بيئة طرطوس خارج التغطية .. والحراج تعمل ضمن الإمكانيات المتواضعة..؟! من يقطع شجرة”يقتل إنساناً” ..وغفلة الرقيب أضاعت الثروات..؟!

بيئة طرطوس خارج التغطية .. والحراج تعمل ضمن الإمكانيات المتواضعة..؟! من يقطع شجرة”يقتل إنساناً” ..وغفلة الرقيب أضاعت الثروات..؟!

أخبار سورية

الأحد، ٢٠ نوفمبر ٢٠١٦

مع بداية كل موسم شتوي تتكرر مشاهد قطع أشجار الغابات وحرقها والتعدي على الحراج بشكل ممنهج وصارخ وواضح، وثمة أشخاص امتهنوا ذلك العمل، فبدؤوا بتجارة الحطب في وضح النهار، وعلى مسمع ومرأى الجهات المعنية وسط تدخل خجول لها…! ومما لا شك فيه بأن للظروف الاستثنائية التي نمر بها دوراً في زيادة الضغط على المواقع الحراجية وتسوّل لبعض الطامعين بالسيطرة عليها، وبالتالي تعرض هذه الثروة إلى خطر كبير، شأنها شأن باقي الخسائر التي تعرضنا لها خلال سنوات الحرب التي نعيشها والتي نحتاج إلى عشرات السنين لتعويض خسائرنا المادية والبشرية والطبيعية… وهنا يبرز السؤال: ما دور البيئة والحراج في الحد من التعديات الحاصلة ..؟ وكيف تقوم بمهامها ؟ وهل من تعاون قائم للحفاظ على ما بقي من غاباتنا وحراجنا…؟.

تجارة الحطب
كامل مهنا رجل خمسيني من العمر من قرى ريف بانياس، شاهد عيان على مشاهد مسلسل قطع الغابات والأشجار وتدمير حراج الدولة بشكل ممنهج ويومي، حيث أكد بأن هناك مجموعة من الأشخاص الاستغلاليين، وهم تجار الحطب الذين يسعون وبشكل دائم للربح الفاحش، وكذلك أيضاً مجموعة من موظفي الزراعة، أو الجهات الأخرى التي لها نفس الصلة بهذا الموضوع، كما أن هناك مجموعة من المطلوبين للعدالة  يقومون بقطع كل ما يروق لهم من غابات غير آبهين لأحد لأنهم يهددون بالسلاح كل من يعترض طريقهم، حيث يقومون بحرق الغابات عند الضغط عليهم… وعزا كامل سعي الناس إلى القيام بهذا الأمر لعدم توزيع مادة محروقات التدفئة بما يتناسب، وتوزع المناطق الأكثر برودة مع المناطق الدافئة منذ القديم، وقلة فرص العمل في المجالات الأخرى، وكذلك ارتفاع أسعار المحروقات، فهناك العديد من المناطق تستهلك فيها الأسرة الواحدة شهرياً  40 ألف ليرة ثمن محروقات، ويكون راتبها الشهري أقل من ذلك إضافة إلى حاجة أصحاب المداجن بسبب عدم توفر مادة الفحم الحجري!..

ثراء على حساب البيئة
وحسب مصادر”البعث” فإن الكثير من الناس يسعون لقطع الأشجار بغرض التجارة في ظل الارتفاع الكبير للطن الواحد من الحطب والفحم، حيث يأخذ التاجر طن الحطب من الشخص الذي احتطبه بـ 30-35 ألف ليرة ليباع إلى الناس المحتاجة للمادة بـ 35-45 ألف ليرة، كما يجمع طن الفحم بـ350 ألف ليرة، ويباع  معلباً بحدود 500 ألف ليرة،  ما يعني أن كيلو الفحم بـ350 ليرة، ويباع بسعر 500 ليرة سورية محلياً أو إلى لبنان من قبل تجار امتهنوا هذه المهنة، وكلما زادت، وتعددت حلقات الوساطة كلما ارتفع السعر، فمثلاً وفي ريف منطقة الدريكيش تنشط تجارة الحطب على طريق ناحية دوير رسلان، كون المنطقة حدودية مع محافظة حماة، وتدخل إلى دوير رسلان العديد من السيارات التي تحمل على متنها أطناناً من الخشب المقطوع من أحراج مصياف، وما أن يسأل صاحب السيارة عن مصدر أخشابه، فسرعان ما يبرر أنها من خارج طرطوس، “وكأن مصياف دولة خارج سورية”، حسب شهود عيان متسائلين: أين الرقابة على تجار الخشب الذين أصبحوا من أصحاب العقارات والسيارات من وراء تلك التجارة ..؟ والبعض من الناس تنظر له نظرة إيجابية على اعتبار أنه يقدّم خدمة للمجتمع.

حراج القدموس .. أكبرها
لكن …أين تتركز الثروة الغابية في محافظة طرطوس، وما المساحة التي تحتلها بالنسبة لمساحة المحافظة ..؟ سؤال توجّهنا به إلى المهندس حسن ناصيف رئيس دائرة الحراج في زراعة طرطوس، فأجاب: تبلغ مساحة المحافظة 189,620 هكتاراً، تشغل الحراج منها مساحة 31,206 هكتاراً، أي 17% نجد أكبرها رقعة في منطقة القدموس تقريباً 40,8% من مجمل حراج المحافظة، وتشغل طرطوس المرتبة السادسة على مستوى القطر في انتشار المساحة الغابية، يشكل السنديان ومرافقاته الأخرى (بلوط-قطلب-العذر-البطم) أهم الأنواع الحراجية في مواقعنا، والأخشاب الصنوبرية الأكثر إنتاجاً في مواقعنا الحراجية الاصطناعية، وتعتبر غاباتنا غير منتجة، حيث لم تصل بعد إلى عمر الاستثمار الذي يسمح بإدخالها في خطط إنتاجية، ويبقى إنتاجها الآن منحصراً فيما يتم جمعه من حاصلات حراجية (صنوبر وكستناء…)، وما يتم إنتاجه من أحطاب وفحم، يتم بيعه للمواطنين ( أسر الشهداء والجرحى…) وبأسعار محددة تختلف باختلاف نوع الأحطاب.

20 مخفراً و114 عنصراً حراجياً
وأضاف ناصيف: لم يسجل لدينا ارتفاع في عملية الاحتطاب حتى الآن مقارنة بالعام الماضي، فقد بلغت حتى نهاية الشهر العاشر حوالي 360 ضبطاً، وتركزت معظم المخالفات في منطقة طرطوس، مبيّناً أن قانون الحراج حدد ضمن الفصل الخامس المواد: (132-13-14)، حيث يحق للأشخاص المقيمين داخل الحراج حق الانتفاع من الحراج المجاورة للقرية بقدر حاجاتهم الشخصية، وذلك ضمن إمكانية تحمّل الحراج، وبموجب رخص نظامية، ويتبع لدائرة الحراج عشرون مخفراً حراجياً، و 114 عنصراً حراجياً، تقوم بعملها بشكل كامل وفق الإمكانيات المتوفرة، حيث لدينا نقص في عدد عناصر الضابطة، والآليات الموضوعة تحت تصرفهم.

1300 شجرة مقطوعة
ورداً على سؤالنا حول عدد الأشجار المقطوعة على مستوى المحافظة حتى تاريخه؟ وما شروط منح الرخص للتحطيب؟ وإلى أي مدى يتم الالتزام بها؟!.. أجاب ناصيف: بلغ عدد الأشجار المقطوعة حوالي 1300 شجرة متنوعة، يتقدم المواطنون بطلبات رسمية مع الثبوتيات، وبعد كشف اللجان المختصة على الموقع، تمنح رخص قطع مصدات الرياح للمواطنين، ورخص التنظيف، أما بالنسبة للتحطيب ضمن أراضي الدولة فينحصر فقط بفرق التربية والتنمية العائدة لدائرة الحراج، حيث تتبع لمشروع التربية والتنمية خمس فرق حقلية مزودة بالآليات، والمعدات، والعناصر الجيدة، وقد زادت خطتها لهذا العام لتبلغ 1300 هكتار، وبالرغم من الظروف الصعبة المتمثّلة بصعوبة تأمين المحروقات بلغت المساحة المتدخل بها حتى تاريخه حوالي 900 هكتار.

أضرار بيئية
وحول الأضرار الاقتصادية والبيئية لهذه التعديات الجائرة، وكم سنة تحتاج لإعادة تأهيلها؟ وهل من تعويض لهذا الفقد الحاصل، وكيف؟.. بيّن رئيس دائرة الحراج أن القيمة الاقتصادية الناجمة عن عمليات القطع والتشويه تقدر بحوالي تسعة ملايين ليرة سورية، ونظراً لعدد الأشجار المقطوعة يمكننا جازمين تقدير عشرات السنين لإعادتها كما كانت عن طريق مشاريع التحريج الاصطناعي التي نقوم بها، أو التجدد الطبيعي لبعض الأنواع، كما في السنديان، وفيما يخص المحميات فهي دائماً محط اهتمامنا من خلال تطوير الكادر الفني المعني بها، وزيادة عدد الحراس في كل محمية، حيث نستعين بالعمالة الموسمية لتأمين ذلك، وأشار ناصيف إلى أنه لم يتم حتى الآن سن القوانين التي تشجع على دمج المجتمعات المحلية بعملية الإدارة المتكاملة للحراج، وسيتضمن القانون الجديد بعد صدوره تشكيل لجان أهلية.
وفيما يخص قرار منع تصدير الأخشاب، أوضح ناصيف بأن هذا القرار لايزال سارياً هذا العام، وهذا يخفف الضغط على حراجنا، ولكن السوق الداخلي أصبح مستوعباً كبيراً للأخشاب، وارتفاع الأسعار الحالي زاد من الضغط على المواقع الحراجية، وقد بلغ عدد الضبوط المنظمة لهذا العام حوالي 550 ضبطاً حتى تاريخه تشمل جميع المخالفات التي تتعرّض لها الحراج، ويعاقب كل من قام بقطع أو تشويه شجرة حراجية بعقوبة الحبس مدة شهرين، وبما لا يتجاوز ثلاث سنوات، وبغرامة تعادل مثلي قيمة الضرر الحاصل، وهي تعتبر من العقوبات الشديدة جداً.
وعن خطة الزراعة هذا العام لتأهيل المساحات الحراجية المعتدى عليها، أوضح ناصيف بأن تأهيل المساحات الحراجية يتم بشكل مستمر من خلال خطة التحريج والمشاتل، وتنفيذ قرارات نزع اليد من قبل العناصر المعنية بزراعة غراس حراجية متنوعة، وتبلغ خطة التحريج لهذا العام 67 هكتاراً، ولعناصرنا دور كبير في قمع هذه الظاهرة من خلال قانون الحراج، والضابطة الحراجية، لاسيما في المادتين 19و62.

البيئة تتجاهل الرد!
والجدير ذكره أن “البعث” كانت حاضرة في مديرية البيئة لمعرفة الدور الذي تقوم به، تكاملاً مع دور الحراج في حماية بيئتنا من التعديات التي تتعرّض لها، لكن وبعد وضع الطلب في البيئة، واتصالات، أفادنا رئيس دائرة التنوع الحيوي، المهندس محمود صالح بأنه يتوجب علينا الحصول على موافقة وزارة الإدارة المحلية والبيئة، بيئة طرطوس بعد الموافقة عليه، وهنا نستهجن!.. ليس من صلاحية مديرية البيئة الرد وتوضيح أسئلة الصحفي، كما لا يدخل في صلاحيتها إرسال كتاب الصحفي لدمشق، إذاً ما مهامها: “الاستمتاع بمنظر البيئة المشوّه”؟!.

في الختام
علاوة على كون الغابات ثروة بيئية كبيرة يفترض بذل الجهود للحفاظ عليها باعتبارها رئة المدينة، ومصدراً حيوياً اقتصادياً هاماً، نقترح تعديل قانون الحراج بما يضمن التناوب على مدار الساعة، وضرورة تحديد مراكز بيع من قبل الدولة، وذلك بتأمين المادة من خلال موسم التقليم السنوي للحراج، على أن تتوزع هذه المراكز على أوسع نطاق جغرافي ممكن، ومقاطعة الناس للتجار، وشراء الحطب من المزارعين، وبما أن هؤلاء التجار لا ينفع معهم نشر التوعية، ما على الجهات المعنية سوى تكثيف جولاتها الرقابية على الحراج، والطرقات المحيطة بها، ولاسيما وقت الغروب، وإنشاء محكمة حراجية مستقلة للتسريع في البت بقضايا التعديات بكافة أشكالها، على أن تكون الأحكام رادعة، وإصدار قوانين صارمة في هذا المجال، و”تطبيقها”.

دارين محمود حسن