«فيتو» روسي ـ صيني يبدّد اقتراح «هدنة» ويستعجل الحسمذ

«فيتو» روسي ـ صيني يبدّد اقتراح «هدنة» ويستعجل الحسمذ

أخبار سورية

الثلاثاء، ٦ ديسمبر ٢٠١٦

لا صفقة روسية ـ تركية على حلب، و «لا» روسية وصينية في مجلس الامن الدولي لمشروع مصري - نيوزيلندي يمنح هدنه أممية للمجموعات المسلحة وفرصة إعادة ترتيب الصفوف. رسالة «الفيتو» المزدوج أن موسكو ستواصل الحرب مع الجيش السوري على ما بقي من مقاتلين في شرق حلب ولن تتوقف قبل انتصار حاسم أو جلاء جميع المسلحين عن شرق المدينة. وزاد من حدة «الفيتو» أنه صادف قصف المعارضة لمشفى ميداني روسي في حلب أدى إلى مقتل طبيبتين روسيتين.
الروس أعادوا التأكيد لدمشق، أنه لا صفقة على أولوية دخول الجيش السوري الى مدينة الباب. التأكيدات صدرت قبل أسابيع، بعد انتعاش التفاهمات الروسية التركية بشأن سوريا، بعد الانتصارات الميدانية التي حققها الجيش السوري في عاصمة سوريا الاقتصادية، وعلى المسرح الاول الذي تشتبك حوله وفيه القوى الاقليمية والدولية. المصادر السورية قالت إن تمهل الجيش السوري في التقدم نحو الباب، لا يعود الى أي صفقة تمنح الاتراك أولوية الوصول الى مدينة الباب، وضمان إبعاد الكرد عنها، وشق ريف حلب الشمالي نهائيا، بعمق يتجاوز الثلاثين كيلومترا وفصل مناطق شرق الفرات عن غربها، ومعها المشروع الكردي الفدرالي، الذي يشكل الهاجس الاول لأنقرة.
التمهل السوري الذي لم يطلق عملية واسعة في الباب، يعود الى أن التطمينات التي قدمت الى دمشق، تجعله قادرا على الانتظار، خصوصا لحظة وصول عملية حلب الى مرحلة حاسمة، والاجماع بين روسيا وسوريا على ضرورة مواصلة التركيز على إنهاء العمليات العسكرية في المدينة، قبل نهاية العام، والانتقال في ما بعد الى مدينة الباب. ويعتبر السوريون أنه من البديهي الوصول الى الباب، ذلك أن عودة المجموعات المسلحة الى تهديد حلب، سيكون حتميا، لو أن الأتراك دفعوا بقوات «درع الفرات» الى المدينة، وهو أمر سيعيد تهديد مشاريع إنعاش الدور الحيوي لحلب في قلب المشروع السياسي والاقتصادي السوري، فضلا عن أن وقوف الاتراك على مبعدة كيلومترات من العاصمة الثانية لسوريا، وقلبها الاقتصادي، سيؤدي الى تجويف الانتصار في حلب من معانيه السياسية والاستراتيجية، ويوفر للاتراك منصة للتأثير على كل التفاهمات السورية المقبلة. ولن يكون الانتصار السوري وحده مهددا بتلك الصفقة مع الاتراك إن وجدت، بل إن الانجاز الروسي سيكون رهينة تفاهمات مع قيادة تركية مزاجية ومتقلبة، وغير موثوقة ولا قادرة على احترام التفاهمات المعقودة معها. كما أن الانجاز الروسي لن يكتمل إلا باستعادة السيادة والسيطرة على المراكز الحيوية، والسكانية الكبرى في سوريا. فليس إنجازا أن تستعاد حلب وتسلب الباب، وأن تتوزع الشمال السوري خريطة نفوذ تركية أو كردية أو أميركية.
ولا يتناقض انتفاء الصفقة على الباب، مع استئناف المفاوضات في انقرة بين الروس والاتراك، وممثلي المجموعات المسلحة التي تقاتل في حلب باستثناء «النصرة»، إذ إن المطروح على طاولة المفاوضات لا يزال إصعاد المسلحين من المجموعات كافة، الى الباصات التي حملت المئات قبلهم الى إمارة ابو محمد الجولاني في ادلب، وآخرهم مئات المسلحين بالامس من بلدة الكسوة، في ريف دمشق الغربي.
ويذهب الروس في رفع سقف اللهجة الى حد وصف وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف، لمشروع قرار مصري - نيوزيلندي في مجلس الامن يقر هدنة في حلب، بأنه استفزازي في أحد جوانبه. ويسعى الروس الى كسب المزيد من الوقت، والعمل بعيدا من الضغوط وتأمين أفضل الشروط لحسم عملية حلب بإجلاء المسلحين أو هزيمتهم بأسرع وقت، وقبيل وصول الادارة الاميركية الجديدة، وهو أمر لا يزال متاحا مع تواصل شبه اجتياح الجيش السوري لأحياء شرق حلب. ومسبقا كان مشروع القرار المصري - النيوزيلندي محكوما بالفشل، لضيق صدر لافروف بأي هدنة لأنها، كما قال ستساعد المسلحين على إعادة ترتيب أوضاعهم، وتعويض ما خسروه، وهي المرة الاولى التي يرفض فيها الروس هدنة لحلب بهذه القوة لتعارض توقيتها مع اقتراب العمليات العسكرية من حسم الموقف في المدينة، وانتهاز فرصة التفاهم مع الاتراك حتى النهاية، وقبل تغيير المواقف، من أجل التخلص من كل العقبات التي تحول دون تحقيق انتصار روسي سوري حاسم في المعركة الاقليمية والدولية الكبرى التي تدور حول سوريا، والتي ستكرس عبر حلب، عودة الروس بقوة الى أداء دور غير مسبوق في النزاعات الدولية، والمشرق، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي مطلع التسعينيات.
ومنذ إنعاش التفاهم مع الاتراك، أبعد الروس الاميركيين عن أي مفاوضات ثلاثية تركية روسية مع المجموعات المسلحة، كما أبعدوهم عن تطورات الملف السوري منذ أسابيع. وقد يُطلع لافروف غدا الاربعاء، نظيره الاميركي جون كيري على طبيعة التفاهمات مع الاتراك، التي استعاض بها الروس مرحليا، عن الاتفاق الاميركي - الروسي الذي لم يعد له وجود، خصوصا بعد أن تجاوزته عمليات الجيش السوري في حلب. واذا كان صحيحا ما قاله لافروف بأن كيري موافق على الخطة الروسية للحل في حلب، فلأن الاحداث قد تجاوزتها. وكان سجال بين واشنطن والمجموعات المسلحة قد أوحى بأن واشنطن قد أخذت علما بأنها لن تستطيع إعادة عقارب ساعات حلب الى الوراء. وعندما أعلن «تجمع استقم كما أمرت» أن المقاتلين أبلغوا واشنطن انهم لن يخرجوا من حلب، لقطع الطريق على أي ضغوط اميركية، كانت المجموعات نفسها، تعلن أنها تلقت رسالة من واشنطن تتراوح بين طلب توضيحات عن موقفها، وبين نصائح بالخروج من شرق المدينة.
فرغم أن الروس باتوا يجلسون في انقرة مع أطراف كـ «نورالدين الزنكي»، و «أحرار الشام»، وغيرهما ممن يتهمونهم بالارهاب، لم يعد النقاش يدور حول فصل المعتدلين عن الارهابيين، او تنظيم قوافل إجلاء لبضع مئات من المسلحين، بمواكبة الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا شخصيا، وفي باصات الامم المتحدة، الى حيث شاؤوا، إذ إن الروس، يطالبون بخروج جميع المسلحين من كل الاتجاهات، كشرط أساسي لوقف العمليات العسكرية، التي اصطدمت في اليوم التاسع، بعد اختراق الجيش السوري لحي هنانو، واجتياح شمال شرق حلب، للمرة الاولى، بمقاومة في حي الشعار.
ودارت معركتان أساسيتان، تمثلان هما أيضا، تطبيقا مماثلا لعملية هنانو نفسها. تتمثل الاولى في إحداث ثغرة، وسط الاحياء التي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، واقتحام مشفى العيون وسط المدينة، في كرم الميسر الذي حولته «جبهة «النصرة الى مقر أمني لها، وسجن، ومحكمة شرعية، ومستودع للاسلحة. وحاول الجيش التقدم عبر ممر يبعد 500 متر الى قلعة حلب، والالتقاء بين القوات القادمة من شرق المدينة، مع القوات المرابطة في القلعة غربا، وفي وسط المدينة القديمة. واصطدمت المحاولة بهجوم مباغت، على وحدة الطليعة في المشفى، تدخل الطيران السوري، والمدفعية، لتشتيته. وكان إقفال الثغرة سيؤدي الى عزل الاحياء شمال القلعة، عن جنوبها، ومحاصرة المسلحين في حي الشعار، أكبر احياء حلب، الذي قطنته حتى مطلع الازمة اكثرية 200 الف قادم من أرياف حلب الشرقية، كما أن أحياء باب الحديد وقاضي عسكر واغيور وقرلق، ستصبح هي أيضا محاصرة، ومعزولة عن ظهيرها في جنوب المدينة.
ومن الواضح أنه كلما ضاق انتشار المسلحين مع تساقط الاحياء، تكثفت أعدادهم فوق المساحات الباقية. وشكل حي الشعار اختبارا لاعادة التحشيد في هذا الحي، الذي نشرت «النصرة» فيه عشرات القناصة، في صفوف مبانيه البرجية العالية والمتلاصقة. واضطر الجيش الى إبطاء ايقاع دخوله الى حي الشعار، الذي سيكون لسقوطه دوي خاص، باعتباره المعقل الاول لجبهة «النصرة»، ومقارّها، ومخازن أسلحتها، وأحد اهم تجمعات مقاتليها في شرق حلب.