الموصل وحلب ساحات اختبار.. فمن سيكسب الحرب؟..

الموصل وحلب ساحات اختبار.. فمن سيكسب الحرب؟..

أخبار سورية

السبت، ٢٢ أكتوبر ٢٠١٦

ما دفع بالبنتاغون لإجهاض اتفاق الهدنة مع الروسي في سورية والتلويح بخيار استهداف البنى التحتية العسكرية ومواقع الجيش العربي السوري هو تعطيل الحسم في حلب كي لا يتحول الروسي إلى بطل عالمي في محاربة الإرهاب فينزع الريادة من الأمريكي الذي بنى استراتيجياته العدوانية في المنطقة والعالم على أكذوبة مكافحة الإرهاب لبسط نفوذه ونشر قيمه الليبرالية المتوحشة على الشعوب المستضعفة.

وباعتراف قادة البنتاغون هذا الأسبوع، فإن أوباما استبعد الخيار العسكري ضد الجيش العربي السوري بمجرد أن وضعت على مكتبه تقارير تقول أن الصدام مع روسيا وارد، وأن القوات الأمريكية لا تعرف كيف تتعامل مع منظومة (إس 300) المرعبة التي تغطي كل الفضاء السوري وجزء من الفضاء العراقي والتركي والإسرائيلي والأردني، وأن الخسائر ستكون كارثية بما لا يمكن السكوت عنه، ما سيجبر القيادة السياسية على اتخاذ قرار التصعيد والمواجهة لتحل الكارثة، خصوصا وأن موسكو حشدت في السواحل السورية أكبر أسطول حربي لم يشهد العالم مثيلا له منذ الحرب الباردة، وهذا ما لا يرغب فيه الرئيس المنتهية ولايته، والذي كان يريدها حربا خاطفة لخمسة أيام فقط دون أن تؤدي إلى صدام مع الروسي، وذلك بهدف تعطيل الحسم مع الإرهاب في حلب ومنع الجيش العربي السوري وحلفائه من تحرير دير الزور والباب والتوجه نحو الرقة.

قرار أوباما باستبعاد الخيار العسكري أدى بالنتيجة إلى فشل اجتماع لوزان و لندن وسيؤدي إلى فشل اجتماع بروكسل وباريس وكل الاجتماعات التي ستعقد بشأن الأزمة السورية والعراقية أيضا، والتي لا هدف لها سوى الضغط على الروسي لإجهاض عملية تحرير حلب التي سماها الرئيس الفرنسي المنافق بالمدينة “الشهيدة” وهدد اليوم من بروكسل بفرض عقوبات قاسية على روسية في حال لم توقف القصف على المدينة وتضغط على الرئيس الروسي للعودة إلى مسار المفاوضات العبثية في جنيف.

*** / ***

لكن لماذا هذا الإصرار على استهداف الجيش العربي السوري الذي أثبتت الوقائع أنه وحلفاءه هم من يحاربون الإرهاب على الأرض بنجاعة أثارت إعجاب العالم وكشفت زيف الخطاب الأمريكي؟..

ولماذا كل هذا البكاء والنحيب والعويل الغربي على الوضع الإنساني في حلب الشرقية بدل التركيز على سحق “جبهة النصرة” وأخواتها المتسببين الحقيقيين في هذا الوضع بدعم إقليمي ودولي أصبح مكشوفا وموثقا بأكثر من حجة ودليل؟.. وها هو المرشح ترامب على سبيل المثال لا الحصر، يتهم كلينتون اليوم بأنها هي المسؤولة عن المأساة التي يعيشها السكان في حلب بسبب سياساتها الخاطئة الداعمة للإرهاب في سورية والعراق.

وهل يمكن إنقاذ المدنيين الأبرياء من دون محاربة الإرهابيين كما قال الرئيس الأسد؟.. خصوصا وأن مهمة الدولة الأساس وفق مقتضيات الدستور هي حفظ الأمن وضمان الاستقرار للمواطنين..

وإذا كانت أمريكا فعلا مهتمة بمحاربة الإرهاب في سورية، فلماذا لم تلتزم بتعهداتها للروسي بعزل “جبهة النصرة” والفصائل التكفيرية التي تقاتل معها عن من تسميهم بـ”المعارضة المعتدلة”؟..

السر يكمن في السباق القائم اليوم على قدم وساق بين واشنطن وموسكو حول من يكسب الحرب على الإرهاب قبل الآخر.. أمريكا وحلفائها في الموصل أم روسيا وحلفائها في حلب؟.. وهي الحرب التي تستعمل فيها كل الأسلحة المشروعة والمحرمة بما فيها الكذب والتضليل والتحريض والاتهام المغرض بارتكاب جرائم حرب وخلافه.. لكن لماذا؟..

ما من حرب إلا وتنتج عنها “أضرار جانبية” بالضرورة، وهو ما يسمى في العلم العسكري بـ (Dommages collatéraux)، وكثيرا ما لجأت لاستعمال مثال واقعي عندما كنت أواجه في أوروبا بسؤال “الضحايا المدنيين”، فأقول، لو أنك كنت مسؤولا على قرية من 10 آلاف نسمة، وظهرت بها أولى حالات مرض بسبب فيروس فتاك ومعدي ينتشر بسرعة ويهدد بإصابة جميع السكان وإبادتهم عن بكرة أبيهم، وبالتالي، هذا الواقع سيجعلك أمام خياريان لا ثالث لهما، إما أن تقرر تلقيح جميع السكان بسرعة مع علمك أن الأعراض الجانبية للقاح قد تتسبب في موت 10 % من السكان (أي ألف نسمة) لكنك ستنقد 9 آلاف نسمة، أو تقرر أن لا تلقح لكي لا تضحي بهذا العدد النسبي، وحينها ستكون مسؤولا عن موت 10 ألف نسمة.. فماذا ستفعل؟..

الأمر لا يحتاج إلى تفكير، وهكذا هي القرارات في مجال الحروب وخصوصا في مواجهة الإرهاب الذي هو أخطر على البشرية من أي فيروس معد لأنه شر مطلق لا علاج له سوى الاستئصال.. من هنا تفهم الحملة الأمريكية والغربية المسعورة على روسيا واتهامها بارتكاب جرائم حرب في حلب متناسية جرائمها الحقيقية في أكثر من مكان على امتداد عمر غطرستها في العالم.

لكن الحقيقة هي شيء آخر مختلف تماما، لأنه بالنسبة لأمريكا، تعتبر معركة تحرير الموصل مصيرية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، فعلى نتائجها يتوقف مستقبل إمبراطورية روما المتداعية وليس الانتخابات الرئاسية التي لا تعدو كونها هدفا مرحليا بسيطا أسقطته روسيا بمجرد أن وضعت قواتها في حالة استنفار قصوى بمعية القوات السورية لاستهداف قوافل “داعش” في حال مغادرتهم الموصل نحو الشمال الشرقي السوري، كي لا تكون معركة تحرير المدينة مجرد مسرحية تحريك وهمية كما أرادتها أمريكا لخداع العالم، وتحويلها إلى معركة حياة أو موت بالنسبة لـ”داعش”، الأمر الذي سيطيل عمر المعركة ولن تنتهي بالسهولة والسرعة التي تم التخطيط لها، بموازاة التركيز على تحرير ما تبقى من أحياء حلب الشرقية بحملة عسكرية ساحقة ماحقة تحضر لها روسيا خلال أسبوع، والتوجه نحو دير الزور والباب والرقة لإسقاط عاصمة “الدواعش” في سورية قبل أن تنتهي معركة الموصل التي لم تبدأ بعد ولا يزال التقدم السريع يتم على مستوى شعاع المدينة من خلال اجتياح القرى الصغيرة التي تخلى عنها التنظيم ليركز دفاعاته في وسط المدينة العراقية الكبيرة.

وهو ما دفع بـ “السعودية” لأن تعلن على لسان وزيرها في الخارجية عادل الجبير أنها ستزود “المعارضة المعتدلة” بالأسلحة النوعية، في إشارة دالة بالعودة إلى خيار تحويل سورية إلى أفغانستان ثانية بالنسبة لروسيا، متناسية ما يحدث في اليمن وكيف أن روسيا وإيران ومصر دخلوا على خط تسليح أنصار الله بشكل ذكي أصاب ‘آل سعود’ بالرعب حين اكتشفوا اللعبة..

وها هو ممثل روسيا في مجلس الأمن يعلن أمس أن موسكو سترفع الفيتو في وجه المشروع البريطاني لوقف الحرب في اليمن، بعد أن أجهض الغرب مشروع موسكو لوقف العدوان الإرهابي على سورية، في رسالة تقول أن دخول الحمام ليس مثل الخروج منه، وأن من سيغرق في مستنقع اليمن هي “السعودية” وليست روسيا في سورية.

*** / ***

ونعود لمعركة الموصل ونقول، أن الأمر يكتسي أهمية قصوى تتجاوز مسألة الأمن القومي الأمريكي، لتمس سمعة الولايات المتحدة في المنطقة التي تعرضت لنكسة غير مسبوقة بسبب فشلها في إسقاط سورية، وهي القوة العظمى التي لا يمكن أن تعجز عن فعل شيء إذا أرادته وفق ما تعتقد الأدوات في المنطقة، هذا مع أن أوباما اعترف بعجز بلاده وفشلها في سورية حين قال بمرارة: “سورية شّيبتني”.. ومع ذلك لم يفهم الأغبياء الذين يفكرون بمنطق الدواب أبعاد تصريحه الكاشف هذا، ولا يزالون يراهنون على الوهم.

وما تفعله أمريكا في الموصل اليوم، يمثل رؤية المحافظين الجدد الذين نصبوا أمريكا زعيمة الكون برغم أنف العالم، باعتبارها صانعة الكيانات والمسؤولة عنها، وقائدة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، وبالتالي، لا يمكنها التسليم للروسي بالانتصار في سورية في ما هي تهزم في العراق، هذا سيكون له تداعيات جيوسياسية وجيواستراتيجية كبيرة وخطيرة، أقلها فقدان الحلفاء الأوروبيين للثقة بها وتحول الأدوات الإقليمية نحو روسيا الصاعدة، وهذا ما بدأ يبرز بشكل لافت ومقلق في موقف مصر المتحول، والتي تشكل عودتها للعب دورها القيادي القديم بمعية سورية والعراق وبالتعاون مع إيران وتركيا نقطة تحول كبرى في تاريخ المنطقة سيغير وجه الشرق الأوسط القديم إلى الأبد وسينهي الهيمنة الأمريكية والاستعمار المقنع ويطيح بالأنظمة الخليجية العميلة التي تدور في فلكه، وسيجعل إمبراطورية روما الجديدة تنزوي في جغرافيتها لتنقذ ما يمكن إنقاذه نتيجة تداعيات تدخلات الخارجية غير المشروعة على الداخل الأمريكي نفسه.

وهذا ما أكده ساسة وخبراء أمريكيون مقربون من دوائر القرار بواشنطن حين كشفوا للإعلام هذا الأسبوع، أن نتيجة الحرب على الإٍهاب في الموصل تتجاوز مسألة مصير هذا البلد إن كان سيظل موحدا أم سيتم تقسيمه بعد تحرير المدينة التي لها رمزية خاصة في الذاكرة الغربية صنعها الإعلام حين صور “داعش” كـ”دولة إسلامية” ومكنها من إعلان الموصل عاصمة “الخلافة السنية” التي كان يفترض أن تشكل القوة الموازية القادرة على إسقاط محور المقاومة ووضع حد للنفوذ الإيراني في المنطقة.

وبهذا المعنى، فبالنسبة للأمريكي الذي تخلى عن خيار الحروب المباشرة التي كادت تطيح بالإمبراطورية بسبب تداعياتها الكارثية السياسية والاقتصادية وغيرها… تشكل معركة الموصل اليوم أنموذجا جديدا للحرب على الإرهاب من خلال استراتيجية “الإدارة من الخلف” و”القيادة على الأرض” معا، بعدد قليل من الخبراء والمستشارين العسكريين، والانتصار في هذه المعركة المحورية وفق هذه الاستراتيجية الجديدة سيخلف تأثيرا كبيرا في المنطقة والعالم، يعيد لإمبراطورية روما المتداعية سمعتها ومكانتها واحترامها كدولة عظمى بلا منافس ولا منازع، أما العكس، فلا يمكن تصور نتائجه في حال وصلت الصهيونية كلينتون إلى سدة الرئاسة وهي الداعمة لخيار التدخلات الخارجية وصنع العالم على مقاس أمريكا، بعكس ترامب الذي يؤيد رؤية الانكفاء للداخل والانتهاء من لعب دور شرطي العالم المكلف والمستحيل في ظل صعود قوى جديدة في أكثر من منطقة.

*** / ***

أما تلويح أردوغان بورقة مراجعة اتفاقية لوزان لعام 1923 بشأن الموصل، فالتصريح لا يعدو كونه تصعيدا سياسيا في وجه أمريكا وأوروبا لا العراق، لأن اتفاقية لوزان لا تشمل العراق فحسب بل كل دول المنطقة، ومن وجهة نظر القانون الدولي لا يمكن تعديلها إلا إذا كان ذلك على أساس اتفاق جامعي أو ثنائي بين الدول المعنية، ولا يمكن المساس بها من طرف واحد، هذا مستحيل.

لكن ما أراد قوله أردوغان في هذا الصدد، هو أن بلاده ليست لها أطماع جغرافية لا في سورية ولا في العراق وفق ما أكد وزير خارجيتها، لكنها لن تسمح في ظل الفوضى القائمة وسقوط مظلة الشرعية الأممية والقانون الدولي بأن يتم العبث بخرائط المنطقة من أجل سايكس وبيكو جديد على مقاس الغرب يقيم دولة كردية تهدد أمنها القومي وكيانات طائفية ومذهبية كمقدمة لتقسيم تركيا بالمحصلة، وبالتالي، تركيا ستجد نفسها مضطرة في ظل الفوضى العارمة التي تضرب المنطقة لضم الموصل الذي انتزع منها غصبا بعد الحرب العالمية الأولى وسقوط “الخلافة” لحماية أمنها القومي، ودخولها إلى الشمال السوري بالتوافق مع الروسي والإيراني كان لإجهاض هذا المشروع تحديدا، لكن توسعها في الشمال السوري وحديثها عن منطقة عازلة لم يكن متفق عليه، وقد هددت سورية اليوم بقصف أي طائرة تركيا تخرق مجالها الجوي، ما يؤشر أن شيئا لم يعجب دمشق في التصرف التركي.

وعلى هذا الأساس، فرسالة أردوغان هي في حقيقة الأمر رسالة سياسية موجهة لأمريكا على وجه الخصوص، ومفادها أنه إذا كان من حق واشنطن تغيير خرائط المنطقة دون اعتبار لشرعة أو قانون، فمن حق تركيا أن تتصرف وفق ما يضمن أمنها القومي ولا ينعكس مستقبلا على نسيجها المجتمعي المرشح للانفجار بسبب تداعيات تقسيم العراق وسورية.. وكل تأويل لتصريح أردوغان من خارج هذا السياق السياسي البحث هو في غير محله، بغض النظر من موقفنا المبدئي، الأخلاقي والعاطفي من أردوغان بسبب الجرائم التي ارتكبها في حق دول وشعوب المنطقة..

نحن نتحدث هنا من وجهة نظر سياسية فقط، ولا يعني ذلك أننا نثق بأردوغان، لكننا نثق بروسيا حين تقول أنها ملتزمة بالدفاع عن أمن سورية وضمان سيادتها على كامل أراضيها، وهذا يكفينا، أما مسألة العراق فأمر متروك لإيران تعالجه بمعرفتها ما دام العراق رفض اقتراح المساعدة في محاربة الإرهاب الذي عرضه السيد بوتين على السيد العبادي، وبالتالي على العراق مواجهة تركيا بالطريقة التي يراها ناجعة في حال ثبت أن لتركيا فعلا أطماعا جغرافية في الموصل.

*** / ***

أما روسيا، فلا يعنيها هذا النوع من المنافسة العبثية مع واشنطن، وهي التي عملت كل ما في وسعها للتعاون معها من أجل محاربة الإرهاب، لأن هدف موسكو هو القضاء على هذا الشر الذي يتهدد المنطقة والعالم بما في ذلك روسيا ومحيطها الجيوسياسي بسبب استثمار أمريكا فيه لتحقيق أهدافها الخبيثة.

لكن، ولأن واشنطن ترفض التعاون مع موسكو في هذا الإطار، ولا تعتبرها شريكا في حل الأزمات الإقليمية والدولية بل عدوا على رأس قائمة الأعداء في العالم بمعية الصين وكوريا الشمالية وإيران ومحورها بشكل صمني، وتسعى لاستنزافها وإفشالها في سورية لتقويض سمعتها وحرمانها من عمقها الطبيعي بمحاصرتها في خاصرتها الجيوسياسية ومحاولة استنزافها بالحصار الاقتصادي وانهاكها بالتصعيد الأمني والعسكري.. فلا مناص من أن تدافع روسيا عن أمنها ومصالحها في مواجهة مخططات أمريكا وأوروبا حتى لو أدى الأمر إلى صدام عسكري لا تريده موسكو لكنها مستعدة له إذا فرض عليها.

يقول رئيس الأركان الروسي ‘فاليري غيراسيموف’ بشأن معركة الموصل، أن ما يهمنا بالنسبة لتحرير الموصل العراقية هو توفير ممر آمن لخروج المدنيين وآخر لخروج المسلحين من المدينة قبل أن تبدأ قوات التحالف عملياتها العسكرية في المدينة، لأن موسكو حريصة على حياة المدنيين الأبرياء ولا يمكن أن تسكت على جرائم الحرب التي قد ترتكب في الموصل.

ويضيف الرجل وهو يرد الصاع صاعين لأمريكا والغرب بعد اتهامهم لروسيا بارتكاب جرائم حرب في حلب، إننا “نركز اهتمامنا على محاولات من الممكن أن يبذلها المسلحون للخروج من الموصل أو مغادرة المدينة إلى سوريا بتسهيلات من قوات التحالف”.. في إشارة إلى معلومات صدرت عن مصادر عسكرية ودبلوماسية روسية كشفت عن مخطط أمريكي – “سعودي” تقوم بموجبه مخابرات البلدين بتوفير ممر آمن لخروج عشرات آلاف الإرهابيين من مدينة الموصل العراقية نحو شمال شرق سورية ليهاجموا القوات الحكومية السورية التي تحاصر المسلحين في تدمر ودير الزور.

وبالتالي، هدف روسيا وسورية هو منع حصول هذا الأمر، وهو ما سيجعل من عملية تحرير الموصل تتحول من مسرحية تحريك إلى حرب وجودية حقيقية سترغم الدواعش على القتال حتى الموت بعد أن لن يعود لهم من منفذ يهربون إليه، الأمر الذي دفع بعواصم الغرب للقول أن معركة الموصل قد تكون طويلة ولن تنتهي قبل عدة أشهر، خصوصا بعد دخول التركي على خط الصراع في الموصل ما زاد الطين بلة، لأنه لن يكون بمقدور واشنطن و”السعودية” نقل الدواعش إلى تركيا لما يمثلونه من خطر جسيم على أمنها القومي، ومن هنا يفهم قول رئيس الوزراء العراقي أن الإرهابيين وفق معلومات مؤكدة يفضلون التوجه إلى دول الخليج وأولها مملكة الشر والإرهاب التي فرختهم ليقيموا خلافتهم الوهمية هناك.

وفي انتظار أن تنتهي معركة الموصل ستكون روسيا وسورية وحلفائهما قد انتصروا في معركة حلب ودير الزور والرقة، وستصبح بذلك روسيا القوة العظمى الجادة في محاربة الإرهاب باعتراف العالم، وستضطر دول إقليمية عديدة لتغيير تحالفاتها والتوجه نحو الروسي، لتفقد واشنطن دورها وسمعتها ومكانتها في المنطقة وتنتهي كإمبراطورية متداعية، وهذه هي سنة التاريخ.

ولن يكون بمقدور واشنطن تغيير هذا الواقع إلا بحرب عالمية لن يوافق عليها الشعب الأمريكي ولا الشعوب الغربية، وبالتالي، لا مستقبل لأمريكا في هذا العالم الجديد سوى بالانكفاء نحو الداخل والاهتمام بأوضاع مواطنيها والكف عن لعب دور شرطي العالم والقائد المسؤول عن حل أزماته وصنع كياناته وتصدير القيم الأمريكية الليبرالية الفاسدة إلى الشعوب المستضعفة تحت يافطة الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان، وهي تدعم جهارا نهارا أنظمة قروسطية مستبدة وفاسدة لا تعرف للحرية معنى ولا للديموقراطية نموذجا ولا تحترم حقوق وكرامة مواطنيها فأحرى أن تدافع عنها في دول الجوار.

لقد أرادت أمريكا أن تصنع العالم على مقاسها فعرضت إمبراطوريتها للانهيار.. والمسألة مسألة وقت ليس إلا.. وسيذكر التاريخ أن الانتكاسة كانت في سورية، تماما كما كانت الهزيمة في ‘واترلو’ بالنسبة للإمبراطورية الفرنسية زمن نابليون..

هكذا تكلم التاريخ، فأنصتوا له يرحمكم الله.