هل أنهت الحرب حلب كعاصمة اقتصادية؟

هل أنهت الحرب حلب كعاصمة اقتصادية؟

أخبار سورية

الثلاثاء، ٣٠ أغسطس ٢٠١٦

استعادت الحكومة السورية السيطرة مؤخراً على منطقة الليرمون الصناعية في حلب، إحدى أكبر المناطق الصناعية في عاصمة سوريا الاقتصادية، لتنضم إلى المدينة الصناعية في الشيخ نجار، الأمر الذي كان من المفترض أن يفتح الباب أمام إمكانية عودتها للحياة، إلا أن تجربة المدينة الصناعية تعطي انطباعا سيئاً ومعاكساً حيال ذلك.
بعد أكثر من عام ونصف على عودة المدينة الصناعية إلى سيطرة الحكومة، لم تقلع العجلة الاقتصادية فيها بعد، أو بالأحرى ما زالت متوقفة عن العمل توقفاً شبه كلي. وفي هذا السياق، يرى المستثمر السوري ليون زكي أنها «تحتاج إلى منظومة عمل جديدة تختلف عن المرحلة التي سبقت الأزمة، تراعي بداية ظروف الصناعيين المتضررين والمتعثرين وتأخذ بيدهم لمعاودة الإنتاج مجدداً مع إصلاح البنية التحتية والمرافق التي دمرتها الحرب وتأمين الخدمات الأساسية لأضخم مدينة صناعية بالشرق الأوسط».
وأضاف «لعل من أهم الأسباب التي تعيق دوران عجلة إنتاج المدينة راهنا وبصراحة، تهاون المعنيين في محاسبة اللصوص الذين يسطون على مقدراتها علانية وباستمرار، عدا المعوقات القانونية التي تمنع استثمار بعض الأقسام جراء تأخر أو تعثر الصناعيين عن تسديد الأقساط المترتبة عليهم، الأمر الذي يفرض إعادة جدولة القروض بحسب حال المنشآت ومنح قروض جديدة ميسرة لتمويل مستلزمات الإنتاج وإعادة الإعمار».
ويؤكد الدكتور في كلية الاقتصاد في جامعة حلب حسن حزوري ما ذكره زكي، إذ يرى أن «المدينة الصناعية في الشيخ نجار لم تعد للعمل نتيجة عدم وفاء الحكومة بوعودها أولا، ونتيجة عدم توفر الأمن وانتشار عصابات ومافيات السرقة ثانياً»، مضيفاً أن «تلك العصابات أكملت ما بدأه المسلحون عبر تفكيكهم المصانع ونقلها إلى تركيا، فعملت تلك العصابات واللصوص على سرقة مصانع اخرى في ظل عجز الأجهزة المعنية عن وضع حد لهم، يضاف الى ذلك عدم توفر حوامل الطاقة وخاصة الكهرباء، وعدم توفر المازوت بالكميات الكافية القادرة على دفع عجلة الإنتاج للدوران بطاقتها المثلى، يضاف الى ذلك نزيف الكوادر البشرية واليد العاملة المدربة والقادرة على إعادة العمل للمنشآت الصناعية التي بقيت سليمة».
أزمة المدينة الصناعية في الشيخ نجار يمكن أن يستشف منها حال منطقة الليرمون ومستقبلها، خصوصاً أن حجم الدمار في الليرمون يفوق بأضعاف ما تعرضت له الشيخ نجار. كما يمكن أن تكون هذه الحالة مثالاً صارخاً على الأوضاع التي تعيشها مدينة حلب، التي غزا المسلحون أحياءها وسرقوا أكثر من ألف معمل ونقلوها إلى تركيا، بالإضافة إلى سرقة آلاف المنازل.
عمليات السرقة وحالة عدم القدرة على ضبط المدينة أمنياً، أفسحت بدورها المجال لانتشار ظاهرة اللصوصية المستترة تحت قناع «اللجان الشعبية»، والتي من المفترض أنها وجدت للدفاع عن المدينة، إذ فتح هجوم المسلحين الأخير على خاصرة حلب الجنوبية الغربية الباب أمام هذه العصابات (تسمى محلياً عصابات الداخل) لأن تنشط كثيرا، فتعرض حي الحمدانية للسرقة، وتم نقل محتويات عدد من المباني إلى مستودعات داخل حلب، وللمفارقة، قامت «عصابات الداخل» بالسطو على منزل يعود لضابط طيار في الجيش السوري ارتقى خلال تنفيذه إحدى العمليات العسكرية، وقد تم إجبار زوجة الضابط على الخروج من المنزل قبل سرقته، بحسب ما ذكر ناشط حلبي يعمل على توثيق عمليات السرقة التي تتعرض لها بعض أحياء حلب.
انتشار ظاهرة اللصوصية تحت ستار «الدفاع عن حلب» دفع اللجنة الأمنية في المدينة إلى شن حملات عدة في محاولة لضبط الأمن، فألقي القبض على 27 مسلحاً الأسبوع الماضي، عندما حاولوا السطو على مجموعة من المباني في حي الحمدانية بحجة «تحويلها إلى مقارّ»، فقام الأهالي بالإبلاغ عنهم وإشغالهم إلى أن وصلت دوريات من الأمن الجنائي والأمن العسكري وأوقفتهم، وفق مصدر أمني.
إضافة إلى أزمة «اللصوصية»، تأتي مشكلة «تجار الطرق» لتضاف إلى سلسلة «المصائب» التي تضرب مدينة حلب، حيث يتكلف التجار بمبالغ باهظة جدا كرسوم يتم دفعها لـ «لجان شعبية» منتشرة على طول الطريق المؤدية إلى حلب، الأمر الذي يرفع ثمن البضائع الداخلة أو الخارجة من المدينة أضعافا عدة.
تمكنت العوامل السابقة مجتمعة من أن تحول عاصمة سوريا الاقتصادية إلى «مدينة منكوبة» يقصفها المسلحون الراغبون «بفتحها» من الخارج، ويستغلها لصوص الداخل، وسط عمليات نزوح وخروج متواصل أدت لتسرب معظم اليد العاملة الخبيرة من المدينة، كل ذلك من دون أي تحرك حكومي سوري حقيقي يعيد إلى الشهباء الأمل بالعودة للحياة.
في هذا السياق، يؤكد حزوري أن «الشعب السوري عامة والحلبي خاصة، عانى الكثير وضحى بالغالي والنفيس، وهو قادر على أن يعيد بناء مدينته بكل ما تملك من بنية تحتية وصناعية، إذا توفرت له العوامل المحفزة وتم القضاء على اللصوصية وصدقت الحكومة بالأقوال والأفعال، خاصة لناحية تعويض المتضررين مادياً وإعفائهم ضريبيا، والسماح لهم باستيراد آلات ومعامل بديلة من المعامل المسروقة والمدمرة بعيداً عن التعقيد والبيروقراطية».