من الباب إلى تدمر.. واشنطن ترمي بأوراقها ودمشق حسمت خياراتها

من الباب إلى تدمر.. واشنطن ترمي بأوراقها ودمشق حسمت خياراتها

أخبار سورية

الأحد، ١١ ديسمبر ٢٠١٦

محمود عبد اللطيف
قبل نحو أسبوع من الآن توقفت العمليات البرية لتحالف ميليشيات "قوات سورية الديمقراطية" بريف الرقة الشمالي بحجة نقل ثقلها العسكري إلى محيط مدينة الباب لدعم ميليشيا "مجلس الباب العسكري" بالسيطرة على المدينة من جهة، ولدعم ميليشيا "مجلس منبج العسكري" بالحفاظ على وجودها في مدينة منبج بعد ارتفاع وتيرة التهديدات التركية لوجود قسد في مدن ريف حلب الشرقي.
وفي الوقت الذي شن فيه تنظيم "داعش" الإرهابي هجوماً ضخما على مناطق محيط تدمر "حقل الشاعر – جزل – المهر – حوسيس"، هاجم النظام التركي مواقع التنظيم في مدينة "الباب" مستهدفا المدينة بأكثر من 70 غارة جوية، إضافة لأكثر من 220 استهداف بالمدفعية الثقيلة للمناطق المدنية في مدينة "الباب" خلال أقل من 24 ساعة، ويأتي ذلك مع اكتفاء تنظيم التنظيم الإرهابي بإغلاق الطرق الواقعة في الجهة الغربية من مدينة الباب نحو مدينة "الراعي" مستخدما السواتر الترابية، في وقت ترك الطرق الواصلة إلى بلدة "تادف" المتصلة جغرافيا بمدينة الباب من الجهة الجنوبية مفتوحة، لكن هذه الطرقات ممنوع على المدنيين استخدامها، ليبقي "داعش" مدنيي "الباب" دروعا بشرية في مواجهة التقدم التركي الذي وصل إلى مسافة تقل عن 2 كم من الجهة الشمالية والشمالية الشرقية، وبرغم تأكيد "أنقرة" لاقتحام ميليشياتها لخطوط دفاع تنظيم "داعش" الإرهابي ضمن المدينة، إلا أن المصادر الخاصة بشبكة عاجل الإخبارية تنفي ذلك، مشيرة في الوقت نفسه إلى استشهاد أكثر من 35 مدنياً نتيجة القصف العنيف للمدينة من قبل النظام التركي، مع العلم إن وسائل إعلام تابعة لـ "الائتلاف المعارض" اتهمت الحكومة الروسية بالوقوف وراء الغارات التي استهدفت المدنيين في المدينة، وذلك في محاولة من الائتلاف لتبرئة سيده التركي من دماء الضحايا من المدنيين.
في ربط الخطوط الميدانية التي اشتعلت بتزامن مريب، يجب الوقوف على عودة ميليشيات "قسد" لتكرار سيناريو مارسته في أوقات سابقة، حيث كانت جبهات القتال بينها وتنظيم "داعش" الإرهابي تهدأ بشكل مفاجئ في ريف الحسكة الجنوبي، ما إن يبدأ التنظيم هجوما جديداً على مدينة دير الزور، وعلى سبيل المثال، كانت "قسد" قد أعلنت عن إطلاقها عملية للسيطرة على مدينة "الشدادي" بريف الحسكة الجنوبي خلال شهر كانون الثاني من العام الحالي، إلا أنها أوقفت العملية فور هجوم "داعش" على قرية "البغيلية" الملاصقة لمدينة دير الزور من الجهة الغربية خلال الشهر نفسه وبعد تمدد "داعش" في القرية بشهرين أطلقت "قسد" عملية لم يقاوم فيها "داعش" طويلاً لينسحب من كامل مناطق ريف "الشدادي" وصولاً إلى "مركدة" آخر النقاط الإدارية بريف الحسكة الجنوبي.
وبعد سيطرة قسد على "الشدادي" في شهر آذار الماضي، أعلنت عن نيتها إطلاق عملية كبرى باتجاه "مركدة" خلال شهر أيار، إلا أن هذه العملية توقفت بشكل مفاجئ أيضاً بعد سيطرة "قسد" على قرى "كشكش – زيانات – كشكش زيانات"، وتزامن وقف هذه العملية مع إطلاق "داعش" لما أسماه بـ "غزوة أبو علي الأنباري" التي سيطر من خلالها لمدة ساعات على منطقة غربي مدينة دير الزور "مشفى الأسد – السكن الجامعي" وارتكب مجزرة بحق الكادر الطبي للمشفى واختطف عدد آخر منهم، وكان الغرض من هذه العملية السيطرة على المناطق المشرفة على "منطقة إسقاط المساعدات الإغاثية" لدير الزور من قبل الطيران الروسي بالتعاون مع "البرنامج العالمي للغذاء التابع للأمم المتحدة،
هذا السيناريو عاد ليتكرر بصورة مختلفة، ففي الوقت الذي هاجم فيه تنظيم داعش مواقع لـ "قسد" في ريف الحسكة الجنوبي كـ "أبو فاس – المكمن"، خلال المراحل الماضية لتخفيف الضغط الميداني من قبل "قسد" على خطوطه بريف الرقة الشمالي، أوقفت قسد عملياتها البرية ضد التنظيم شمال الرقة متعهدة بنقل ثقل عملياتها لمواجهة التمدد التركي شرق حلب من جهة، مواجهة داعش والتوجه نحو "الباب" مرة أخرى، إلا أن "قسد" أصيب بالشلل الميداني فجأة ولم تتجه لمنافسة الأتراك وميليشيات "درع الفرات" بالوصول إلى المدينة التي تعد أكبر المعاقل الأساسية لداعش بريف حلب الشرقي.
وفي وقت لا يبدي فيه داعش أي مقاومة تذكر بريف حلب الشرقي لتمدد الأتراك على حسابه نحو الباب مع العلم إن منطق الحفاظ على وجوده في داخل الأراضي السوري وخاصة المدن الكبرى يستعدي وقف هجومه على مناطق شرق حمص ونقل أكبر قدر ممكن من التعزيزات إلى مدينة الباب، وإلى مناطق شرق حلب عموما خاصة إلى "دير حافر – السفيرة"، إلا أن ذلك لم يحدث.
ووفقا لمجريات الميدان، كان لـ "قسد" الفرصة الكبيرة في استثمار انشغال داعش على جبهة "ريف حمص الشرقي" و "جبهة الباب" لتطور عملياتها بريف الرقة الشمالي، إلا أن ذلك لم يحدث ما يظهر إن غرف المخابرات المشتركة التي تحرك الميليشيات والتنظيمات الإرهابية العاملة ضد الدولة السورية قسمت الميدان وفقاً لما يلي:
1-يهاجم الأتراك مدينة الباب بشكل عنيف لينسحب منها تنظيم داعش نحو جبهات تماس حيوية مع الجيش السوري في مناطق البادية، على أن تكون هذه الجبهات ذات ثقل ميداني ببعد اقتصادي مؤثر على الحكومة السورية، لتجبرها على نقل أكبر قدر ممكن من الثقل العملياتي لسلاحي الجو السوري والروسي إلى معركة البادية، بما يعرقل نسبيا عمليات أخرى من أبرزها "معركة حلب الشرقية".
2-تكتفي قسد بحالة الشلل الميداني فيما يبدو إنه "تطمين" أمريكي لـ "داعش"، على أن ينقل الأخير أكبر قدر ممكن من عناصره إلى البادية مستفيدا من تهدئة جبهات ريفي الرقة والحسكة، ويعتقد أن يشن التنظيم هجوما آخرا على مناطق وجود الدولة السورية في دير الزور "المطار – الأحياء المحاصرة"، وهذا يفضي إلى استنزاف القدرات الجوية السورية والروسية في معارك جانبية.
3-يعمل على المستوى السياسي على الضغط على الحكومة السورية لضمان إخراج جبهة النصرة فقط من الأحياء الشرقية في حلب، وترك المساحة المتبقية من هذه الأحياء تحت سيطرة من تبقى من عناصر الميليشيات، وهنا قد يعود المبعوث الأممي الخاص إلى سورية "استيفان ديمستورا" لطرح تسوية متعددة الخيارات، كإخراج كامل المسلحين إلى مناطق إدلب، أو العودة لطرح إقامة منطقة "إدارة محلية" تحت سلطة الميليشيات في حلب، بما يسمح بخلق هامش للمناورة الأمريكية على طاولة السياسة.
قرار الحكومة السورية بحسم معركة حلب نافذ، ووجود الجيش السوري على مسافة تقل عن 5 كم من مدينة الباب مطمئن لجمهور ومؤيدي الدولة السورية، وفيما يخص معركة الريف الشرقي لحمص، تؤكد المصادر الخاصة بشبكة عاجل الإخبارية إن الوضع الميداني في ريف تدمر الشمالي سيبدأ بالتحسن خلال وقت قصير، مشيرة إلى أن الأنباء المتناقلة عن دخول داعش إلى مدينة تدمر من جهتها الشمالية عارية عن الصحة مع تكبد داعش خسائر كبيرة في منطقة "الدوة" التي يحاول السيطرة عليها لقطع طريق "حمص – تدمر" الذي ما زال الجيش السوري يسيطر عليه بشكل كامل.
مصادر سياسية تقول لشبكة عاجل الإخبارية: تدمر لن تسقط مرة أخرى، القرار السوري – الروسي المشترك حول المدينة يؤكد على ضرورة الحفاظ على المدينة واستعادة "بادية الغاز" أياً كانت الوسائل، في حين إن مناقشة التمدد التركي باتجاه الباب، وشلل "قسد"  المفاجئ يعتبر مشاركة فاعلة من الأطراف الأمريكية لوقف عمليات حلب، علما إن المساحة المتبقية من الأحياء الشرقية فيها باتت تحت مرمى النار والحسم العسكري في المدينة "قرار لا رجعة عنه".
عاجل الاخبارية