فضائح بين فصائل سورية حول الدور العسكري الأميركي

فضائح بين فصائل سورية حول الدور العسكري الأميركي

أخبار سورية

الخميس، ٢٢ سبتمبر ٢٠١٦

اجتماعات مُكثّفة شهدها الشمال السوري، خلال الأيام الماضية، بين قادة الفصائل المُسلّحة وضباط ارتباط تابعين للاستخبارات التركية لحسم الجدل حول مُشاركة الجنود الأميركيين في العمليات العسكرية باتجاه مدينة الباب. ولم تُعرف بعد ما هي الأسباب التي دفعت الجانب التركي وقادة بعض الفصائل إلى تغيير موقفهم بشأن المُشاركة الأميركية في معركة الباب، لدرجة أن ينخرطوا في اجتماعات شبه يومية لإيجاد حلّ سريع للإشكالات التي حصلت بسبب طرد الجنود بطريقة مهينة، مع عدم استبعاد أن يكون التصعيد، الذي تمّ بأوامر تركية عبر استخدام بعض الفصائل لطرد الجنود الأميركيين من بلدة الراعي الأسبوع الماضي، ضغطاً من قبل الجانب التركي لتحسين مكاسبه جرّاء العملية العسكرية الواسعة التي يقوم بها في شمال حلب، والتي تتعارض مع الدعم الأميركي لـ «قوات سوريا الديموقراطية».
وتُشير مجريات الاجتماعات، كما تمّ تسريب جزء منها لـ «السفير»، إلى استمرار الانقسام بين الفصائل بخصوص الموقف من القتال تحت إمرة الضباط الأميركيين. غير أن القسم الذي أبدى مرونة تجاه الأمر بات يُشكّل أغلبية ساحقة. ولا تكتفي الفصائل التابعة لغرفة عمليات «الموك» بإبداء المرونة وحسب، بل تُدافع عن القتال مع الأميركيين، وترى فيه خطوة تُحقّق مصالحها ومصالح القائمين عليها والداعمين لها. وفي هذا السياق، تمّ تسريب تسجيل منسوب لإعلامي «الجبهة الشامية» أبي يوسف، أثناء حديثه مع عناصر من فصيله يبدو أن لديهم اعتراضات على الأمر، مُلوحاً في وجههم بأن الأمر «يتعلّق بقرار عسكري وسوف يمشي ولو بالصرماية». وتحدّث أبو يوسف، في التسجيل المنسوب إليه، بنبرة مرتفعة يشوبها الكثير من الانفعال، مُعرباً عن استغرابه من رفض البعض القتال مع الأميركي، بينما يقبل تلقّي المساعدات الأميركية، ومما قاله: «إيش هالتناقض، على الأرض ما فيه (اي مشاركة بالقتال) بس باخد الدعم الأميركي»، مضيفاً «الي بدو يرفض يرفض، كل شي يرفض الموك».
وللمرة الأولى تُسمع فيها اعترافات واضحة وصريحة من «الجبهة الشامية» تثبت تبعيتها الكاملة ليس لـ «الموك» وحسب، بل للاستخبارات الأميركية مباشرة، إذ أكد أبو يوسف ذلك، من خلال تشديده أمام من يُخاطبهم، على أن كل «دعمنا وسلاحنا وذخائرنا وبيكاباتنا (سيارات شاحنة رباعية الدفع) وحتى الشاص (داخل السيارات) والرواتب هي من الأميركي». وفي ختام حديثه ارتكب أبو يوسف مغالطة أقرب إلى الفضيحة، إذ حاول الاستناد إلى أحاديث النبي لتبرير القرار العسكري المُلزم بالقتال تحت إمرة الأميركيين، بل أكثر من ذلك، قال صراحة إنه «مُستعدّ للتحالف مع اليهود ليصل إلى هدفه».
ولكن ليس لجميع الفصائل الموقف السابق نفسه، إذ إن «أحرار الشرقية» ما تزال رافضة للتنسيق مع الجنود الأميركيين ولم تقبل التراجع عن قرارها بالخروج من «غرفة عمليات درع الفرات».
وتُمثّل «أحرار الشام» القسم الثالث من الفصائل الذي لم يحسم قراره بعد، مُفضّلا الانتظار ريثما تتّضح الأمور أكثر. وقد ينطوي هذا الموقف المُترقّب من قبل أحد أكثر الفصائل التصاقاً بالتركي على دلائل بأن الظروف لم تتهيأ بعد لإنضاج الصفقة بين أنقرة وواشنطن حول تفاصيل العملية العسكرية ودور كل منهما فيها.
وجاء موقف «أحرار الشام» في أول فتوى رسمية علنية تُنشر على حساب مجلسها الشرعي على موقع «تويتر» بخصوص إباحة الاستعانة بالجيش التركي، بل والتشجيع على القتال بإمرته، وهي فتوى تتبنّى مواقف اللجنة التي قامت بالمراجعات الأخيرة على الاستراتيجية السياسية للحركة، وأشارت إليها «السفير» بإسهاب في تقارير سابقة. وكان أيمن هاروش قد نشر مضمون الفتوى، في وقت سابق، من دون ربطها مع المجلس الشرعي. وقد أثارت الفتوى آنذاك سجالاً حاداً بين مُنظّري «أحرار الشام» ومُنظّري «جبهة النصرة» على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن المُتوقّع أن يتصاعد السجال بعد تبنّيها الرسمي من قبل الحركة. إذ من المعلوم أن «جبهة النصرة» ترفض القتال مع التركي وترى في القتال مع الأميركي رِدّة توجب قتل صاحبها.
وإذا كانت إباحة القتال مع التركي تبدو طبيعية في ظلّ طبيعة العلاقة القوية التي تربط بين الطرفين، فإن الموقف من المشاركة الأميركية بدا مستغرباً. إذ ورد في ختام الفتوى السابقة إشارة إلى «ما حصل مؤخراً حول دخول جنود أميركيين وما صاحبه من تطوّرات، فالمسألة ما زال يُحيطها الكثير من الغموض، وسوف نُصدر فتوى خاصّة بها حالما تتّضح لنا تفاصيلها ومعالمها». ومثل هذا الموقف، لا يُخالف المبادئ النظرية المُعلنة للحركة حول الموقف من واشنطن وغيرها من الدول الغربية، بل يُخالف حتى مواقف قادتها المؤسسين ممن قضوا في تفجير المقرّ «صفر» وعلى رأسهم أبو عبدالله الحموي الذي نال الكثير من التأييد من قبل عناصره عندما قال ذات يوم إن «أي قوّة تطأ الأرض السورية سوف نعتبرها قوة غازية ونُقاومها»، ومن غير المستغرب أن نرى التأييد ذاته ينهال على موقف القيادة الحالية حتى لو ذهبت إلى القتال تحت إمرة قوة غازية، بحسب توصيف زعيمهم السابق، وهو ما يشير، في الوقت نفسه، إلى حجم التغييرات التي طرأت على قناعات الحركة ومواقفها ونقلتها من مكان إلى مكان آخر مختلف كلياً.