معركة الباب تتأرجح تبعاً لـ"مصالح" الفرقاء: من يطلق رصاصة السبق؟

معركة الباب تتأرجح تبعاً لـ"مصالح" الفرقاء: من يطلق رصاصة السبق؟

أخبار سورية

الاثنين، ٢١ نوفمبر ٢٠١٦

تتأرجح التكهنات باقتراب معركة الباب بين مدٍّ وجزر، وفيما يبدو أن قرار اقتحام المدينة من هذا الطرف أو ذاك قد أصبح قاب قوسين أو أدنى، يعود في اللحظة التالية ليصبح أمراً مؤجلاً إلى حين.
ولا تكتسب معركة الباب أهميتها من موقع المدينة الاستراتيجي فحسب، بل من تعدد القوى التي ترى في وضع يدها على المدينة مكسباً استراتيجياً لها، وعلى رأس هؤلاء الدولة السورية باعتبارها صاحبة الأرض والحق، والتي تنظر إلى تحرير الباب باعتباره نصراً كبيراً يقربها من الحدود الإدارية للرقة التي سيكون عليها ملء الفراغ فيها عاجلاً أم آجلاً.
ويضاف إلى ذلك أن دخول الجيش السوري الباب سيجعله على مقربة من الحدود السورية – التركية التي باتت تشكل منغصاً كبيراً له في ظل الغزو التركي لمناطق الشمال السوري عبر ذراعها المسمى "قوات درع الفرات" والتي سيطرت حتى الآن على مساحات واسعة في جرابلس ومحيطها.
ولا تخفِ أنقرة مطامعها في الباب إلى الدرجة التي دفعت صحيفة "حرييت" المقربة من أردوغان بوصف الباب: إنّها "مفتاح مستقبل تركيا في سورية".
ويخطط الأتراك لعملية استلام من "داعش" مشابهة لما حصل في جرابلس ودابق وأماكن أخرى، فالمدينة الاستراتيجية تُسيل لعاب أردوغان الذي تحدث صراحةً عن نيته استكمال احتلال ما مساحته (5000) كيلو متر مربع لتكون المنطقة العازلة التي يحلم بها ليل نهار.
فيما يعتبر الأكراد من جهتهم، مدينة الباب ذات أهمية كبرى لوصل "كانتوناتهم" المقطعة، وتعويضاً عن منبج التي لم يقطفوا ثمار تحريرها، ولذلك يشكل الكرد القوة الثالثة التي تعد العدّة لاجتياحها وهم أعلنوا عن نيتهم هذه مراراً.
وبرغم أن الاندفاعة التركية أعطت لعملاء تركيا في "درع الفرات" أفضلية عسكرية لدخول المدينة على حساب الجيش السوري وحلفائه من جهة، والأكراد من جهة أخرى، فإن أنقرة أظهرت "حذراً" من إتمام الخطوة الأخيرة التي أعلنتها مراراً على أنها أولوية.
"الحذر" التركي جسّده كلام وزير الدفاع التركي فكري إيشق، الذي قال: إن كلاً من "موسكو وواشنطن لديهما رؤى بدورهما حول مدينة الباب الاستراتيجية"، مشيراً إلى أن مباحثات ثلاثية مكثّفة روسية - أميركية - تركية، تجري لمتابعة التطورات على جبهة المدينة. ولفت إلى أن هناك "مصالح مختلفة" حول المدينة، وتركيا تسعى بدورها "لضمان أمنها وحماية مصالحها الإقليمية".
ولمزيد من التعقيدات التي تعرقل خطوات أنقرة نحو الباب، صدر كلام عن المتحدث باسم "التحالف الدولي"جون دوريان، قبل أيام مفاده أن خطوة أنقرة في الاندفاع نحو المدينة هي قرار "مستقل" أخذته بمعزل عن "التحالف"، فيما يشير إلى أنها لن تستطيع الرهان على دعم واشنطن في مواجهة موسكو وحلفائها، ما قد يفضي إلى إفشال تقدمها العسكري الأخير نحو المدينة، وهو ما يُفسّر ربما تقدم "قوات سورية الديمقراطية" الأخير ووصوله إلى حدود بلدة قباسين المتاخمة لمدينة الباب من الجهة الشمالية الشرقية.
لكن هذا ليس كل شيء، وهناك ما لم يقله إيشق وقالته الصحافة التركية "، فدمشق عادت إلى تهديد الطيران التركي والتحضير لفتح جبهة جنوب المدينة، وهو ما كشفته صحيفة "حرييت" نقلاً عن مصدر عسكري، أفاد بأن أنقرة أوقفت طلعاتها الجوية خلال الأيام الثلاثة الماضية ما بعد وصول "درع الفرات" إلى قرية قديران شمال الباب بعد "عودة التهديدات من أنظمة الدفاع الجوي السورية، وبموافقة روسية"، مشيراً إلى أن "الجيش السوري يُعِدّ لشن هجوم على المدينة والسيطرة عليها".
مصادر عسكرية سورية أكدت من جانبها، أن الجيش السوري وحلفاءه استكملوا الاستعدادات اللازمة في انتظار ساعة الصفر للانطلاق، في معركة لن تكون سهلةً، لكنها ضرورية وملحّة.
ففي خضم المعارك الأعنف التي شهدتها حلب خلال الشهر الأخير، لم يغفل الجيش السوري وحلفاؤه ما يجري حول مدينة الباب، والتحضيرات التركية لغزو المدينة، ومن هنا فقد حشد المزيد من القوات في مطار كويرس تحضيراً لهذه المعركة.
ويبدو أن الجيش السوري وحلفاءه قد حسموا أمرهم بشكل قطعي في تدشين عمليّات نحو المعقل الداعشي الأخير في حلب عبر محاور عدّة، على ألّا تؤثّر العمليات المُرتقبة على مسار معارك الأحياء في حلب، والتي تحظى بأولويّة قصوى.
وكانت المعلومات قد أشارت إلى أن الجيش السوري قد قام بالفعل  باستقدام تعزيزات إضافية إلى عاصمة الشمال ليكون جزءاً أساسيّاً من معركة الباب. وتفيد المعطيات المتوافرة بأن يتم في وقت متزامن العمل على تدشين العمليات نحو الباب، إضافة إلى عمليات في محيط مطار حلب الدولي، دون إغفال جبهات الجنوب الغربي أو عمليات الأحياء الشرقية.
وتلحظ الخطط العسكرية السورية في هذا الإطار أن أي تقدم لقوات الغزو التركي أو مجموعاتها الرديفة المنخرطة في "درع الفرات" نحو خطوط التماس مع الجيش السوري سيحولها إلى هدف أساسي من أهداف الجيش، في تكرار لما حدث  في "تل المضيق" قبل أسابيع قليلة ، حيث شهدت تدخلاً للطائرات السورية، بسبب اقتراب مجموعات "الدرع" من خطوط التماس مع مواقع الجيش السوري في حردتنين.
إذاً، معركة الباب قادمة عاجلاً أم آجلاً، وكل تأخير فيها إنما يشير إلى أن الأطراف المتنافسة على دخولها ما زالت تنتظر نضوجاً أفضل لقرار الدخول إليها في ظل التعقيدات التي تحيط بهذه المعركة.
ويبدو الجيش السوري الأكثر تحرراً من هذه الشروط والتعقيدات، باعتباره صاحب الحق الشرعي الوحيد في تحرير أراضيه، بينما لا يمتلك الطرفان الآخران أي مشروعية قانونية لدخول المدينة، وخاصة الأتراك الذين مهما حاولوا تزيين عملية دخولهم باعتبارها جزء من الحرب على الإرهاب، فإنهم أنفسهم أول من يعرف زيف هذا الادعاء الذي تدحضه كل يوم تصريحاتهم وسياساتهم. فمطامع تركيا في الشمال السوري، ليست جديدة، لكنها تظهّرت بشكل لا يقبل الشك منذ اندلاع شرارة الحريق السوري، والذي كان لأردوغان يد السبق في مدّه بكل أدوات الاشتعال.