الحرب في سورجة: عنوانٌ لمُسلسلٍ من الخداع الأمريكي!

الحرب في سورجة: عنوانٌ لمُسلسلٍ من الخداع الأمريكي!

أخبار سورية

الأحد، ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦

كثيرةٌ هي الدلائل التي تُدين واشنطن على سلوكها تجاه الأزمة السورية. فيما كانت المفاوضات والإتفاقيات بينها وبين روسيا، نموذجاً للخداع الأمريكي الذي بات جلياً، كلما استطاع الجيش السوري وحلفاؤه تحقيق نتائج في الميدان، وتراجعت واشنطن وحلفاؤها نحو مربع خسارة الرهانات. فكيف يمكن تحليل مسلسل الخداع الأمريكي، والذي كان عنوانه: الحرب في سوريا؟

الخداع الأمريكي العام في التعاطي مع الأزمة السورية

من خلال مراقبة الأحداث في سوريا، وسلوك الأطراف، لا سيما الطرف الأمريكي، يمكن تسليط الضوء على خداع واشنطن الخفي والعلني، وذلك من خلال العديد من الأمثلة. فيما سنُقدم مثالين فقط، طَغيا على الأزمة السورية منذ حصولها.

أولاً: تعتبر مسألة تصنيف الإرهابيين المسألة الأكثر جدلاً على صعيد الأزمة السورية. وهو الأمر الذي ساهمت أمريكا في الترويج له بشكلٍ مخادع. فمع بروز واشتداد الأعمال الإجرامية لداعش، خرجت نغمة أمريكية تحاول تصنيف البعض تحت تهمة الإرهاب، ومنع هذه التهمة عن مجموعات معينة. مما جعل الأطراف المعنية بالملف السوري، لا سيما محور المقاومة وروسيا، يضغطون لجعل كافة المسلحين تحت قائمة الإرهابيين. وهو الأمر الذي لم تقبل به واشنطن، تحت مُبررات عديدة تتعلق بحلفائها العرب خصوصاً فيما يخص "جبهة النصرة"، وهو الأمر الذي برز في الهدنة الأخيرة أيضاً.

ثانياً: شكلت مسألة مصير الرئيس السوري بشار الأسد، مسألة مدٍ وجزرٍ في الخداع أمريكي. حيث تعاملت واشنطن مع الموضوع من منطلق مخالفة كل ما يجري في الصالونات السياسية المغلقة، لا سيما بينها وبين الأطراف الدولية المعنية كروسيا وإيران. وهو ما جعلها تُعلن مراراً إزالة مسألة مصير الأسد من التداول والبحث السياسي في سوريا، لكنها كانت تتنصَّل من ذلك مع حلفائها العرب لا سيما السعودية. وهو ما يمكن العودة له وقراءته عبر الرجوع لسجلات ما سُمي بمؤتمر الرياض للأزمة السورية.

الخداع الأمريكي ليس بجديد

لم يكن الخداع الأمريكي في الهدنة الأخيرة جديداً، وهو ما يمكن إثباته من خلال العودة الى سلوك الطرف الأمريكي منذ بداية جلوسه مع روسيا. لكننا سنقوم بالحديث عن مظاهر ذلك من خلال مجريات السنة الحالية.

في الشهر الثاني من السنة الحالية، دخلت أميركا وروسيا في اتفاقٍ قيل حينها أنها سيكون بداية الدفع نحو الحلول السياسية للأزمة السورية. الأمر الذي لحِقه التحضير لمفاوضات جنيف والتي جاءت لتجد صيغة عملية للقرار الأممي حول الحل السياسي في سوريا. إرتفعت أصوات حلفاء واشنطن من العرب، فالجلوس على طاولة المفاوضات بالنسبة لحلفاء أمريكا، سيجعلهم أضعف من أن يُطالبوا بأي ورقة سياسية، خصوصاً أنهم لم ينجحوا في أوراق الميدان السوري. ليبدأ حينها مسلسل الخداع الأمريكي الأخير.

لكنه وبعد الأحداث التي تلت تلك المرحلة، تبيَّن أن أمريكا لم تكن تسعى للهدنة أصلاً، وهي كانت تحاول الجلوس مع الطرف الروسي، للحصول على ضماناتٍ تحت عناوين إنسانية، لتزويد المسلحين بالسلاح. الأمر الذي أبرزته مرحلة ما قبل معركة حلب. وبعد شهرين من مساعي التحضير لجنيف، أي في شهر نيسان المنصرم، حيث أوقفت أمريكا المباحثات، وقامت بالحشد العسكري في جبهات عديدة، وانتقلت نحو الخيار الميداني. وهي الهدنة التي شعر خلالها الروس بأنهم خُدعوا من قبل أمريكا، التي تمكَّنت من إعادة دفع الميدان نحو نتائج صبَّت لصالح حلفائها ولو جزئياً.

رداً على ذلك أطلق محور المقاومة وبالتعاون مع روسيا، معركة تحرير حلب، والتي نجح في فرض سيطرته الميدانية عليها، مما جعل الطرف الأمريكي يروِّج لسعيه للهدنة من جديد، وتحت مسميات إنسانية. وبعد فترةٍ من المساعي جاءت هدنة أيلول الأخيرة.

الهدنة الأخيرة: صفقة أيلول والتزامات الطرفين

خرجت صفقة أيلول والتي سقطت مباشرة بعد إبرامها، لتُظهر فصلاً جديداً من مسلسل الخداع الأمريكي. وهنا نُشير الى ما التزم بها الطرفان بشكلٍ موجز، ليتبيَّن كيف خدعت أمريكا العالم:

-التزمت روسيا بما سمَّاه الخبراء التزامات إجرائية. وهي عبارة عن إلتزامات توقف سير مشروعٍ معين، مع تقديم بعض التنازلات بهدف تحقيق مكاسب أكبر. وهو ما كان عبر وقف العمليات العسكرية في حلب، إفساحاً في المجال للمساعدات الإنسانية عبر طريق الكاستيلو بعد أن تُخليه القوات السورية. وهو ما اعتبره الأمريكيون فكاً لحصار حلب المُحكم، والذي فرضه الجيش السوري منذ آب المنصرم.

- أما أميركا فالتزمت بما وصفه الخبراء إلتزامات إستراتيجية. حيث قبلت الطلب الروسي بتصنيف جبهة النصرة كداعش. على أن يلحق ذلك قيامها بالتبرؤ عسكرياً من الجماعات المسلحة والتي تصفها هي بالمعتدلة. على أن يجري ذلك عملياً من خلال غرفة عمليات مشتركة يتم إنشاؤها للتنسيق بين الطرفين.

أمريكا كانت رافضة ضمناً للصفقة قبل إبرامها!

لم تكن أمريكا ترغب بالهدنة بل كانت تخادع منذ البداية، وهو ما ظهر بالنتيجة. وذلك للأسباب التالية:

أولاً: إن التزامات الطرفين في الهدنة ومن خلال التدقيق بالتفاصيل، تجعلنا نؤمن بأن واشنطن كانت تُخادع منذ البداية. حيث أن الإلتزام الروسي لا يُعتبر في نتائجه شيئاً، أمام الإلتزام الأمريكي. خصوصاً أن إيقاف عملية حلب، لن يكون كقتال أمريكا لمن اعتمدت عليهم في عدوانها في الميدان العسكري والسياسي. وهو ما يعني أن واشنطن وبحسب الهدنة، كانت تتخلى عن أوراقها الإستراتيجية، وهو ما يمكن حصوله لأسبابٍ قد تتعلق باليأس الأمريكي والسعي لإنجازٍ سياسي لكن ذلك لم يحصل.

ثانياً: إن الإختلاف الذي خرج للعلن بين الطرفين العسكري والسياسي في أمريكا، يمكن أن يكون في أحد احتمالات قرائته ضمن مسلسل الخداع الأمريكي. على الرغم من أنه ولو كان صحيحاً، فإنه يدل على عدم إقتناع واشنطن بالهدنة. وهو ما يجب أخذه بعين الإعتبار. خصوصاً أن واشنطن رفضت نشر تفاصيل الهدنة، وهو ما يعني أنها لم تكن ترغب بالإلتزام بها.

ثالثاً: إن خروج ما يُسمى بأمير جبهة "فتح الشام" أبو محمد الجولاني، عبر إطلالة تلفزيونية، وتوعده بأن حصار مدينة حلب لن يستمر، هو دليل على النوايا الأمريكية، وعدم مصداقيتها في التزاماتها، خصوصاً بعد دراسة التوقيت والتصريح. بل إن ذلك يفضح نية واشنطن بالعودة للإعتماد على هذه الجماعات في سوريا، ويُظهر أهمية هذه الجماعات الإرهابية لدى واشنطن.

ما بعد الهدنة: كيف وجه النظام السوري ضربة للمخادع الأمريكي؟

لا شك أن الجميع خرج بتحليلات تتعلق بأسلوب واشنطن وخداعها، بل وصل الأمر بالبعض للحديث عن وقوع موسكو في الفخ الأمريكي. لكننا هنا نجد أنه يجب الوقوف عند سلوك محور المقاومة لا سيما النظام، وكذلك روسيا، بعد الهدنة، لنجد كيف استطاعت هذه الأطراف منع تحقيق أمريكا لأهدافها.

أولاً: على الصعيد العسكري، إن الهدف الأمريكي من كسر طوق حلب وإخراج الجيش السوري من دير الزور، سقط بعد أن ردَّ الجيش السوري بعمليات هجومٍ معاكس ساهم في إعادة تثبيت مواقعه. وهو الأمر الذي ردَّت عليه واشنطن بقصف مواقع الجيش السوري الذي أعلن فشل الهدنة، وساهم في تدحرج الأمور عكس ما يشتهي الطرف الأمريكي. خصوصاً أن واشنطن كانت تريد إفراغ المنطقة الشرقية من أي تواجد للجيش السوري خدمة لهدفها الإستراتيجي وهو السيطرة على الحدود العراقية السورية.

ثانياً: على الصعيد السياسي، خرج النظام السوري ليُعلن وقف العمل بالهدنة الأمر الذي تزامن مع تصريحات روسيا حول أمريكا ووصفها بالطرف المُخادع، مما أظهر أمريكا بموقع الإدانة. خصوصاً بعد أن تنصَّلت واشنطن من مسألة الإدانة الإرهابية لجبهة النصرة والجماعات المسلحة الأخرى.

بالنتيجة يمكن القول أن الأمور عادت الى ما كانت عليه قبل الهدنة، دون أي تقدمٍ ميداني لأمريكا وحلفائها. أما على الصعيد السياسي لم تستطع واشنطن تحقيق أي هدف، بل ظهرت بموقع الداعم العلني للإرهاب بكافة مكوناته، خصوصاً داعش والنصرة. في حين برز محور المقاومة وتحديداً الجيش السوري بموقع القوة، حيث أن الغارة الأمريكية عليه أثبتت سخط واشنطن من قدراته الدفاعية والهجومية. أما روسيا، فهي أثبتت صدقيتها في قتال الجماعات الإرهابية لا سيما النصرة، والتي باتت اليوم موضع احتضانٍ أمريكي أكبر. كل ذلك، جاء ضمن مسلسلٍ من الخداع الأمريكي، عنوانه الحرب في سوريا.

الوقت