أصبحت متهمة بتسببها في تدهور العلاقات الأسرية … مواقع التواصل الاجتماعي.. حرية التعبير والتنفيس عن المكنون الداخلي

أصبحت متهمة بتسببها في تدهور العلاقات الأسرية … مواقع التواصل الاجتماعي.. حرية التعبير والتنفيس عن المكنون الداخلي

أخبار سورية

الأحد، ١١ سبتمبر ٢٠١٦

وائل العدس
تغيّر كبير يشهده العالم على نحو غير مسبوق مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير، هذا التغيّر الذي تغلغل في نواحي الحياة كافة وبدّل الكثير من المفاهيم التي اعتقد الإنسان لوهلة أنها ثابتة وصعبة التغيير، وأظهر مفاهيم أخرى كـ«الإعلام الجديد» و«التلفزيون الرقمي».
ولم يعد هناكَ حاجز أو قيد أمام البيئة الإلكترونية التي تنمو بشكل متسارع، فمواقع التواصل الاجتماعي أصبحت من العادات الأساسية للإنسان التي يصعب التخلي عنها أو عدم مزاولتها، تزامن ذلك مع الانفجار الكبير الذي يشهده سوق الهواتف الذكية والحواسيب اللوحية التي أتاحت فرصة الولوج إلى الإنترنت من أي مكان وفي أي وقت، وسهلت عملية التواصل وتبادل الآراء والصور والملفات مع ظهور التطبيقات الخاصة للهواتف، كما اخترقت حاجز الوقت بشكل يصعب تصديقه.
في دراسة حديثة حول استخدام شبكات التواصل الاجتماعي في العالم، بينت الإحصاءات أن عدد مستخدمي شبكات التواصل حول العالم تجاوز 2.5 مليار مستخدم، وأن معظمهم يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي لتبادل الآراء والبيانات النصية والوسائط المتعددة وأن 1.9 مليار مستخدم يستخدمون الهواتف الذكية لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
إذاً أدى تسارع التطور التكنولوجي في منتصف التسعينيات من القرن الماضي إلى حدوث طفرة على المستويات العلمية كافة، وانطلاق ثورة حقيقية في عالم الاتصال، حيث انتشرت شبكة الإنترنت في أرجاء العالم وربطته بأجزائه المترامية، ما جعله يشبه القرية الصغيرة، حيث أصبحت المجتمعات أكثر انفتاحاً وبات من السهل التعارف وتبادل الآراء والأفكار والخبرات.

تأثيرات سلبية

استطاعت هذه المواقع غزو عقولنا والاستئثار بأوقاتنا التي أصبحنا نهدرها من دون الشعور ولو بقليل من المسؤولية، فنحن لا نرى منها إلا الجانب الإيجابي أما سلبياتها وأضرارها التي قد تتسبب في إيذائنا وإيذاء من حولنا فهي لا تعنينا أبداً، كل ما يهمنا هو أن نملأ الفراغ الذي نعيشه ونكسب أكبر عدد ممكن من الأصدقاء سواء كانوا حقيقيين أم وهميين.
مواقع كثيرة سمحنا لها وببساطة أن تقتحم حياتنا لاعتقادنا الخاطئ بأنها ستتمكن من تقريب البعيد وتعميق الصلات التي أوشكت أن تنقطع بسبب بعد المسافات وزخم المشاغل اليومية التي لا تنتهي، صحيح قد يكون هذا هدفها الرئيسي الذي تسعى إلى تحقيقه لكن للأسف أحيانا نسيء لأنفسنا من دون أن نشعر وذلك من خلال تعلقنا الشديد بها.
وبعدما امتدت جذورها بشكل أكبر، بات لهذه المواقع تأثيرات سلبية، وعلى الرغم من أنها تعزز الاتصال المجتمعي، إلا أن استخدامها يؤدي إلى نوع من أنواع الإدمان الذي يقود إلى العزلة وتكسب مستخدميها نوعاً من الانطوائية وتعطيهم فرصة للهروب من مجتمعهم حيث إن المستخدمين يتعاملون مع عالم افتراضي ومع أشخاص غير حقيقيين إن صح التعبير، أو على الأقل لا يدخلون في نطاق دائرة المعارف والأقارب ولا يستطيع أن يراهم في نطاق مجتمعه، فهم غرباء لا يستطيع أن يتعامل معهم بشكل مباشر، وهو ما يسميه البعض العيش في عالم الأحلام والرومانسية الزائدة حيث إن تدني الأوضاع في أرض الواقع يجعل الشباب يخلقون عالماً خاصاً بهم يرتقي لتطلعاتهم وآمالهم.
يؤثر التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي على رؤية المستخدم لنفسه وليس فقط لمجتمعه، حيث تضع تلك المواقع مستخدميها تحت المجهر، وتجعلهم في محاولة دائمة للظهور بصورة مثالية وتقديم أنفسهم للعالم الافتراضي بصورة مغايرة للواقع، عن طريق نشر صورهم وأخبارهم وما يحدث في حياتهم من أحداث مهمة وينتظرون الحكم عليها من أصدقائهم على المواقع وهو ما يؤدي إلى تزايد القلق والترقب الدائم للحكم الذي يحكمه الأصدقاء على ما هو منشور على الصفحة الشخصية للمستخدم وهو ما يشعره بالأمان والأهمية الوهمية.
وتتنوع الأسباب التي تقود بعض الشباب لقضاء معظم أوقاتهم في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، فحرية التعبير والتنفيس عن المكنون الداخلي هو الدافع الأساسي للبعض، على حين تعتبر وسيلة فاعلة في الإعلان عن النشاطات الحراكية وإيصالها لأكبر عدد من الجمهور.
ويرى آخرون أن الحاجة أصبحت ملحة لاستخدام الفيس بوك خصوصاً للبحث عن وظائف، حيث تعرض صفحاته مواقع للإعلان عن الوظائف لتوفير الوقت والجهد للباحثين عن العمل.
كما أن مواقع التواصل الاجتماعي أصبحت متهمة بتسببها في تدهور العلاقات الأسرية حيث فرضت على مستخدميها نوعاً من العزلة والانقطاع عن الحياة العامة والاجتماعية، فالوقت الذي يمضيه الشباب على تلك المواقع وقت مستقطع من علاقاته الاجتماعية.
كما أنها تساهم بشكل كبير في نشر الشائعات والأخبار الكاذبة، حيث لا توجد رقابة ولا ضوابط محددة لفلترة تلك الأخبار وهو الأمر المدمر لكل مؤسسات المجتمع حيث من الممكن أن تؤدي تلك الشائعات لخلق أزمات متعددة.
ومن أهم السلبيات أيضاً غياب الخصوصية حيث يستطيع أي إنسان نشر صور أو معلومات تخص شخصاً آخر من دون الرجوع إليه، كما يمكن اختراق الحسابات الشخصية للمستخدمين والتجسس عليهم من الحكومات حيث إن المشتركين يقومون بنشر معلوماتهم الشخصية كما يمكن استغلال المنشورات القديمة للأفراد وابتزازهم بها أو التنكيل بهم إعلامياً حيث تحتفظ مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات القديمة وإن حاول بعض أصحاب تلك المواقع إضافة إعدادات تضفي نوعاً من الخصوصية على حسابات المستخدمين ومعلوماتهم الشخصية، ولكن تلك التطبيقات لم تمنع نشر محتويات قد تضر بمستخدمين آخرين، كما أن كثيراً من المستخدمين لا يهتمون بتلك الإعدادات.

نتائج إيجابية

أتاحت هذه المواقع سبل تطوير الذات وقدمتها للمشتركين بها على طبق من ذهب، ولكن الكثير لا ينتهزون الفرصة ولا يرون الفائدة التي تعود عليهم من خلال متابعتهم واشتراكهم على اختلافاتها الكثيرة.
وإن تحدثنا عن النتائج الإيجابية التي تحققها هذا المواقع فإنها تسهم في تطوير الذات وتوسيع المفاهيم وتنمية الإدراك.
ومن خلالها يتم اكتساب مهارات التواصل والحديث عبر تلك المواقع، وفهم طرق التعبير والكتابة الصحيحة، والتعرف إلى الآخرين من مختلف العادات والتقاليد والأجناس، يوسع الإدراك المعرفي والثقافي، إضافة إلى الاشتراك في مجموعات هادفة كمجموعات تعليم اللغات أو الموسيقا وما إلى ذلك، هو نوع من تطوير الذات ولكن من المهم اختيار المجموعة حسب ميولنا وليس لأي اعتبارات أخرى حتى تكون الفائدة المرجوة حقيقية تسهم في تطوير الذات بشكل فعال، كما تمنح التواصل المباشر مع الاستشاريين والاختصاصيين في كل المجالات وبشكل مباشر سهل في عملية تطوير الذات في الحصول على المعلومة بشكل سريع ومختصر.
لكن تشويهنا المستمر للإيجابيات التي تقدمها هذه المواقع بات اليوم خطراً يهدد ترابطنا، والسبب في ذلك أننا لم نحسن استخدامها بالطريقة الصحيحة التي تخدم مصالحنا وتمنحنا مساحة كافية للتعبير عن آرائنا ضمن الحد الطبيعي، ومن دون الخوض بالخصوصيات التي هي ملك لنا لا تهم أحداً غيرنا، عدم الإفراط في استخدامها هو الحل الوحيد الذي سيمكنها من تحقيق هدفها على أكمل وجه.

الاستخدام المفرط

يشتكي كثيرون من تأثير مواقع التواصل على ازدياد حالات الطلاق، ويعود السبب إلى الاستخدام المفرط لهذه المواقع من دون ترشيد أو توجيه، ومن دون أن تتأصل ثقافة مخططة لكيفية التعاطي مع هذا القادم، الذي أوجد صدمة حضارية، فيرى الشخص نفسه قادراً على التواصل والانفتاح على العالم بلمسة زر.. تختلف استجابة الناس لهذا المتغير من شخص لآخر، ومن أسرة لأخرى، من حيث التقبل، والتكيف، وطريقة استخدامه.. لذا فإن ضريبة الخطأ في التعامل مع المواقع الاجتماعية كبيرة، منها ضعف العلاقة الأسرية، تقصير وإهمال من الموظفين في أعمالهم.
عندما تتغير طرق التواصل بين البشر بصورة متسارعة، وتصبح إلكترونية، في مجتمع متخلف حضارياً مثل الوطن العربي، فمن الطبيعي أن نتعامل مع الجانب السلبي لهذه التقنية، لأن الوقت أكثر شيء مُهدر، وقيم الإنتاج غائبة، ومن ثمَّ ستكون هذه المواقع الحل الأجمل لقتل ونسف الوقت.
إن تمضية الأزواج أوقاتاً طويلة في التحدث عبر هذه الوسائل، وإهمال واجباتهم الزوجية والمنزلية سبَّبت الكثير من المشاكل لدى عشرات، بل مئات الأزواج الذين وصل بهم الحال إلى الطلاق.
عادة تبدأ المشكلة بانقطاع التواصل المباشر بين الزوجين، كلٌّ مشغول بجهازه واهتماماته، عبر هذه المواقع، فيترتب على ذلك تقصير في الحقوق والواجبات من الطرفين، وضعف التفاهم والعلاقات العاطفية والرحمة بينهما.
إذاً باتت علاقاتنا الاجتماعية اليوم هشة ضعيفة تفتقر إلى الألفة القائمة على اللمسة الحانية والنظرات الصادقة والمحبة الحقيقية التي تعجز تلك المواقع الصماء عن توصيلها رغم نجاحها في تقريب أشخاص أبعدتهم المسافات لاكتفائنا بتبادل الرسائل القصيرة، ما جعلنا أبعد ما نكون عن أسرتنا وأقربائنا وأصدقائنا، الذين يحتاجون إلى وجودنا فعلياً معهم من دون حواجز لنشعرهم بكمية الحب الذي نكنّه لهم وبأنهم يشغلون جزءاً كبيراً من تفكيرنا.
لذلك فمهم جداً أن ننتبه للفجوة الكبيرة التي أحدثتها هذه المواقع لنتمكن من تقليصها قبل فوات الأوان وانجرافنا المتهور غير المحسوب خلفها سيقودنا بالطبع إلى الشعور بالعزلة والوحدة، فنحن ببساطة قد نستغني عن زياراتنا العائلية التي تهدف إلى جمع شملنا وتقوية علاقتنا ببعضنا بعضاً فقط، لمجرد كسب أطول وقت ممكن باستطاعته أن يجعلنا على تواصل مع عالمنا الافتراضي الذي يشعرنا بالحرية، ويمنحنا فرصة للتعبير عما نريد هذا العالم الذي يتيح لنا فرصة الهروب من واقعنا لنصنع بأيدينا عالماً يشبه أفكارنا وتطلعاتنا لدرجة أننا نختار أن ننطوي على ذواتنا لنعيش حياة غير تلك التي نعيشها حياة نرسم معالمها كما نشاء محاولين التحرر من هموم وأوجاع أثقلت كاهلنا متجاهلين أن ذلك ضرب من الخيال، وأنه من الصعب أن نفصل أنفسنا عن واقعنا مهما كان مؤلماً وقاسياً.