مازال مستمراً إطلاق النار في المناسبات.. ظاهرة مرفوضة قانونياً واجتماعياً.. وحوادثها في ذمة الوعي!

مازال مستمراً إطلاق النار في المناسبات.. ظاهرة مرفوضة قانونياً واجتماعياً.. وحوادثها في ذمة الوعي!

أخبار سورية

الاثنين، ٥ ديسمبر ٢٠١٦

كثيراً ما تتحوّل الأفراح إلى أتراح، والتهاني إلى مآس بسبب استهتار شاب فضّل التعبير عن فرحه بطريقة غير مشروعة، وغير مستساغة، ذلك هو الوضع في الأعراس التي تشهد إطلاق الرصاص من الأسلحة ابتهاجاً بالعرس، فتتحوّل معها المظاهر في بعض الأحيان من تهان إلى تعاز، ولم تجد المناشدات في منع استخدام الأسلحة، وإطلاق الأعيرة النارية في المناسبات، حيث إن هذه الظاهرة مازالت مستمرة، وزادت في ظل الأزمة المستمرة منذ ست سنوات، فقد أصبح إطلاق النار حالة اعتيادية في يوميات الناس المليئة بالحوادث المؤلمة!.

مفاخرة
ترى الدكتورة سميرة القاضي، كلية التربية، أن أسوأ ما في هذا الأمر أن أبناء الريف، وبعض المدن يتباهون ويفتخرون بهذا الإزعاج، إذ إننا بتنا نسمع في كل مناسبة وفرح الطلقات النارية من أسلحة مختلفة، بغض النظر إن كانت مرخّصة، أو غير مرخّصة، مخلّفة دوياً مزعجاً، ورعباً في أرجاء المدينة، فهل يصح إزعاج أهل الجوار، وإرهاب الصغار دون التفكير بأبعاد هذه الظاهرة ومخاطرها في أن يتحوّل الفرح إلى بيت عزاء في حال إصابة شخص ما بعيار ناري، فيظن من يطلق النار في السماء أنه لن يصيب ولن يؤذي أحداً، دون أن يفكر أنها ستسقط من السماء بعد ذلك، واحتمال أن تصيب أحداً، أو تحدث أضراراً مادية جسيمة،  فإلى متى سيظل مجتمعنا متمسكاً بهذه الظاهرة؟!.

ليلة العمر
بينما يرى الدكتور فواز العبد الله، كلية التربية، أن ظاهرة إطلاق الرصاص الحي في الأفراح آخذة بالانخفاض، ملتمساً عذراً لأهل الفرح، وأن من يقدم على الزواج يحب الفرح بطرق شتى، لأنها ليلة واحدة في العمر، ولكن في موسم الصيف تكون العديد من الأفراح في الليلة نفسها، وهذا قد يتسبب بالضجيج بدرجة كبيرة، وحوادث كبيرة، وقد يفلت الجاني لكثرة المشاركين بإطلاق النار!.

ظاهرة مقيتة
فيما اعتبرها الدكتور آصف يوسف، كلية التربية، ظاهرة مقيتة، ودخيلة على قيمنا وأعرافنا علينا أن ننبذها كلياً بكل الوسائل المتاحة أمامنا، بما في ذلك منعها قانونياً، حيث إنها ليست فقط خطيرة، بل أصبحت تشكّل ازعاجاً ﻻ يطاق، وحان الأوان لمحاربتها واستئصالها من جذورها، كما علينا أن نزيد الوعي لدى الجميع بأن سلبيات هذه الظاهرة أكثر بكثير من إيجابياتها، وﻻ أعتقد أنها تساهم بازدياد الفرح لدى أهل العرس، أو الحضور، وعلينا، والكلام لايزال ليوسف، أن نضع حداً لهذه الظاهرة السلبية في بلدنا، خاصة أنها لم تعد تحتمل بتاتاً، وسبق أن وقع ضحايا أبرياء في جوار الفرح، أو في المنطقة نفسها بعد سقوط الرصاص، لا يوجد أحد لا يحب أن يفرح ويسعد، إلا أن لكل شيء حدوداً، ومنطقاً، ومستقبل أولادنا بأيدينا، نحن نبني، ونحن نهدم؟!.

إجماع
الدكتور الطبيب  نزار بني المرجة قال: هناك شبه إجماع بأن إطلاق النار في المناسبات ظاهرة خطرة، وإزعاج، وتخلّف، وعلى الرغم من ذلك فإن الظاهرة مستشرية بقوة، ومجتمعنا عاجز، رغم ظواهر السخط والنبذ، عن إحداث التغيير، والسؤال الملح ليس فقط أمام هذه الظاهرة، بل كل الظواهر السلبية: لماذا هذا العجز؟! كيف نستطيع جسر الفجوة بين التنظير ومظاهر السخط، والتغيير الفعلي؟!.. ولو أن مجموعة من المواطنين توجهت لصاحب المناسبة بطلب واضح وحازم بوقف إطلاق النار لكانت هذه البداية لحل هذه الظاهرة؟!.

مقتل العريس
الدكتور إبراهيم زعرور “قسم التاريخ”، قال: أرفض قطعياً ونهائياً إطلاق النار في الأعراس، والمناسبات السعيدة، وغير السعيدة، مثل تشييع الشهداء، وقد شهدت حدوث شهادات أخرى، ولا أفهم ما علاقة الأفراح، وتشييع الشهيد بإطلاق النار التي كثرت حالياً بمناسبة، وبغير مناسبة كثيراً ما حولت الأفراح لأتراح بإصابة أحد المدعوين وحتى المارة إصابة كبيرة، وسببت إعاقة دائمة أو بمقتل العريس نفسه، أو حتى والد الشهيد، أو أحد أقاربه، أو من أبناء الضيعة ليتحوّل بيت الفرح، أو التشييع لبيت عزاء مضاعف.. هذه الظاهرة تعبّر عن تخلف كبير، وشعور نقص عميق، وحب ظهور فارغ، فيجب إيجاد حل مدروس له عن طريق خبراء اجتماعيين ونفسيين، ووضع خطة علاج بعيدة المدى، قد لا تأتي بنتائج سريعة، لكنها ستأتي بنتائج جدية إذا ما توبعت بصبر وتصميم وإرادة واستمرارية جادة.

حكم القانون
القانون وحده كفيل بقطع دابر هذه الظاهرة المكروهة، وفق تعبير الدكتور ياسر الخلف “كلية الحقوق”، مؤكداً لقد آن الأوان لمعالجة هذه الظاهرة البدائية واستئصالها من منظومة حياتنا، فهي بلا شك ظاهرة تتسم بها المجتمعات البدائية،  ولا أدري كيف لنا أن نتبنى مظاهر المجتمع المتمدن، وفي الوقت ذاته، نتمسك بظواهر بدائية كإطلاق النار في الأعراس والإسعافات والتشييع، وهذا قد يكون مقبولاً، ولكن البعض قد يكون سهران ومبسوطاً يطلق العنان لشتى أنواع السلاح، والويل لمن يعترض، فهذه الازدواجية في المعايير الثقافية، تشير إلى أننا مازلنا مجتمعاً بدائي الطبع، مدني التطبع، والفجوة بين هذا وذاك مازالت كبيرة.
وللقضاء على هذه الظاهرة لا يُؤتى إلّا بالتطبيق القانوني، بمعنى أن يقدّم للقضاء كل من يقوم بإطلاق النار في المناسبات الخاصة والعامة، وفي غياب القانون، فلا عجب أن تعمّ الفوضى، وتتفشى مثل هذه الظواهر أكثر فأكثر، رغم المآسي، وسوء العواقب جراء الحوادث المتكررة، إذ يتحوّل العرس إلى مأتم ، ومع أن الدرس قاس جداً إلّا أننا لا نتعلم!.

رأي الشرع
الدكتور محمود المعراوي  القاضي الشرعي الأول في دمشق، قال: كتب الله تعالى الإحسان على كل شيء، وحرم أذية الخلق بلا حق، وجعل كف الأذى من أفضل خصال الإسلام، فلمّا سُئل رسول الله أي الإسلام أفضل؟ قال من سلم المسلمون من لسانه ويده، وجعل كف الأذى واجباً على المسلم وحقاً لأخيه المسلم، وطرق أذية المسلمين وعامة المواطنين عديدة متنوعة، ومنها ظاهرة إطلاق النار في الأعراس والأفراح في كل الأوقات دون مراعاة ليل أو نهار، بلا مبالاة بمشاعر المكلومين والمحزونين دون اهتمام بترويع الأطفال والآمنين.
وأضاف المعراوي: إن ظاهرة إطلاق النار التي تتفشى وبقوة في الريف السوري باتت ظاهرة غاية في الخطورة والإزعاج وترهيب الناس، ناهيك عن خطورتها على سلامة الناس، فقد ينجم عنها إصابات وإعاقات جسدية، والملاحظ أن حدتها تشتد مع موسم الأعراس لتزيد من مصاريف أصحابها، ويؤثر سلبياً على الوضع الاقتصادي، فلا بد أن يعي أهلنا خطورة هذه الظاهرة وأن يكون دور كبير للشرطة للحد من هذه الظاهرة، وأن تتكاتف جهود كل من الأسرة، ووزارة التربية والتعليم، والوجهاء، ووسائل الإعلام من أجل مكافحة هذه الظاهرة الخطيرة.

ضعف الشخصية
إطلاق الرصاص في الأعراس والتشييع، أو لتنصيب عضو مجلس شعب، أو لفوز ناد ما بمباراة رياضية خطير ومزعج، ومازالت هذه الظاهرة منتشرة على الرغم من المآسي والضحايا الأبرياء الذين راحوا ضحية إطلاق النار دون ارتكاب أي ذنب سوى أنهم شاركوا في الفرح، وتقديم  واجب اجتماعي، أو أنهم جلسوا في شرفات بيوتهم، وفي كثير من الأحيان تحوّل الفرح إلى مأتم، وتحوّل الفرح إلى ترح، وإذا كان ثمة من يظن  أنه بإطلاق النار يدخل الفرحة والسرور إلى نفوس المحتفلين بالفرح، فأغلبية الناس يشكون من هذه الظاهرة كونها خطيرة، فإنها مزعجة، وتؤدي إلى حالات من الفزع والخوف والإزعاج لدى الأطفال، وتشكل مصدر إزعاج للمرضى والشيوخ.

عارف العلي