غزوة حماه: «جند الأقصى» يتضخم.. والكل مستنفَر

غزوة حماه: «جند الأقصى» يتضخم.. والكل مستنفَر

أخبار سورية

الجمعة، ٢ سبتمبر ٢٠١٦

المحاذير العسكرية والاجتماعية التي منعت «جيش الفتح» قبل عام من تنفيذ تهديده بإطلاق «غزوة حماه»، لم تجد نفعاً مع «جند الأقصى» الذي وجد الفرصة سانحة للتوكؤ على إنجازات ميدانية كبيرة تمكنه من إعادة تلميع صورته بعد التشوهات التي أصابتها بسبب تدهور علاقاته مع غالبية الفصائل المسلحة.
مغامرة فردية استدعت استنفاراً من جميع الأطراف. فالجيش السوري يسعى لعدم خسارة مناطق جديدة في حماه قد تؤدي إلى قطع خطوط إمداده التي تصل بين مختلف المحافظات التي يسيطر عليها، خصوصاً اللاذقية وحلب وحماه. في حين أن بعض الفصائل المسلحة لا تزال لديها التحفظات ذاتها التي دفعتها إلى معارضة إطلاق الغزوة قبل عام، بينما يتخوف بعضها الآخر من أن تؤدي معركة حماه إلى تضخم فصيل «جند الأقصى» وتحوله إلى نقطة جذب للراغبين بالانشقاق عن هذا الفصيل أو ذاك، وبالتالي رؤية «داعش» جديد ينمو بين ظهرانيها.
وقد تعرض «جند الأقصى» لنوع من العزلة منذ انشقاقه عن «جيش الفتح في إدلب» بسبب رفضه القتال ضد تنظيم «داعش»، ثم تضاعفت هذه العزلة بعد امتناعه عن المشاركة في العمليات العسكرية في جنوب غرب حلب، الأمر الذي شكّل بالإضافة إلى الاتهامات الموجهة إليه بـ «الدعشنة» وارتكاب عمليات اغتيال ضد قادة الفصائل في إدلب، مادةً دسمة استخدمها خصومه لشيطنته والعمل على تفكيكه.
وبالفعل، فقد تعرض «الجند» نتيجة ذلك لانشقاقات واسعة لا سيما عن فرعه في ريف حماه، وانضم المنشقون، ومن بينهم شرعيون كبار، إلى «جبهة النصرة». وكانت هذه الأخيرة قد منعت «الجند» قبل حوالي شهرين من إحداث مراكز له في قطاع البادية، الأمر الذي كاد يتسبب باشتباكات بين الطرفين، وهو ما يمكن اعتباره مؤشراً آخر إلى مدى العزلة التي باتت تحيط بجماعة «الجند»، خصوصاً أن «جبهة النصرة» كانت تعتبر من أقرب الفصائل إليه.
وجاءت معركة حلب لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، لأن الحساسية العالية التي صبغت هذه المعركة، جعلت عدم مشاركة «جند الأقصى» فيها يبدو وكأنه خذلان أو خيانة مقصودتان. وقد أدّى ذلك إلى حدوث توتر شديد بين قيادة «الجند» وبين بعض عناصره المتحمسين للمشاركة في معركة حلب، كاد يتسبب بحدوث موجة جديدة من الانشقاقات عنه. كما أدى إلى تدهور علاقته مع باقي الفصائل لدرجة أن قيادياً بارزاً في «أحرار الشام» هدد بمحاربة «جند الأقصى» بعد الانتهاء من معركة حلب.
لذلك، فإن إطلاق «غزوة حماه» من قبل «جند الأقصى»، أثار زوبعة من المخاوف لدى جميع الأطراف بما فيها الجيش السوري والفصائل المسلحة الأخرى. فبالنسبة إلى الجيش السوري، فإن فتح معركة جديدة في حماه في الوقت الذي يخوض فيه مواجهات عنيفة في حلب، سيشكل عامل ضغط إضافيا عليه ويضطره إلى تشتيت قواته بين جبهتي القتال.
أما بالنسبة إلى الفصائل، فإن لديها أسباب عدة للتخوف من مغامرة «الجند». أبرزها أن قرار إطلاق «غزوة حماه» شكل قبل عام قضية خلافية اضطرت الفصائل على إثرها إلى ابتلاع تهديداتها وتأجيل الغزوة. لكن الأهم هو أن نجاح المغامرة، بما يعنيه ذلك من خلط أوراق الميدان وتعديل موازين القوة وتغييرات كبيرة على الخريطة العسكرية، سيكون من شأنه رفع أسهم «جند الأقصى»، وبالتالي فرضه كتنظيم له ثقل ووزن في الساحة لا يمكن تجاوزهما بعد ذلك، وهو ما يعني فشل المساعي التي بذلتها هذه الفصائل لعزل التنظيم وتشويه صورته.
لذلك، فإن العديد من الفصائل، وعلى رأسها «جبهة النصرة» و «أحرار الشام» و «فيلق الشام»، وهي جميعها من مكونات «جيش الفتح»، بدأت تتداول في ما بينها حول كيفية مواجهة مختلف السيناريوهات التي يمكن أن تترتب على مغامرة «جند الأقصى» في حماه. وكان السيناريو الأخطر بالنسبة لها هو نجاح الأخير في الوصول إلى مدينة حماه واقتحامها، حيث تدارست هذه الفصائل السبل التي من شأنها منع «الجند» من الاستفراد بالسيطرة على المدينة وإنشاء إمارة خاصة به تضيف مزيداً من التعقيد على المشهد العسكري العام وعلى المشهد العسكري في محافظة إدلب بشكل خاص، لأن التقدم في ريف حماه سيزيد بطبيعة الحال من قوة «الجند» في إدلب ويمنحهم عمقاً استراتيجياً خاصاً بهم، هذا مع الأخذ بالحسبان أن أي اقتحام حقيقي لمدينة حماه سيؤثر سلباً في الحاضنة الشعبية للفصائل بسبب تواجد ما يقارب مليوني نازح في المدينة سرعان ما سيجدون أنفسهم أمام تجربة نزوح جديدة.
وقد تكثفت المداولات خلال الساعات الأخيرة بعدما تبين أن الرهان على فشل المعركة لم يكن في محله، خصوصاً بعد سيطرة «الجند» على معردس التي استعادها الجيش السوري لاحقاً، ووقوف «الجند» على مشارف جبل زين العابدين الاستراتيجي الذي يطل على كامل مدينة حماه وعلى قسم كبير من ريفها، حيث اثارت هذه التطورات مخاوف الفصائل من أن السيناريو الأخطر قد بات قاب قوسين أو أدنى. ولكن لم يعرف ما إذا كانت هذه المداولات قد انتهت إلى نتيجة أم لا.
وقد ساعدت الصدفة، أو ربما هي خديعة، «جند الأقصى» في مباغتة جميع الأطراف بالتقدم السريع الذي أنجزه في الأيام الأولى من غزوته. حيث قامت مجموعات من عناصره منتصف الشهر الماضي بعملية هجومية على بعض النقاط في ريف حماه الشمالي، لكن العملية انتهت بفشل ذريع، الأمر الذي أعطى الجيش السوري شعوراً بالثقة بأن خطوطه غير قابلة للاختراق، واستدعى بالمقابل شماتة واسعة من قبل باقي الفصائل التي اعتقدت أن جهودها قد نجحت وأن «جند الأقصى» فقد قوته القتالية.
لكن بعد أسبوعين، أي يوم الاثنين الماضي، جدد التنظيم هجومه تحت مسمى «غزوة مروان حديد» وتمكن في وقت قياسي من السيطرة على مناطق واسعة في ريف حماه الشمالي، مقترباً من مدينة حماه وأصبح على مسافة أقل من 12 كيلومتراً. وقد تحالف مع «جند الأقصى» في هذه المعركة كل من «أجناد القوقاز» و «ابناء الشام»، وهو فصيل جديد يقوده أبو حذيفة الحمصي. ولكن لم يكن تحالف «الجند» وحده من تحرك، فقد أعلنت فصائل أخرى أهمها «جيش النصر» و «جيش العزة» و «جيش الفاروق» إطلاق هجوم آخر في ريف حماه الشمالي تحت مسمى «حمم الغضب لنصرة حلب».
ومع غياب الاعلان عن تشكيل غرفة عمليات موحدة، بالإضافة إلى إصدار البيانات بخصوص تطورات المعارك بأسماء الفصائل منفردة، وعدم وجود دلائل على أي تنسيق عملي على أرض المعركة في ما بينها، فقد بدا واضحاً أن الريف الحموي إزاء معركتين مختلفتين وليس معركة واحدة. ومن غير المستبعد أن تكون المعركة الثانية قد جاءت كخطوة استباقية تهدف إلى محافظة الفصائل على بعض الأدوات على الأرض التي يمكنها من خلالها ضبط المعركة ميدانياً، أو على الأقل أن تكون شريكاً فيها، فلا يستفرد «الجند» بثمارها.
لكن هذا لا يعني أن نتيجة المعركة باتت محسومة، بل أن البعض يؤكد أن المعركة لم تبدأ بعد، مستنداً إلى تجارب سابقة مرّ بها الريف الحموي تمكنت خلالها بعض الفصائل من السيطرة على مناطق أوسع مما سيطر عليه «الجند» في هجومهم الأخير، ومع ذلك كانت الهجمات في كل مرة تنكسر عند أعتاب المدينة وترتد خائبةً. وبالرغم من الاختلاف الواضح في حجم وقوة الهجوم هذه المرة، إلا أن البعض – وللمفارقة من الموالين والمعارضين ــ لا يزال يراهن على أن خط الدفاع الأخير عن المدينة المتمثل بجبل زين العابدين وقرى أرزة وقمحانة سيصمد في وجه الهجوم ويجنب المدينة تجرع الخيارات القاسية التي تنتظرها، ويجنب الفصائل المسلحة مواجهة سيناريو شبيه بسيناريو «داعش» مرة أخرى.

حماه «قلب» سوريا الأقدم
تحتل محافظة حماه المرتبة الخامسة بين المحافظات السورية من حيث التعداد السكاني العام، وهي تقع في وسط البلاد، تحدها ادلب وحلب من الشمال، الرقة من الشرق، فيما تجاور حدودها الجنوبية بشكل كامل محافظة حمص، أما طرطوس واللاذقية فتحدان المحافظة من الجهة الغربية.
تُعد حماه واحدة من أقدم المناطق المسكونة في الشرق الاوسط، ويرجع تاريخها إلى عصور قديمة طاعنة في التاريخ بنحو سبعة الآف عام.
تبلغ مساحة المحافظة 8883 كيلومتراً مربعاً، فيما يقارب عدد سكانها 1.4 مليون نسمة (قبل الحرب) بحسب موقع «بوابة الحكومة السورية الالكترونية»، وهي ترتبط بالمحافظات السورية كافة عبر شبكة مواصلات دولية من طرق وسكك حديدية.
يوجد في المحافظة 11 مدينة أبرزها حماه، السلمية، صوران، طيبة الامام ومحردة. كما تتضمن العشرات من القرى والبلدات، فيما يملك اهلها 22 مقعداً في مجلس الشعب السوري