرار الجهات السورية المفاوِضة على أن يشمل «الاتفاق المسلحين السوريين فحسب، من دون أي عنصرٍ أجنبي».
لأسباب غير واضحة اختتم الجنرال الروسي الساعات التفاوضيّة الطويلة بكلام مفاده أن «فرص موافقة موسكو على أي صيغة تبدو ضئيلة، ما لم تكن الصيغة إعلان المسلحين استسلاماً كاملاً وغير مشروط». بدا أن الفرص أمام الوصول إلى اتفاق دخلت نفقاً مسدوداً، رغم أن الجهات الوسيطة كانت عاكفة على إنجاز اتفاق مفصّل يُنظّم عملية الخروج المقترحة بموجب قوائم اسميّة ومواعيد دقيقة.
لم يشهد صباح اليوم التالي (13 كانون الأول) أي نشاط على هذا الخط، وسط حملة إعلامية مكثّفة انطلقت منذ الليلة السابقة عبر وسائل إعلام رسمية، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، تهاجم دمشق وحلفاءها (وروسيا بشكل خاص) بسبب «حصار حلب». ظهيرة ذلك اليوم، أبلغ «الفاروق» الوسطاء أن «الفصائل لم تعد مهتمة بمواصلة التفاوض»، وأنّ «هناك مساراً آخر مفتوحاً». كانت «حركة أحرار الشّام» قد طلبت من الشيخ عمر رحمون بذل جهود وساطة «مستعجلة»، فعرض الأمر على جهات سورية وتلقى رداً إيجابياً مفادُه «الوساطة مقبولة، ويمكنك أن تكون طرفاً مفاوضاً من قِبلنا»، فيما كانت أنقرة تكثّف اتصالاتها مع موسكو لضمان نجاح هذا المسعى. العاصمة الروسيّة كانت مهتمّة بالوصول إلى الاتفاق قبل انتهاء جلسة مجلس الأمن، ولعب هذا الأمر دوراً في تسريع توافق المفاوضين المحليين على أربعة بنود عريضة لا تحوي تفاصيل وافية. وخلافاً للاتفاق الأول الذي لم يرَ النور نصّ الاتفاق على خروج المسلّحين بأسلحتهم الخفيفة. مساءً؛ كان مجلس الأمن منعقداً حين فاجأ المندوب الروسي فيتالي تشوركين الجميع بالحديث عن «التوصل إلى اتفاق حول خروج المسلّحين من المدينة». أكدت مصادر معارضة حدوث الاتفاق، وعُلم أن الحديث يدور عن اتفاق تفاوضت في شأن خطوطه العريضة كلٌّ من موسكو وأنقرة، وأنّ روسيا فضّلت منح تركيا دوراً (أساسياً) في إنجاز «تسوية شرق حلب» بدلاً من منح فريق ديمستورا دوراً (مُشاركاً). حلّ صباح يوم الأربعاء (الموعد المفترض للبدء بالتنفيذ) من دون أي بادرة على الأرض تشير إلى ذلك. اتّضح أن دمشق لم تكن راضيةً عن الطريقة التي أُعلن فيها الاتفاق، والتي أظهرت الأمر وكأنه اتفاق بين موسكو وأنقرة ومن دون علمها (كان هذا التفصيل سبباً في تسريب صور الاتفاق الذي وقّعه رحمون والفاروق لتوضيح أن دمشق كانت في صورة التفاوض وأنّ رئيس اللجنة الأمنية في حلب وقع الاتفاق). شهد يوم الأربعاء (14 كانون الأول) عودة إلى الميدان وتعليقاً تامّاً لتنفيذ الاتفاق، وقالت مصادر المجموعات المسلّحة إن «غرفة عمليّات جهاديّة تمّ تشكيلها». أُرسلت مفخختان إلى عقدة جسر الحج (في الأحياء الشرقية)، وشنّت مجموعات مسلّحة هجوماً عبر محور مدرسة الحكمة (غرب حلب) وبدا أن الأمور ذاهبة نحو مزيد من التصعيد. كثّفت أنقرة اتصالاتها بموسكو، وشهد محور دمشق ــــ طهران ــــ موسكو اتصالات مستمرّة، ليتوّج الأمر بدخول ملف بلدتي كفريا والفوعة المحاصرتين (ريف إدلب) على الخط، مع مزيد من التداخلات والتعقيدات التي لم تكن لتُحلّ جذريّاً لولا انعقاد اجتماع موسكو الثلاثي الذي مهّد لتنفيذ اتفاق يبدو «أبسطَ» ما تم الاتفاق عليه.

كواليس المشهد الأخير

منذ البداية، اشترط «قياديّو جبهة النصرة» على بقية المجموعات المسلّحة أن يكون مسلّحو «النصرة» أوّل الخارجين تحت طائلة «عرقلة أي اتفاق خلاف ذلك». وبرّر هؤلاء الأمر بـ«الخشية من التعرض لخديعة». نُفّذ هذا الشرط، واستطاعت «النصرة» إخراج مسلّحيها في أوّل فرصة سمحت بذلك، وقبل وفود تعقيدات كفريا والفوعة إلى المشهد. خروج قياديي «النصرة» شهد تفصيلين بارزين، أولهما أن «قياديي الصف الأول» طلبوا قبل بدء التنفيذ بساعتين أن يخرجوا بـ«سيارتين تابعتين للجبهة، لا بالباصات الخضراء» وهو ما تم. كذلك، اصطحب «القياديون» حقائب «دبلوماسية» تمسّكوا بها بشدّة، ولم تفارق أيديهم. وتوحي معظم المؤشرات بأن الحقائب المذكورة احتوت على رزمٍ من الدولارات، دأب «القياديون» على تكديسها خلال فترة «جهادهم» في حلب