مشاهد من حلب.. زلزال الحرب مر من هنا

مشاهد من حلب.. زلزال الحرب مر من هنا

أخبار سورية

الاثنين، ١٩ ديسمبر ٢٠١٦

آثارُ الحرب واضحة في مختلف أحياء حلب. دمار كبير يستقبل الزائرين عبر طريق خناصر، النافذة الوحيدة التي تصل المدينة ببقية المدن السورية. يمتدُّ الدمار على كامل الطريق. خناصر تبدو مدمرة جراء الاشتباكات العنيفة التي شهدتها إثر هجمات شنها مسلحو تنظيم «داعش»، كذلك تبدو مدينة السفيرة، رغم عودة معظم السكان إليها. أما مدينة حلب فتستقبل زائريها من منطقة الراموسة في أقصى جنوب غرب المدينة، وعلى جانبي الطريق ترتفع سواتر ترابية تخفي خلفها دماراً كبيراً لَحِق بمعظم معالم الحي.
على الجهة اليمنى للطريق، كانت تقبع أبرز منطقة صناعية خاصة بالسيارات. «هنا كنا نعيد تصنيع مختلف أنواع السيارات»، يقول أبو محمد، وهو تاجر صغير لا يزال يعيشُ في المدينة، ولم يغادرها رغم الحرب. ويضيف «اشتهرت الراموسة بأنها لم تكن تعرف معنى كلمة مستحيل، معظم السوريين يعرفون المنطقة، ومعظم من يملك سيارة مرّ يوماً من هنا». يروي أبو محمد حكايات عن الراموسة، عن ورشاتها الصغيرة، عن الأرمن الذين كانوا يحتلون موقعاً مهماً في المنطقة: «كلُّ ذلك أصبح ركاماً الآن».
تعرضت منطقة الراموسة لهجمات عنيفة قبل نحو شهر ونصف شهر، خلال محاولات فصائل «جيش الفتح» كسر الطوق العسكري المحيط بالمدينة، ما خلّف دماراً كبيراً أُضيف إلى الدمار السابق الذي كان موجوداً أصلاً إثر المعارك الطويلة التي شهدتها المنطقة.
عند نقطة تفتيش في آخر منطقة الراموسة، تقف السيارات في طابور طويل، يُجري عناصر الجيش والقوى الأمنية تفتيشاً دقيقاً للزائرين، يدققون في الأوراق جيداً. «يخشى أبناء حلب أن يختلط المسلحون بالمدنيين، أو أن يقع خرق أمني يسرق فرحة أبناء حلب بخروج المسلحين منها نهائيا وعودتها كاملة إلى كنف الدولة»، هكذا يشرح أحد عناصر الحاجز خلال حديثٍ جانبي.
يستطيع أبناء المدينة الذين غادروها خلال فترة الحرب أن يُلاحِظوا الاختلاف الكبير الذي طرأ على معالم مدينتهم، بخلاف سكانها الذين ظلّوا فيها. تسير السيارة في شوارع الأحـياء الغربية للمدينة، والمكتظة بالسكان والبسطات والأكشاك. هنا الازدحام شديد في هذا الجزء من حلب.
بعد انسحاب المسلحين من كل أحياء شرق حلب التي كانت خاضعة لسيطرتهم خلال السنوات الأربع الماضية، ومحاصرتهم من قبل القوات الحكومية في زاوية صغيرة في أقصى جنوب غرب الأحياء الشرقية، ومع توقف العمليات القتالية وبدء خروج المسلحين جراء اتفاق لم يجدوا مفراً من الموافقة عليه، باتت كامل أحياء حلب مفتوحةً أمام سكانها، والزوار القادمين من خارج المدينة.
تشق السيارة طريقها بداية نحو أقصى الشمال الشرقي، إلى حي مساكن هنانو، الذي مثّل بوابةَ دخول مسلحي «لواء التوحيد» في صيف عام 2012 إلى المدينة. تمرُّ السيارة في منطقة الصاخور، ازدحامٌ شديد عند مستديرتها يشبه الازدحام الذي كانت تشهده قبل الحرب. معظم السكان بدأوا يتوافدون إلى هذه الأحياء للاطلاع على أحوال منازلهم بعدما أجبروا على الهروب منها. الجسور تبدو سليمة رغم ضراوة المعارك التي شهدتها المدينة، إلا أن معظم الأبنية المحيطة بالطريق مهدمة بالكامل.
في مساكن هنانو، لا يختلف المشهد كثيراً. معظم المباني فارغة من السكان، باستثناء بعض المنازل التي عاد سكانها إليها. «العائق الأبرز في عودة السكان يتمثل بالبنية التحتية اللازمة للعيش، مياه الشرب والكهرباء»، يقول أحمد مصطفى، وهو مقاتلٌ في فصيلٍ رديف للجيش السوري أقام حاجزاً بالقرب من مدخل مساكن هنانو، مضيفاً «أنا من هذا الحي، هربت مع دخول المسلحين والتحقت بفصيل رديف للجيش، وها أنا أقف حارساً على باب حارتي الفارغة تقريباً من السكان».
تعرض حي مساكن هنانو لدمارٍ كبير، فجر مسلحو «داعش» مركز الهاتف الرئيسي فيه قبل نحو عامين، كما تعرضت محطة تحويل الكهرباء الرئيسية فيه للدمار والسرقة. في الجهة المقابلة للحي، جنوب طريق المطار، تقبع مجموعة كبيرة من الأحياء الشعبية (طريق الباب، الشعار، الجزماتي، القاطرجي، الميسر ...). لا يبدو أن عودة قاطنيها إليها ستكون قريبة جراء حجم الدمار الكبير الذي لحق بها.
على جانبي طريق المطار، بدأت ورشات البلدية العمل على تأهيل الطريق وتهيئته للمرحلة المقبلة، حيث يُنتظر تشغيلُ مطار حلب الدولي خلال أيام عدة. مصدرٌ مسؤول في محافظة حلب أشار خلال حديثه إلى «السفير» إلى أن التوقعات بأن يستقبل المطار أكثر من مئة ألف شخص في مراحل تشغيله الأولى، معتبراً أن ذلك «سيدعم عودة المدينة إلى الحياة، خصوصاً أن نسبةً كبيرة من الأشخاص المنتظر عودتهم هم من الصناعيين والتجار وأصحاب الورشات المتوسطة وحتى الصغيرة. عودتهم تعني بدء عودة الحياة فعلياً إلى المدينة».
تشير تقديرات غير رسمية إلى أن الأحياء الشرقية في مدينة حلب كانت تضمُّ في مرحلة ما قبل الحرب أكثر من مليون ونصف مليون شخص، بالإضافة إلى عشرات آلاف الورشات الصغيرة، والمهن الحرفية البسيطة، تُضاف إليها تجمعاتٌ صناعية كبيرة كانت تتركز أساسا في منطقة القاطرجي، والعرقوب، وبستان الباشا، والشيخ خضر، والهلك، والشقيف، وغيرها. معظم المصانع والمنشآت تعرضت للسرقة من قبل الفصائل المسلحة، ونُقلت إلى تركيا، أو إلى ريفي حماه وإدلب، ومعظم السكان خرجوا منها وتوزعوا على مناطق عدة، ابرزُها الساحل السوري ومخيمات اللجوء في تركيا، وريف حلب الشمالي، وحتى عفرين الخاضعة لسيطرة الوحدات الكردية في أقصى شمال حلب.
تمتد الأحياء الشرقية وتتصل من محورها الجنوبي بالمدينة القديمة، وصولاً إلى قلعة حلب. الدمار في المدينة القديمة له وجه آخر، يرتبط بحلب وبصمتها التاريخية. الدمار في هذه المنطقة يفوق بقيمته التاريخية دمار بقية الأحياء في الركن الشرقي للمدينة، رغم أن الدمار في تلك الأحياء يبدو أكبر بكثير.
المناطق التي شكلت خلال سنوات الحرب نقاط تماس بين شقّي المدينة الشرقي والغربي طالها الدمار الأكبر، على امتداد 18 كيلومتراً تقريباً يرتسم خط من الركام المتصل أشبه بجدار خلفته الحرب.
عند منطقة بستان القصر، التي مثلت معبرا خلال السنوات الماضية بين شطري المدينة، تعمل آليات البلدية على إزالة السواتر الترابية، وسط حركة مرور راجلة كبيرة تشهدها المنطقة، جراء عودة قسم كبير من الأهالي، سواء للسكن في منازلهم أو لتفقدها. سكان المنطقة المُطلة على الحي يقفون على شرفات منازلهم التي حرموا منها طيلة السنوات الماضية. إحدى النساء تلوح من شرفتها «لم نخرج من منزلنا طيلة الحرب، إلا اننا لم نكن نعرف ما يجري قربنا، الآن فقط استطعنا أن نخرج ونرى». نسألها عما تراه فتقول بعد ان تمعن النظر في حي بستان القصر المواجه لها: «الدمار كبير، وكأن زلزالاً ضرب المنطقة».