أردوغان يقامر و "قسد" تنتحر

أردوغان يقامر و "قسد" تنتحر

أخبار سورية

الأحد، ٢٨ أغسطس ٢٠١٦

محمود عبد اللطيف
التدخل التركي في الأراضي السورية من خلال ما أسمته أنقرة بعملية "درع الفرات" ليس الأول من نوعه، إذ سبق وأن تدخلت المدفعية التركية لدعم الميليشيات في مهاجمة مدينة كسب الواقعة شمال محافظة اللاذقية، كما غطت انسحاب الميليشيات من مناطق تواجدها في محيط سلمى في وقت سابق من العام الحالي، وبالعودة إلى العام 2012 تظهر عملية فتح الحدود التركية أمام أرتال ميليشيا "حركة أحرار الشام" ومن حالفها من ميليشيات لمهاجمة محافظة الرقة، أما المختلف هذه المرة فهو أن النظام التركي يهاجم مواقع "قوات سورية الديمقراطية" التي تعتبرها أمريكا "حليفة" لها على الأرض السورية.
وبات من الواضح أن الإدارة الأمريكية اتخذت قرارا بترك "قسد" فريسة للقوات التركية والميليشيات العاملة بأمرها، ففي حين أن ميليشيات أردوغان سيطرت على قرى عديدة خلال ثلاثة أيام فقط وبدعم من سلاحي المدفعية والجو التركيين، فإن مقاتلات التحالف الأمريكي لم تكتفي بإخلاء الساحة للمقاتلات التركية وحسب، بل عمدت إلى ضرب الميليشيات الكردية في مناطق شمال حلب كـ "تل رفعت" و "منغ".
ولا يبدو أن الميليشيات التركية ستقف عند حدود "غرب الفرات"، فالسيطرة التي تمت صباح اليوم  على  قرى "عين البيضا – بلبلان – العمارنة – دابس جنوبي – بئر كوسا - حميرة – تل شعير – والحلوانية - البير الفوقاني – يوسف بيك – الحمارة" في محيط جرابلس إضافة إلى قريتي "ثليجية و الهضبات" شرقي الراعي، قابلتها حشود عسكرية لجيش أردوغان في الجزء التركي من مدينة "رأس العين" الواقعة شمال غرب الحسكة، إضافة لحشود مماثلة قبالة المالكية، واستهداف مدفعي متكرر لمواقع الميليشيات المسلحة في منطقة "عين ديوار"، وكلا المنطقتين تقعان شمال شرق الحسكة.
التقارير الإعلامية تحدثت خلال الأيام الثلاثة عن احتمال شن "قسد" لعملية عسكرية باتجاه الرقة، إلا أن هذا التحالف الميليشياوي يبدو منشغلا أكثر في تأمين تواجده في مناطق غرب الفرات أيا كان الثمن، وينتج ذلك عن مخاوف "كردية" من كسب أردوغان لمقامرته بـ "ورقة الشريك السني" الذي تبحث عنه الإدارة الأمريكية لتحويله إلى "القوة التي تحارب الإرهاب" بما يسمح بدعمه لاحقا لتشكيل نواة دولة مستقلة يمكن طرحها على الطاولة السياسية كخطوة أولى لتقسيم المنطقة، فأن تقام دولة كردية في مناطق شمال سورية أمر مرفوض من قبل الكثير من حلفاء واشنطن خلال المرحلة الحالية.
ومن مجمل التحرك التركي يفهم أن أنقرة قررت إبعاد خطر التواجد الكردي المسلح من المناطق القريبة من حدودها الجنوبية، الأمر الذي يعيد حيوية تهريب النفط وباقي المقدرات السورية عبر هذه الحدود إلى تركيا، ويبدو أن واشنطن تسمح بهذه الخطوة على أن تترك كل من "القامشلي – عين عرب – عفرين" خاضعة لسيطرة الوحدات الكردية التي تشكل العمود الفقري في تحالف "قسد"، ولا يمانع الأتراك ذلك إذ يعتبر حصراً لقوة المجموعات الكردية المسلحة، يمكن التخلص منها في حال تهديدها للمصالح التركية.
عمليا، نجح النظام التركي بنقل جزءاً كبيراً من صراعه مع حزب العمال الكردستاني إلى الأراضي السورية بعد أن كان قد نقل جزءاً منه إلى داخل الأراضي العراقية وبمباركة من رئيس إقليم كردستان العراق "مسعود البرزاني"، الأمر الذي يحسب لأردوغان على مستوى السياسة الداخلية التركية.
وبرغم أن التحالف الأمريكي هدد الوحدات الكردية في حال عدم انسحابها إلى مناطق شرق الفرات، إلا أن المعارك مازالت دائرة في المنطقة، وكأن تحالف "قسد" قرر الانتحار العسكري في سبيل الحفاظ على المكتسبات الميدانية التي حققها خلال المرحلة الماضية على حساب تنظيم "داعش" في المنطقة بدعم أمريكي، إذ إن "قسد" تفتقر إلى أهم مقومات المواجهة مع الأتراك، فلا سلاح جو ولا مضادات أرضية فاعلة، كما إن مخزونها من صواريخ "تاو" المضادة للدروع التي حصلت عليها بطرق مختلفة نفذ، وهي تعتمد على صواريخ "ميلان" وأنواع روسية أخرى من هذه الصواريخ كـ "ميتس و كونكورس".
المشكلة الكبرى بالنسبة لقسد خلال المرحلة القادمة هي تعدد الجبهات المفتوحة عليها، ففي الوقت الذي تهاجم فيه من قبل ميليشيات أردوغان شمال سورية، يهاجمها تنظيم "داعش" في ريف الحسكة الجنوبي، وإذا لم تتبدل ظروف المعادلة الميدانية في مناطق الشمال السوري بالنسبة للأمريكيين خلال وقت قريب، فإن أردوغان الذي أجاد المقامرة بالنسبة لواشنطن سينهي قماره بـ "انتحار قسد".
تجدر الإشارة إلى أن العمليات العسكرية التي أطلقتها أنقرة تحت مسمى "درع الفرات" تترافق بغزل تركي للحكومة السورية وأنباء عن تواصل تركي سوري لم تنفه دمشق ولم تؤكده، الأمر الذي قد يشير إلى تحول في السياسة التركية تجاه الأزمة السورية على الرغم من وصف دمشق لعملية "درع الفرات" بالعدوان المباشر على أراضيها، الأمر الذي مازالت ردود أفعال حلفاء دمشق عليه هادئة نوعا ما.