لمن سيفتح “باب” سورية.. بقلم: فادي عيد

لمن سيفتح “باب” سورية.. بقلم: فادي عيد

أخبار سورية

الخميس، ٢٠ أكتوبر ٢٠١٦

مع اطلاق عملية “درع الفرات” من قبل الجيش التركي بدأت اهداف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه سوريا فى التطبيق العملي على أرض الواقع، فبعد عامين من تقديم مقترحات أنقرة بأقامة ما يسمى بمنطقة عازلة أو منطقة أمنة على حدودها مع سوريا، أخيرا تحقق حلم أردوغان وتوغل الجيش التركي خلف الجيش الحر ومليشيات الاستخبارات التركية بسوريا كلواء السلطان مراد وحركة نور الدين زنكي وألوية التركمان وغيرها، حتى أن تم تطهير الخط الحدودي الموازي من عناصر تنظيم داعش كما صرحت الرئاسة التركية او بالاحرى من الاكراد كما يقول الواقع، والى هنا ولم يتوقف تقدم القوات التركية، بل تم تعزيزها بمزيد من جنود القوات الخاصة والمشاه والمدفعية والمدرعات كي تتقدم لما هو أبعد من ذلك، وهنا يتضح للجميع أن عملية “درع الفرات” لم تكن لمجرد ضمان عدم خلل الامن بالشريط الحدود الموازي بسوريا فقط، فبعد تثبيت الجيش التركي قدمه بجرابلس توجه نحو بلدة الراعي والان بات الجيش التركي يطرق ابواب مدينة “الباب” بعد ان أصبحت عيون انقرة تصوب نحو المدينة وهنا يجب أن ننظر بعمق لاهمية مدينة “الباب” الاستراتيجية، وحجم الصراع عليها من كافة الاطراف المتصارعة بالحلبة السورية، ومعرفة دوافع كل طرف منهم، واهمية تلك النقطة المحورية لديهم، ودعونا نبدأ الشرح.
بداية تقع مدينة “الباب” شمال سوريا بمحافظة حلب، وتعد أحد المدن التاريخية بسوريا فهي ترجع للحقبة الرومانية، كما ذكرها العديد من الرحالة والمؤرخين العرب كالرحالة أبن جبير فى كتابه “رحلة ابن جبير”، والمؤرخ ياقوت الحموي فى معجم البلدان، وفى العام السادس عشر من الهجرة فى زمن خلافة عمرو بن الخطاب رضي الله عنه فتحت على يد حبيب بن مسلمة الفهري، وتقسم مدينة الباب لخمسة مناطق رئيسية وهي البلدة القديمة، والمنطقة الشمالية، والمنطقة الغربية، المنطقة الشرقية، والمنطقة الجنوبية، ويفوق تعداد سكانها 400 الف نسمة، ويغلب على مدينة “الباب” الزراعة وتربية المواشي، كما  أنها تعد المورد الاول من منتجات الالبان لكافة المحافظات السورية.
اما المتنازعون عليها، واهميتها لديهم، ودوافعهم للسيطرة عليها فهم كالاتي :
أولا التنظيمات الكردية
كون أن الاكراد طرف فى النزاع على معركة مدينة “الباب” فهذا وحده كفيل ان يضفى أهمية خاصة لدى تركيا تجاه مدينة “الباب” بحكم طبيعة العلاقة الطردية بين اردوغان والاكراد، ولكون الاكراد هم العدو الاول والاخطر على قصر يلدز، وتمثل مدينة “الباب” لدى التنظيمات الكردية أهمية محورية وعسكرية خاصة، فهى الحلقة الاساسية التى تمكن الاكراد من ربط نقاط تمركزهم بشرق نهر الفرات ومدينة عفرين، وكي تظل شوكة الاكراد بشمال سوريا بقوة.
ثانيا تنظيم داعش
وهو التنظيم المسيطر على مدينة “الباب” وتمثل له الثقل الاساسي بشمال سوريا، وقاعدة انطلاق تمنحه الافضلية على الارض امام باقي المتصارعين بالميدان السوري، فهي نقطة ارتكاز بين معسكرات داعش الثلاثة حول مدينة “الباب”، وان فقدها داعش باتت تلك المعسكرات فى مهب الريح، كما ان “الباب” على بعد 35كم من قرية دابق الواقعة بمنطقة اعزاز والتى ينتظر فيها الدواعش الملحمة الكبرى (الملحمة التى باتت ملامحها تتضح على وجه بوتين واشتون كارتر) ولذلك ذكرنا كثيرا فى السابق ان اهمية “الباب” لدى الدواعش لا تقل اهمية عن مدينة منبج التى استمات فيها عناصر تنظيم داعش الارهابي شهرين ونصف تقريبا، فهي اهم قلاع داعش، وتضمن له دوام الاتصال بين مناطق سيطرة التنظيم فى حلب ودير الزور والرقة.
ثالثا الجيش السوري الحر
الجيش السوري الحر (الذراع التركي الاخواني بالميدان السوري) وهو الذى يسعى بكل قوة للتوجه نحو الباب بعد أن اعد الخطة والافراد المقاتلين وكل شئ ماعدا ساعة الصفر للهجوم على “الباب”، فأمر مثل ذلك سيتطلب من تركيا ان تأخذ موافقة صريحة من موسكو وضوء اخضر من واشنطن ومغامرة عسكرية من قبل قيادات اركان الجيش التركي.
وفى حال ان سيطر الجيش السوري الحر على مدينة “الباب” ستغلق اكبر نافذة قلق لتركيا تجاه الشريط الحدودي، وضمان حرية تحرك تركيا به، وكذلك عدم تهديد المناطق المجاورة للباب التى هى تحت سيطرة الجيش الحر.
رابعا الجيش العربي السوري
فى ظل خوض الجيش السوري معارك بالجملة بأغلب اطراف حلب ضد الفصائل والتنظيمات المسلحة وضد القوات الامريكية التى تعمدت ضرب مواقع تمركزه بدير الزور كي تظل دير الزور ملاذ أمن لتنظيم داعش (فى ظل استراتيجية واشنطن تجاه تنظيم داعش التى تتجلى فى سوريا وسرت الليبية بأبقاء داعش على قيد الحياة وعدم التخلص منه نهائيا، والعمل على انتقال تنظيم داعش لمرحلة جديدة بمواقع جغرافية جديدة)، بجانب تعرض الجيش السوري للعديد من الغارات الاسرائيلية بالجنوب وتحديدا بالقنيطرة، تمثل مدينة “الباب” للجيش السوري فى حال استعادتها ضربة قاصمة لكل الاطراف المتصارعة ضده بالميدان سواء تنظيم داعش او الاكراد او تركيا والجيش الحر، فهى ستكون بمثابة ضرب ثلاث عصافير بحجر واحد.
ولكن هل الجيش السوري الان يمتلك ذلك الحجر؟ والاهم هل من الذكاء الاستراتيجي والدهاء العسكري التصارع على رقعة لو تغلبت بها على طرف سيتبقى لى طرفين اكثر قوة لمواجهتهم فى ظل حالة استنزاف وانهاك يعيشها الجيش السوري، ام التمهل والانتظار لما ستنتهي عليه تلك الجولة الحالية لعل من الممكن مواجهة عدو واحد نهاية المطاف بدلا من مواجهة الثلاث خصوم بالتوالي، فقد يكون ذلك الفكر الاقرب لعقل الجيش السوري حاليا.
ففي كل الحالات أمر “الباب” لن يحسم بسرعة وبسهولة سيكون غالى التضحية والتكلفة، فالباب سيفتح شمال سوريا على مرحلة جديدة الكل يتسابق نحوه كي يكون هو اول العابرين من ذلك الباب.
حقيقة الامر ان باب سوريا الكبير أصبح مفتوح لكافة المتصارعين بأقليم الشرق الاوسط سواء كان شكل ذلك الصراع سياسي أو اقتصادي أو عسكري، سواء كان بين الاقطاب الدولية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمانيا وايطاليا بعد أن انهت واشنطن استعدادت فريقها بالقارة العجوز او الفريق الخصم روسيا والصين، او الاطراف الاقليمية كتركيا وايران والسعودية وقطر، وقريبا سنشرح كيف تجمعت كل عوامل الصراع والتنافس بين الاقطاب العالمية والدول المحورية بالاقليم فى التلاقي والتصارع على الارض السورية، فساذج من يرى الحرب السورية معركة بين جيش نظامى ومعارضة، فلم يأتى لسوريا مئات الالاف من الجهاديين والتكفريين من شتى بقاع الارض رغبة منهم فى الديمقراطية وهم لا يؤمنون بها من الاساس، كما بكل تأكيد لم يأتو من اجل سواد عيون المعارضة السورية، كما أن البوارج والسفن الحربية المتواجدة بشرق البحر المتوسط الان واتت من مختلف الدول المتصارعة وتحمل صواريخ تكفي لتدمير كوكب بحجم كوكبنا خمسة مرات لم تأتى من اجل ازاحة بشار من عدمه.
وأن كنا ننتظر معرفة من سيفتح له “الباب”، باب الشمال، باب حلب، أي مدينة “الباب “التى تعد عنوان المرحلة الثالثة من عملية درع الفرات بعد المرحلة الاولى بالسيطرة على جرابلس ثم المرحلة الثانية التى جائت بعنوان بلدة الراعي ونواحي جرابلس والغندورة، بعد أن تم فصل تنظيم داعش كليا عن الحدود التركية، خاصة وان الموصل تنتظر ما ستسفر عنه معركة الباب أن لم تسبق هي الباب، فلا ننسى أن اردوغان يرى امن شرق تركيا يرتبط بخطين هم حلب والموصل، كمان أن تلميح اردوغان بأهمية التواجد بالموصل لم يكن من فراغ، كما أن معسكر بعشيقة بات ينتظر مهام ودور جديد وتعزيز بشكل مباشر بعد ان اعطت أنقرة له الضوء الاخضر، وهو الامر الذى تجلى بأول أكتوبر الجاري بعد اقرار البرلمان التركي بتمديد مهمة القوات التركية في العراق وسوريا لمدة عام إضافي، بعد أن تقدمت حكومة حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم بتركيا) في 20سبتمبر الماضي بمذكرة طلب فيها الموافقة على تمديد التفويض الذي منح للجيش لتنفيذ عمليات عسكرية في سوريا والعراق لمدة عام آخر، وهو الامر الذى جعل مجلس النواب العراقي يعلن رفضه للتدخلات التركية فى العراق حتى تم استدعاء السفير التركي لدى بغداد لتسليمه مذكرة احتجاج على القرار، قبل ان يتطور الامر الى تراشق حاد بين أنقرة وبغداد بعد أن وجه أردوغان تصريحات نارية تجاه العبادي قائلا “أنت لست ندّا لي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهمًا بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء وعليك أن تعلم ذلك وأن تلزم حدك أولا”، وهو التصريح الذى جعل الموصل العراقية على نفس النيران الساخنة التى باتت عليها مدينة الباب السورية، كما ان مرحلة المواجهات المباشر التى تحدثنا عنها بأستفاضة منذ عام ونصف ويبدأ تقويمها مع نهاية فترة اوباما باتت الان ادلتها ملموسة.
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط
رأي اليوم