كسر الاحتكار بعهدة “حماية المستهلك”… وإعطاء المرونة لـ”التدخل الإيجابي”

كسر الاحتكار بعهدة “حماية المستهلك”… وإعطاء المرونة لـ”التدخل الإيجابي”

أخبار سورية

الأربعاء، ١٧ أغسطس ٢٠١٦

أغلب الظن أن ما يحاك في كواليس وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حول دمج بعض المؤسسات التابعة لها يشي إما بوجود خلل ما في آلية تعاطيها مع الأسواق، وإما بأن هذا الدمج يندرج ضمن سياق تطوير العمل وتحسين مستوى الأداء، ولاسيما أن وزير التجارة الداخلية الدكتور عبد الله الغربي أكد مؤخراً أن “مؤسسات التدخل ستقوم بالاستيراد المباشر من الخارج للسلع التي تحتاج إليها، لأن الاحتكار الحالي يستحيل كسره إلا بهذه الطريقة”. ونعتقد أن الوزير وضع إصبعه على الجرح، وبدأ بالفعل باتجاه ما وعد به “بصمات واضحة للوزارة في السوق المحلية خلال ثلاثة أشهر”.

سنوات..!
نبيّن في هذا السياق أنه تم العمل منذ نحو أربع سنوات أو يزيد على مشروع مرسوم يعطي مرونة لمؤسسات التدخل الإيجابي ويمنحها صلاحيات جديدة، وذلك ضمن إطار تفعيل عملها وفق التطورات الاقتصادية الراهنة وتحرير التجارة الخارجية والمنافسة، على اعتبار أن هذه مؤسسات لا تزال تؤدّي دورها الاقتصادي والاجتماعي والخدمي من خلال خبرتها على مدى سنوات طويلة، وفي ظل توجه اقتصادي واكب مرحلة سابقة، لتظهر الحاجة المتزايدة إليها لمرحلة جديدة تنسجم مع عملية التطوير والتحديث للاقتصاد الوطني ومشاركة حقيقية من القطاع الخاص في توفير السلع والخدمات بالمواصفات الجيدة والأسعار المناسبة بما يعكس المرونة اللازمة لعملها في إطار تدخلها الإيجابي بالأسواق، إلى جانب إعطائها الدفع اللازم لتتمكن من المنافسة في السوق وتحقيق الريعية الاقتصادية المطلوبة تنفيذاً لخططها في ممارسة أعمالها من خلال تكاملها في العمل التجاري
إلا أن مسوّدة المشروع –وفق ما أكدته مصادر في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية- دخلت قبل فصل الأخيرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في ماراثون دراسة بين عدة جهات استغرق عدة سنوات لتقبع بالنهاية في أدراج الأولى وتصبح من المنسيّات، وخاصة بعد أن أصبحت تبعية هذه المؤسسات للثانية التي لم تحرّك ساكناً بهذا الخصوص.

تحريك محمود
ويبدو أن الغربي حرّك هذا المشروع لإعطاء الزخم المطلوب لهذه المؤسسات لتصبح أكثر فعالية، وقادرة على إحداث فارق في الأسواق طالما تحدّث عنه من سبقوه…!. وبالعودة إلى مسوّدة المشروع فإن هذه المؤسسات ستمارس الأعمال التجارية بكل أنواعها للمواد المسموح بها (جملة – نصف جملة – مفرق) والاستيراد والتصدير والتوزيع داخل القطر وخارجه، وتقوم بتأمين المواد والسلع من جميع المصادر المتاحة داخلياً وخارجياً لحسابها مباشرة أو بالعمولة لحساب غيرها، وتأمين احتياجاتها وفقاً لأحكام نظام العقود الصادر بالقانون 51 لعام 2004 ويستثنى من ذلك المشتريات بغرض البيع والمستلزمات السلعية، إضافة إلى بيع وتوزيع وتسويق المواد التي تتعامل بها لحسابها مباشرة أو بالعمولة لحساب غيرها، واستيراد وتصدير المواد والسلع التي تتعامل بها مباشرة، وتمويل مستورداتها إما بشراء القطع الأجنبي من مصارف الدولة وإما عن طريق التمويل من المصارف الخاصة العاملة في القطر، والعمل كوكيل تجاري للمنتجين المحليين والأجانب والمستوردين والبيوتات التجارية (محلية – خارجية)، والتعاقد مع وكلاء لها ومعتمدين داخل وخارج القطر لبيع وتوزيع المواد والسلع التي تتعامل بها مقابل عمولة محددة، إلى جانب تلبية احتياجات الجهات العامة وفق الطرق التجارية والمواصفات المطلوبة، وافتتاح مواقع عمل تجارية بما فيها المستودعات ووحدات التبريد أو إغلاقها حسبما تقتضيه المصلحة الاقتصادية للمؤسسة، واعتماد أساليب ووسائل ترويجية لزيادة مبيعاتها وتصريف ما لديها من مخازين بإقامة معارض وأسواق شعبية أو مزادات علنية، والاستفادة الاقتصادية من شهرتها التجارية في حدود علاقاتها التجارية.
لاشك أن توجّه وزارة “حماية المستهلك” باتجاه إعطاء مرونة لمؤسسات التجارة الداخلية سيثمر عن نتائج مبشرة، فطالما كانت مقيّدة الحركة في ظل مراسيم إحداثها الحالية، إضافة إلى أنظمة العمليات لديها والإطار القانوني العام الذي يحكم تأسيسها ونشاطها، كما أن عملها لم يعُد يتماشى مع ما هو مطلوب منها في مرحلة الانتقال إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، ما يحتّم بالنتيجة التفكير جدّياً بآلية جديدة في عملها تعطيها الحرية والمرونة الكاملتين لتحقيق مهامها وتنفيذ خططها، ومحاسبتها في نهاية كل دورة مالية على الربح والخسارة، وخاصة أنه مطلوب منها المحافظة على وضع عمالها اجتماعياً.

بالنتيجة
لا ننكر أن مؤسسات التدخل الإيجابي لا تزال تؤدّي دورها الاقتصادي والاجتماعي والخدمي من خلال خبرتها على مدى سنوات طويلة، لا بل إن العبء أصبح أكبر على كاهلها في هذه المرحلة وما يعتريها من تحدّيات ليست بالقليل ولاسيما تلك المتعلقة بالوضع المعيشي وتأمين الاحتياجات الأساسية اليومية وبسعر معقول.. ولعل الحاجة المتزايدة إلى هذه المؤسسات في هذه المرحلة بالذات، تفرض بشكل أو بآخر أن يعاد النظر في آليات عملها وإعطاءها مرونة أكبر تمكّنها من المناورة في السوق بشكل يوازي –ولو نسبياً- تمدّد وحركة القطاع الخاص، ولاسيما من جهة توفير السلع والخدمات بالمواصفات الجيدة والأسعار المناسبة بما يعكس المرونة اللازمة لعملها في إطار تدخلها الإيجابي بالأسواق، إلى جانب إعطائها الدفع اللازم لتتمكّن من المنافسة في السوق وتحقيق الريعية الاقتصادية المطلوبة تنفيذاً لخططها في ممارسة أعمالها من خلال تكاملها في العمل التجاري.
دمشق – حسن النابلسي