أسعار الإيجارات تواكب موجات الغلاء … والبحث مستمر عن رادع قانون أو أخلاقي

أسعار الإيجارات تواكب موجات الغلاء … والبحث مستمر عن رادع قانون أو أخلاقي

أخبار سورية

الخميس، ١٥ ديسمبر ٢٠١٦

“ما عاد شبعو”، عبارة رددها على مسامعي أحد سائقي سيارات الأجرة بنبرة غاضبة حاملةً خلفها غصة كبيرة ظننتها للحظة الأولى نتيجة الازدحام المروري الذي تشهده العاصمة في هذا الوقت من الظهيرة ليلحقها بسرد تفاصيل شجاره الصباحي شبه اليومي مع صاحب المنزل الذي يقطنه، وأسرته التي أُجبرت على ترك منزلها في منطقة داريا ، مطالباً إياه بزيادة في الأجرة التي تزيد أساساً عن الثلاثين ألف ليرة سورية شهرياً، مبرراً طلبه المتكرر بارتفاع أسعار كافة مستلزمات المعيشة في السوق، وكون المنزل هو مصدر الدخل الوحيد له – حسب زعمه- دون أدنى شعور بالمسؤولية تجاه من جار عليهم الزمن، فكانوا ضحية الإرهاب الذي هجّرهم من  مناطقهم، إلّا أن ما أذهلني ردة فعل السائق التي تمثلت في ختام حديثه بمطالبتي بضعف الأجرة المعتادة، محمّلاً ارتفاع الأسعار المسؤولية، ضارباً بعبارته الأولى عرض الحائط.
ردة الفعل
هذا التناقض في حديث السائق وردة فعله، دفعني للتساؤل والبحث عن الأسباب التي أدت إلى تنامي الجشع في نفوس الناس والذي تمثل بالارتفاع الجنوني التي تشهده أسعار المنازل المعدة للإيجار اليوم في العاصمة، وذلك بالتناسب طرداً مع هجرة ونزوج بعض المواطنين من المناطق الساخنة والمتوترة إلى مدن أكثر أماناً وحاجتهم إلى مسكن من جانب، وطمع بعض المكاتب العقارية وأصحاب العقارات الذين لم يتوقعوا أن تتحوّل عقاراتهم إلى مصدر ربح غير منتظر، يدر عليهم الآلاف ويجنّبهم  التداعيات الاقتصادية للأزمة بينما يصيب غيرهم بداء الإيجارات من جانب آخر.

ارتفاع غير مسبوق
ما شهدته، وتشهده السوق العقارية لجهة الارتفاع الكبير في الأسعار، أدى   إلى رواج المكاتب العقارية غير المرخصة “المخالفة للقانون”، متعددة الخدمات، والمختصة بشؤون السمسرة بالعقارات والسيارات، أو أي تجارة تجلب المال والربح، ودفع البعض منها  أيضاً لاستثمار منازلهم التي يسكنونها، وفصل غرف عنها لتأجيرها، علماً أن عدد المكاتب العقارية المرخصة منذ بداية عام 2010 حتى تاريخه لم يتجاوز /122/ مكتباً، وذلك حسب ما أدلى به مدير المهن والرخص المهندس فريد فياض، حيث تقوم المديرية بالتنسيق مع مديرية دوائر الخدمات لجرد جميع المهن في المدينة ليتم أرشفتها الكترونياً ومن ضمنها المكاتب العقارية، ولاسيما في ظل غياب إحصائيات حقيقية تشمل عدد المكاتب غير المرخصة، مبيناً أنه يتم فرض غرامة مالية على كل من يتخلف عن الحصول على التراخيص الإدارية اللازمة، آملاً السيطرة على هذه الآفات المنتشرة التي تزيد من أعباء المواطن يوماً بعد يوم.

تفاوت سعري
وفي المقلب الآخر أكد” كريم ” صاحب أحد المكاتب العقارية  التي تتوسط العاصمة أن أسعار الإيجارات تفاوتت من منطقة إلى  أخرى، وفق تصنيف هذه المنطقة، إن كانت آمنة، أو نصف آمنة، ضمن مركز المدينة، أو في الضواحي، فتراوح إيجار الشقة المكسية في منطقة كفرسوسة من 200 إلى 250 ألف ليرة سورية شهرياً للمنزل الذي لا يتجاوز/70/ م2، وفي منطقة مشروع دمّر وصلت الأسعار إلى /150/ألف ليرة سورية للشقة المفروشة، كما وصل الحال إلى توجّه بعض الناس لاستثمار عقاراتها غير المكسية، والخالية تماماً من كافة مستلزمات المعيشة وتأجيرها، حيث وصل إيجار التراس غير المكسي  لـ 25 ألف ليرة شهرياً،  بينما وصل إيجار المنزل في منطقة المزة – شيخ سعد لـ /75/ ألف ليرة وسطياً، ووصل إيجار الشقة المفروشة في منطقة الزاهرة – شارع النور إلى /55/ ألف ليرة، وباتت تلك المناطق اليوم حكراً لأصحاب الدخل العالي، بينما اتجه أصحاب الدخل المحدود للمكوث في الضواحي والعشوائيات، كـدف الشوك، ووادي المشاريع، وغيرها من المناطق التي يعتبرها البعض منهم، رغم ارتفاع أسعارها، وصعوبة مواصلاتها، رحمة مُنزلة لذوي الدخل المحدود، حيث حمّل كريم تلك الارتفاعات على عاتق قلة العرض الناتج عن موجة الهجرة الداخلية التي شهدتها تلك المناطق في الآونة الأخيرة، موضحاً أن مربح المكاتب العقارية من سوق الإيجارات لا يتجاوز الـ5% موزعة على كل من المؤجر والمستأجر على حد قوله.

حركة السوق
مديرة مراكز خدمة المواطن المهندسة هالة الدهيم، بيّنت أن عدد عقود الإيجار خلال العام الحالي وصل إلى حوالي الـ /17/ ألف عقد إيجار سكني، واللافت اليوم في حركة سوق تأجير العقارات هو تعمّد مالكي الشقق السكنية إلى تأجيرها لفترات قصيرة فقط، وبأسعار مرتفعة، وبعدها يقومون بالتجديد للمؤجر نفسه أو لغيره، لكن مع زيادة في قيمة الإيجار، كما يروي الحاج مصطفى أحد سكان منطقة جوبر والذي تدمّر منزله نتيجة الإرهاب الطاحن باضطراره للعمل ليلاً نهاراً لتأمين مبلغ 35 ألف ليرة إيجار شهر واحد لغرفة ومنتفعاتها على سطح مبنى في منطقة دمّر البلد تأويه وزوجته وأطفاله الثلاثة، وذلك على الرغم من رفض صاحب المنزل منحه عقد إيجار لأكثر من ثلاثة أشهر بغية رفع سعر الإيجار في عقد الثلاثة أشهر التالية.

بحثاً عن القانون
في ظل غياب القانون الذي يحدد أسعار الإيجارات، والذي يكتفي فقط بمنح المستأجر حق رفع دعوى تخمين لمحكمة الصلح، وذلك بعد إقامته في المنزل لمدة شهر على الأقل لتقوم اللجنة بإرسال خبراء للكشف على المنزل، وتحديد السعر المستحق دفعه والذي يقدّر بـ 5% من القيمة الشرائية للعقار حسب التقدير، وذلك في حال تم توثيق” المبلغ الحقيقي”  أساساً في العقد، حيث يلجأ معظم مالكي العقارات لتسجيل أسعار رمزية للتهرب من الضرائب لمنع المستأجر من اللجوء لذلك النوع من الدعاوى المكلفة بحد ذاتها، فلا يستطيع المستأجر في النهاية فعل أي شيء غير الخضوع لشروط صاحب العقار الطاحنة، كتحمّل كلفة تسجيل العقود في الدوائر الحكومية المعنية، والتلاعب بحقيقة الأسعار المعلن عنها في العقد، وغيرها من الانحرافات التي لا تدل سوى عن إصابة نفوس البعض بمفرزات الحرب السوداوية التي نشهدها اليوم ما جعلهم يفتقرون إلى  مبادئ الإنسانية والشعور بالغير.
ليلاس العجلوني