الميدان السوري: غدر وأفخاخ وانتصارات

الميدان السوري: غدر وأفخاخ وانتصارات

أخبار سورية

الأحد، ٤ سبتمبر ٢٠١٦

سمير الفزاع
طال أمد الحرب على سورية، وأستمر صمود سورية وحلفائها، فضاقت الجغرافيا التي تحتلها أدوات الغزو الإرهابي، وتكاثرت التناقضات بين مكونات معسكر العدوان، وأزدادت التحالفات السياسية والميدانية بين مكوناته تضارباً وتناقضاً. مع إقتراب رحيل الإدارة الأمريكية وقدوم أخرى، إرتفعت وتيرة الصراع مع سورية وحلفائها، وظهر المشغلون الإقليميون والدوليون بذاوتهم بعد عجز أدواتهم عن الحسم... سقطت أدوات ليقامروا بأدوات جديدة راهنوا على توريتها، وترددوا بإستخدامها لما قد تثيره من إنقسامات بين مكونات حلف العدوان... تلك هي البيئة الإستراتيجية لصراع يسير في فصله الحالي إلى حدوده القصوى بسرعة قياسيّة، بعد أن ضاقت هوامش المناورة، وأنحسر الزمن المتاح إلى بضعة أشهر... .
في ظل هذا المشهد المأزوم والمتفجر، أتت التطورات المؤسفة في الحسكة، والتي يصر البعض على المضي بها حتى اللحظة، لتطرح سلسلة من الأسئلة... سأحاول مقاربة الأسئلة التالية:من المستفيد، ولماذا الآن؟. أيهم المأزوم، وما هي "مناورة" كيري ودي مستورا في "الراموسة"؟. لماذا فتحت جبهة حماه؟.

* من المستفيد، ولماذا الآن؟:

كل حركة في الميدان، تقابلها عادة أسباب ودوافع سياسية... واليوم تحديداً، كل رصاصة تطلق في الميدان تحمل أهداف وتحقق غايات سياسية. البعض يطلقها ليؤكد حقيقة وآخر يطلقها لينفيها، البعض يطلقها ليكسر جداراً يعيق تقدمه والثاني ليحمي هذا الجدار... هذه بعض الخلفيات المصلحيّة والقوى والدول "المستفيدة" من تحريك جبهة الحسكةً، والتقدم شرقاً:

1- بعض قيادات جبال قنديل: حيث كان من المفترض أن تقع معركة دامية وطويلة بين الجيش العربي السوري وحلفائه من جهة، وأكراد سورية من جهة ثانية، لتعميم مظلوميتهم مع تركيا على الأكراد أينما وجدوا، وخلق حالة من التطرف القومي الكردي تُلحق أكراد سورية بهؤلاء القادة ليكونوا وقوداً للحرب مع تركيا على حساب سورية ووحدة أراضيها... وليكملوا إنقلابهم على "أوجلان"، وليصبح هذا الكانتون قاعدة خلفية لهم بعد أن باعهم مسعود برزاني مقابل إعتراف أميركي-تركي بتفرده في حكم كردستان العراق وتغليب كفة أربيل على السليمانية، وإستغلال خطوط النفط العراقية-التركية لبيع النفط والإستيلاء على عوائده دون المرور ببغداد... .
2- القوى الانفصالية في سورية: من المعروف أن فكرة الإنفصال ظهرت للمرة الأولى في درعا، عندما تحدثوا عن جمهورية حوران العربية... ومثل هذه النزعة الانفصالية التي يقودها جزء من الكرد، وقسم منهم مرتبط تماماً بـCIA، وخصوصاً بعض قيادات قنديل، ستكون بوابة لتشجيع نزعات أخرى... ويجب أن لا ننسى الإقليم السني الذي تحدثت عنه قوى غربية، وخصوصاً واشنطن، ليضم أجزاء من سورية والعراق والأردن... .
3- خطوة إستباقيّة: خوف القوى الإنفصالية الكردية من تداعيات إنتصار سورية وحلفائها في معركة حلب على مجمل المشهد السياسي-العسكري... فسارعت لفرض وقائع ميدانية بالقوة، وبالإصطدام مع الجيش العربي السوري، وبقيّة المكونات في شمال سورية وشرقها... وبالإنقلاب على دمشق التي أمدتها بأغلب الأسلحة التي تمتلكها، وعلى روسيا وإيران اللتان قدمتا الكثير من أشكال الدعم السياسي والعسكري والمالي لهم.
4- واشنطن: وهذه بعض أهدافها:
* التخفيف عن أدوات مشروعها الأهم في حلب، ومحاولة مقايضة معركة حلب بمعركة الحسكة.
* تجميد التعاون الروسي-الإيراني المستجد في قاعدة همدان الإيرانية.
* إطالة أمد الحرب على سورية ما أمكن إلى حين ترتيب أوراقها الداخلية والإقليمية والدوليّة.
* ضمان إلحاق أوسع قدر ممكن من تشكيلات الحركة الكردية بواشنطن، خصوصاً بعد إنقلابهم على التفاهمات مع دمشق وموسكو وطهران وغيرهم.
* تهديد تركيا وإيران وغيرهما بـ"الورقة الكردية"، ولنتذكر هنا، أن الهجمة الأضخم التي كانت ستضرب أكثر من خمسين هدفاً حساساً في إيران قبل أسابيع، كانت قاعدتها اللوجستية في القنصلية السعودية بأربيل.
* ربما كان جرّ تركيا إلى مغامرة طويلة الأمد في شمال سورية أحد أهداف واشنطن، وهذا يعززه تصريح "بايدن" نائب الرئيس الأمريكي قبل أشهر عندما رفض الدخول في مواجهة مع روسيا لأجل إقامة منطقة عازلة، وطالب تركيا بإقامتها.
* تحذير لتركيا من التفكير حتى بالتضييق على عوامل بقاء وإستمرار الأدوات الإرهابية في سورية... .

* المأزوم والفخ؟

بعد ساعات من زيارة برزاني، وقبيل ساعات من زيارة بايدن إلى أنقرة، دفع أردوغان بدباباته إلى مدينة جرابلس، في عدوان موصوف، وغزو مكتمل الأركان... خطوة لم تكن مفاجئة، ليكتمل بها مشهد الحسكة بفصوله المحزنة والمؤسفة. لن أبرر الغزو التركي لأرض سورية، لكن "عبث" قوى كردية بدعم وتحريض أمريكيين، خلق مشهداً جيوسياسياً معقداً وخطيراً للغاية، يشبه خطيئة صدام حسين بغزو الكويت. تحت المظلة الأمريكية، تقدمت "قوات سوريا الديموقراطية" غرب الفرات، ولكنهم ما ليبثوا أن تراجعوا بشكل "مؤسف" تحت وطأة التهديدات التركيّة ورفع الغطاء الأمريكي... نفس الجسور العائمة الأمريكية التي نقلتهم إلى الضفة الغربية من الفرات، عادت لتحملهم شرقاً... ربما إلى مهمة إنتحار جديدة. 200 قرية وبلدة، وأكثر من 1000 قتيل وجريح، وعشرات العربات المدمرة... و"أحلام" عريضة بفدرالية مفروضة بقوة حضور واشنطن على هامش "إنكفاء" سوري أجبره عليه غزو بربري مستمر منذ ست سنوات تقريباً... ضاعت خلال ساعات، وكأنهم يجهلون أن ما يؤخذ في لحظة ضعف سيستعاد في زمن القوة.

هذا المشهد وصفه "ريزان حدو"، الخبير في معهد واشنطن، والعضو في "المجلس الديمقراطي السوري" عندما قال:"ما حصل في الحسكة كان خطأ فادحاً، والسلاح تم توجيهه إلى المكان الخطأ... إن الجيش السوري والوحدات الكردية هما القوتان السوريتان الوحيدتان اللتان تحاربان الإرهاب فعليّاً. وبكل أسف، شهدت الحسكة أخطاء من الطرفين".
أردوغان الذي "أبدع" في إستغلال الإنقلاب الفاشل، نفذ إنقلاباً حقيقياً وناجحاً إلى حدّ بعيد، للتخلص من النفوذ الأمريكي في الداخل التركي على كل المستويات... وهذا الإنقلاب ينفذه على إدارة أمريكية لا على أمريكا، ليكون الوكيل الأوحد والأقوى للنفوذ الأمريكي والغربي في تركيا، ولتعقيد إمكانية إستبداله إلى أقصى مدى... وقد نجح في ذلك بنسبة كبيرة جداً. خطأ الحساب الذي وقعت فيه قوى كردية أدى إلى تفجر خلافات حقيقية داخل حلف العدوان على سورية... الإدارة الأمريكية في طريقها إلى مغادرة البيت الأبيض، وما من أحد "عاقل" يقبل بتغيير تحالفاته أو تقديم تنازلات لإدارة "عرجاء" ستخلي مواقعها قريباً. حلب، نقطة الإشتباك الأهم في الصراع الدائر حالياً، كفّة النصر تميل بقوة لصالح سورية وحلفائها، والخسائر العسكرية والسياسية لواشنطن وأدواتها هناك لا يمكن تعويضها... . واشنطن لم تلجأ إلى إستخدام "الورقة الكردية" على هذا النحو إلا بعد تعرض مشروعها لتهديد جدي بالإنهيار: حشود غير مسبوقة في حلب لتحرير الكليات وما بعدها، قوة ضخمة في صحراء تدمر جاهزة لتحرير الرقة ودير الزور، إنهيار شامل للإرهاب في ريف اللاذقية الشمالي، تداعي بؤر الإرهاب في دمشق وحمص ودرعا... نجد الدليل الساطع على هذا الإفتراض في "مناورة-فخ" كيري ودي مستورا بكيفية إيصال المساعدات إلى حلب، وتحديداً لأحياء حلب الشرقية... حيث حاولا أن تكون "ثغرة الراموسة" الطريق المعتمد لإيصال هذه المساعدات لتحقيق عدداً من الأهداف، أهمها:
1- تحويل ثغرة الراموسة من خرق أمريكي-إرهابي لطوق تحرير حلب من الإرهاب، إلى طريق مساعدات إنسانية يحظى بحماية دولية... ما يجمد العمليات هناك حكماً، ويعطل أي تقدم في ريف حلب الجنوبي والغربي.
2- حماية القوة الإرهابية الضخمة المتموضعة في الكليات ومحيطها، وصولاً إلى الريف الحلبي الجنوبي-الغربي، من حالة الإستنزاف القاتلة، ولمنع إنهيار هجوم قد يكون الأخير على حلب، ما سيترك آثار مدمرة على الوجود الإرهابي في كامل شمال سورية وشرقها.
3- إطالة أمد الحرب على سورية، بتأخير الحسم في حلب ومنع الجيش وحلفائه من الإنتقال إلى جبهات أخرى... بإنتظار الإدارة الأميركية الجديدة، وأي تطور ميداني قد يخرجها من هذا المأزق القاتل.
4- "إنقاذ" ألآف الإرهابيين في أحياء حلب الشرقية من مصير الإستسلام أو الترحيل.

* أين أمريكا اليوم؟:

"صمتت" واشنطن عن الغزو التركي في بداياته لسببين أساسيين: الخوف من إنزلاق أردوغان أكثر وأكثر نحو الحضن الروسي والإيراني، ورغبتها باللعب على التناقضات في الميدان السوري حتى بين أدواتها وحلفائها... لكن وبعد الإصطدام مع قوى كرديّة، ظهر خوف واشنطن وغضبها من تجاهل أردوغان لمصالحها، وإندفاعه أكثر وأكثر نحو مصالح حزبه ومصالح تركيا التي ستأخذه حتماً نحو الإنفتاح على سورية ومنظمتي شنغهاي وبريكس. هنا، ظهر حلف جديد من المتضررين يضم السعودية وقطر... وعلى رأسه واشنطن. لتدارك هذه الكارثة المحققة قرروا العمل على عدة صعد، منها:

1- تحريك داعش ضد الجيش التركي في الأراضي السورية، حيث بدأت تتصاعد الصدامات بينهما بعد أن دخل الأتراك جرابلس بلا مقاومة تذكر.
2- رفع وتيرة الانتقادات الأمريكية والغربية للعملية العسكرية التركية، من جهة، ومن جهة ثانية الضغط عليها بالترويج لوقف إطلاق النار بين تركيا والقوى الكردية... .
3- شن عملية عسكرية عبر أدوات محسوبة على أمريكا والسعودية وقطر... بإتجاه ريف حماه الشمالي-الشرقي، لتعطيل التفاهمات في ريف حلب الشمالي-الشرقي، وتخفيف الضغط على أدواتها في مجمّع الكليات، وتهديد طرق إمداد الجيش وحلفائه على أكثر من جبهة... وقد يحركوا معارك باتجاه حقول الشاعر و جزل قريباً.
4- دفع "قوات سوريا الديموقراطية" لإبداء قدر متصاعد من المقاومة للغزو التركي لدفعه إلى التفكير بخيارته مجدداً.
5- إيجاد نوع من توازن القوى، خلال بذل الجهد الدبلوماسي لإنجاز "إتفاق" ما مع موسكو قبل التداعي الكبير، وما أكثر من 12 ساعة تفاوض بين لافروف وكيري إلا دليل على هذا التوجه.

* كلمة أخيرة:

في الفصل الأخير من الرواية، تتصاعد الأحداث لِتكوّن "الحبكة"، وتتشابك الخيوط حتى تبلغ "العقدة"... لا تغرقوا في التفاصيل، ولكن إياكم وإهمالها، ودققوا دائما بالكليات، وإنما دون الركون بالمطلق إليها... هي ساعات وأيام الحسم والنصر، وسورية تحتاج إلى كل واحد منّا ليكون في ميادين العز والمجد دفاعاً عنها، فلا تنسوا أن تضعوا بصمتكم الجريئة والمنتمية، لأن الأثر والذكرى ستدوم طويلاً جداً... إنتصروا لوطنكم في وجه آخر الغزوات لينتصر لكم