معركة حماه: «داعش» جديد يولد في وسط سورية

معركة حماه: «داعش» جديد يولد في وسط سورية

أخبار سورية

الثلاثاء، ٢٧ سبتمبر ٢٠١٦

المعركة الجارية في محافظة حماه وفي ريفها الشمالي تحديداً، ليست معركةً عادية. هي إيذان بولادة «داعش» جديد، ولكن هذه المرة وسط البلاد، وليس في أطرافها الشمالية أو الشرقية. وفيما تتصاعد الخلافات بين الأطراف الإقليمية والدولية من أجل فرض توازنات عسكرية وسياسية تحفظُ مصالحها على جبهة حلب ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى في الحرب السورية، فإن ما يقوم به «جندُ الأقصى» في حماه يهدد بقلب جميع هذه التوازنات وإعادة الساحة السورية إلى نقطة الصفر في ما لو نجح في اختراق خطوط الدفاع عن مركز المدينة، وذلك بسبب موقعها الجغرافي المتميز وسط البلاد وكونها عقدة مواصلات هامة تمرّ عبرها خطوط إمداد رئيسية للجيش السوري، وكذلك انفتاحها على عدد كبير من باقي المحافظات، لا سيما المحافظات الساحلية.
وتشبه معركة حماه معركة الرقة في العام 2013، عندما انخدعت الفصائل المسلحة بالسيطرة عليها، وظنّت أنها «حررت» أول مركز محافظة سيكون بإمكانها اتخاذه عاصمةً «لثورتها» والانطلاق منها للسيطرة على كامل الجغرافية السورية، متوجةً ذلك بإسقاط النظام الحاكم في دمشق، لكن سرعان ما أصبحت الرقة، وبعد أشهر قليلة فقط، عاصمةً لتنظيم «داعش».
وكما تغاضت الفصائل سابقا عن مشاركة «جبهة النصرة» (التي كان «داعش» ما زال كامناً في أحشائها) بمعركة الرقة، ها هي تتغاضى اليوم عن مشاركة «جند الأقصى» بمعركة حماه، متبعةًّ الأسلوب القديم الجديد ذاته في تزوير الحقائق ونسبة التقدم الميداني على الأرض لفصائل «الجيش الحر»، معتقدةً أن عدم ذكر اسم «جند الأقصى» سيكون كافياً لتجيير مكاسب التقدم لمصلحتها. وكأن هذه الفصائل لم تتعلم من درس الرقة، وكيف تمّ استغلالها من قبل «جبهة النصرة» التي اتخذتها مطيّة للسيطرة على المدينة، ثم أصدرت بعد ساعات قليلة قراراً يمنع رفع راية «الجيش الحر» على مداخلها أو في ساحاتها، وذلك قبل أن يُكشّر «داعش» عن أنيابه ويقوم بمطاردة هذه الفصائل حتى طردها جميعاً من المحافظة التي اتخذها معقلاً أساسياً له انطلق منه نحو دير الزور، ثم إلى الموصل في العراق.
«جند الأقصى» ليس «داعش»، ولا يمتلك لا إمكاناته ولا خبراته، لكنه في المقابل ينطوي على الكثير من مواصفات «داعش»، وذلك باعتراف الفصائل التي يقاتل بعضها حالياً إلى جانبه أو في ظل رماحه في ريف حماه الشمالي. كما لديه تقريباً الطموحات العقائدية ذاتها لـ «داعش»، خصوصاً لجهة إقامة الخلافة وتحكيم الشرع الاسلامي في المناطق التي تخضع لسيطرته.
وكما دفعت «جبهة النصرة»، أو الأدق قادة «داعش» الذين كانوا متخفين في جلبابها، فصائل «الجيش الحر»، إلى مخالفة الفتوى التي كانت تُحرّم اقتحام مدينة الرقة بسبب تواجد عددٍ كبير من النازحين فيها، وقادت هذه الفصائل إلى احتلال المدينة مدفوعةً بطموح «التمكين» وإقامة الامارة، فإن «جند الأقصى» أيضاً رمى جانباً جميع التحذيرات التي أصدرها علماء وقادة فصائل، بمن فيهم قادة «جيش الفتح»، من اقتحام مدينة حماه بسبب وضعها الخاص وحساسيتها العالية، ونجح في أن يفرض على فصائل «الحرّ» مواكبته في مغامرته لاحتلال المدينة التي لم يدفعه إليها إلا حبُّ الامارة وشغف التمكين.
وقد بدأت بعض بوادر التفرد بالسيطرة تظهر في بعض سلوكيات «جند الأقصى» بالرغم من أن المعركة في حماه لا تزال في بداياتها، ومفتوحةً على كل الاحتمالات. ومن قبيل ذلك على سبيل المثال، إصداره قراراً بمنع المتاجرة بمادة الدخان في قاطع حماه، وإمهال الفصائل الأخرى مدة 48 ساعة لإزالة الحواجز «من طريق المسلمين وإلا سيكون ردنا قاسياً». كما وردت معلومات شبه مؤكدة أن التنظيم يخطط لهدم جميع المنازل في قرية معان بعدما سيطر عليها الأسبوع الماضي ونزح جميع أهلها خوفاً من المعارك ومن إمكانية ارتكاب مجازر بحقهم. وكان التنظيم بالفعل قد قام بعمليات ذبح وحشية عدة بحق بعض الأهالي حتى ممن ينتسبون للطائفة السنية بذريعة موالاتهم للنظام «النصيري».
ويقود «جند الأقصى» أبو ذياب السوري، غير أن هذه القيادة صورية بحتة، إذ من يمسك بزمام القيادة الفعلية من وراء الستار، هما أبو ذر النجدي وأبو أحمد القطري. وفيما يعرف عن الأول دهاؤه وقدرته على حياكة المؤامرات ضد خصومه داخل التنظيم أو خارجه للتخلص منهم، يعرف عن الثاني علاقاته الواسعة مع شبكة معقدة من الممولين الخليجيين، وعلى رأسهم بعض رجال الأعمال القطريين. ويتحكم الاثنان بأبي ذياب الذي هو في الأصل عاملُ بناء بسيط، ويفرضان عليه توجهاتهما وأوامرهما.
وبعد هزة شديدة تعرض لها «جند الأقصى» نتيجة خروجه من «جيش الفتح في إدلب»، وترتب عليها انشقاق مجموعة كبيرة من قادته وعناصره عنه، إلا أنه استعاد توازنه بسرعة قياسية، مستفيداً من إعلان «جبهة النصرة» فكّ ارتباطها مع تنظيم «القاعدة»، ومن ملابسات عدة أوقعت الفصائل في خلافات حادة، مثل «نازلة جرابلس» والتدخل الأميركي في شمال سوريا. كما أن انشغال الفصائل على اختلاف انتماءاتها بجبهة القتال في حلب، ترك المجال مفتوحاً أمامه لطرق باب حماه، محاولاً استنساخ تجربة «داعش» في إقامة إمارةٍ خاصة به تكون منطلقاً للتمدد والانتشار.