ماذا بعد رسالة النصر في حلب؟

ماذا بعد رسالة النصر في حلب؟

أخبار سورية

الأحد، ٣١ يوليو ٢٠١٦

فرنسا – فراس عزيز ديب

عندما تكتبُ عن النصر في حلب، لا يكفي أن تتسلح بفصاحة «أبي فراسها»، ولا بحكمة وفروسية «سيف دولتها». قد لا يسعُفك أنك ترنّمت يوماً بترنيمات كنائسها أو تسبيحات مساجدها. لن تعطي النصر حقهُ ولو غسلت حجارةً نُقشت عليها أساطير التاريخ بـ«غارها»، وتعطرت سماء المجد بعبق «زعترها»، كل هذا قد يبدو تفصيلاً صغيراً، إن لم يقترن أساساً بإيمانك بأن نصرها كان سيأتي عاجلاً أم آجلاً، لأنها عصية على الكسر، ليس فقط لأننا قلنا عنها يوماً إن نواصي الدهر شابت على حجارتها وهي لم تشب، لكن لأنها بأيدي شجعان هذا العصر الذين كتبوا بدمائهم سيمفونية الانتصار، وعزفوا لحن الخلود على كامل التراب السوري.
من هنا، دعونا نترك التحليل السياسي جانباً ولو لحين، وتعالوا نسرق معاً مقطوعة صغيرة من سيمفونية النصر تلك، ونصوغ منها رسالةً نتلوها على مسامع من لا يزال في قلبه سواد وعلى عينيه غشاوة؛ رسالة عابرة لكل الأحياء والقُرى التي بات شجعان هذا العصر على حدودها.
أعلم تماماً أن فيكم من حمل السلاح لأنه اختلف يوماً مع جهةٍ ما، وفيكم من حمل السلاح لأن هناك من أغدق عليه في الوعود، وأن فيكم من هو رهينة للجماعات الإرهابية، فضّل البقاء في بيته ومدينته على الهروب خارج الوطن، منتظراً الفرج الآت، وهو بالتأكيد بات قاب قوسين أو أدنى.
رسالتي لأهلنا وإخوتنا: تعالوا حيثُ العقل، تعالوا حيث الوطن يناديكم، فنحن عندما نتحدث عن النصر فهو ليس نصراً عليكم، بل هو نصرنا وإياكم على من أراد تقسيم بلدنا وتدميرها، على من أراد أن يجعل منكم وقوداً لتحقيق طموحاته في جعل مدينتنا مدينة أشباح بعد أن كانت منارةً لكل مقومات الحضارة والإنسانية. عندما نتحدث عن مغادرتكم لأحيائكم، فإياكم والظن أنكم ستغادرونها لأحياء ليس لكم فيها أحد، كونوا واثقين أنكم ستخرجون من أحيائكم إلى أحيائكم، حيث أهلكم وإخوتكم، حيث هناك من جمعكم بهم يوماً صرخة فرح في مباراة بين (الاتحاد والحرية)، أو رقصة عربية على أنغام «يا رايحين ع حلب»، أو حتى دمعة حزنٍ عندما كنا نسمع عن مصابٍ هنا أو هناك لإخوةٍ لنا عندما كان المصاب حدثاً استثنائياً، لأنها كانت المدينة التي لا تنام والروح التي لا تستريح. رسالتي لكم اليوم وكل يوم، لكم علينا حق حمايتكم حتى آخر لحظة، تعالوا نعيد معاً بناء ما دمرتهُ حرب لم نخترها، لا تحاولوا أن تكونوا وقوداً حتى آخر لحظة.
ليكن لديكم رأيكم السياسي الذي تختارونه، لكن بعيداً عن إلغاء الآخر، وتذكروا دائماً أن ليس هناك في الجيش العربي السوري من اختار أن يستشهد فقط ليستشهد، جميعنا نحبُّ الحياة وجميعنا نريد أن نكون عنواناً لسورية المتجددة، وتذكروا دائماً أن العفو هو نصفُ الطريق نحو المصالحة، فتلقفوا الأمر ولا تنصتوا لكلام من لا يريد بكم خيراً، لا تنصتوا لمن يرهبكم بأكاذيب لا صحة لها، استفيدوا من هذه الفرصة، واستمروا في الخروج من تلك الأحياء ولفظ تلك الطغم الإرهابية، وحدهم أبناء بلدكم من سيكونون لكم ترياقاً نحو العودة من جديد إلى ذاك المجتمع الراقي الذي تربينا فيه، أما الآخرون فلا يرون فيكم إلا وقوداً يحرقونه لتبقى النيران التي تضيء ظلمة أفكارهم مشتعلة ولو بجثث الأبرياء. وحدهم أبناء وطنكم سيكونون حضنكم الدافئ، واسألوا من خرج من أهلنا بالأمس فعنده الخبر اليقين، أما تجار السياسة فباعوكم كلّ من موقفه، والأدلة باتت لا تُحصى.
لكن وبالعودة لردات النصر السوري في حلب، هل حقاً أن هناك من سيسكت إقليمياً ودولياً عن هذه الصفعة التي تجاوز صداها الحدود العسكرية إلى السياسية؟!
كان الحديث في الأيام الماضية منصباً على تساؤلٍ أساسي، هل إن ما جرى في حلب هو نتيجة للاتفاق الروسي الأميركي غير المعلن، أو إن ما جرى هو نتيجة منطقية لحالة اللا اتفاق بين كلا الطرفين؟
بالتأكيد إن ما جرى لا علاقة له أبداً بأي تفاهماتٍ أميركية روسية، حتى إن ردة الفعل الأميركية كانت شبه تائهةٍ، فـ«كيري» مثلاً هدّد بوقف التعاون مع الروس إن كان هناك خدعة حول الممرات الإنسانية في حلب، لكنه بذات الوقت لم يشرح لنا ما التعاون الذي سيتوقف، إذا كان الجانبان لم يتمكنا حتى الآن من تحديد هوية الجماعات الإرهابية؟ لكن هذا لا يمنع أبداً أن الأميركي قد لا يسكت عما جرى، فالأمر ليس متعلقاً بحلب فحسب، فالطموحات الأميركية بكانتون كردي في الشمال قد تتحطم إلى غير رجعة، إذا ما نجحت قوات الجيش العربي السوري من إكمال المشوار نحو الريف الشمالي. بل أكثر من ذلك، ماذا سيكون رد الفعل الأميركي إذا ما نجحت وساطة ما بفتح مدينة «عفرين» وريفها للجيش العربي السوري تمهيداً لمعركةٍ حاسمةٍ يخوضها مسلحون أكراد بالتعاون مع الجيش العربي السوري ضد بقايا أردوغان في منطقة «إعزاز»؟!
أي إن ما جرى وسيجري في حلب سيدفع الأميركي نحو احتمالين سيسير فيهما بخطين متوازيين؛ الأول هو الحديث المتصاعد عن الهدنة الإنسانية والتجويع وهو ما بدأته قنوات الإعلام النفطي منذ الآن، والثاني هو تأخير التفاهمات السياسية حتى الإدارة الأميركية القادمة، فما الدليل على ذلك؟
كما كان متوقعاً، أعلن «أبو محمد الجولاني» فك ارتباط تنظيمه بالقاعدة. لن نخوض كثيراً في السخرية من فك الارتباط هذا، لأنه أشبه بالأفعى التي تبدّل جلدها لا أكثر، لكن هناك نقاطاً مهمة لابد من الانتباه إليها:
أولاً: الجميع يعرف أن «جبهة النصرة» هي الطفل المدلل لكل من قطر وتركيا، فهما الراعي الرسمي لـ«الإخوان المسلمين»، هذا يعني تماماً أنه لم يعد هناك أي شيءٍ اسمه «الجناح العسكري لحركة الإخوان المسلمين»، الجناح لعسكري هو ذاته «جبهة النصرة» واليوم تحوّل لجبهة «فتح الشام»، وهذا الأمر يجب النظر إليه بالكثير من التدقيق تحديداً أن هناك من يبرر السعي للزج بتنظيم «الإخوان المسلمين» بالعملية السياسية في سورية، وهذا يؤكد أن التنظيمات الراديكالية لا فرق في منهجها، ألم يقل «الجولاني» في بيانه أن جبهته الجديدة تسعى للحكم بشرع اللـه!! ما الفرق بين هذا الخطاب وخطاب «داعش» أو «الإخوان المسلمين»؟!
ثانياً: الجميع يدقق على فكرة «فك الارتباط بالقاعدة»، لكن ليس هناك من يُعيد صياغة الجملة والقول: إن الجبهة كانت فعلياً متحالفة مع القاعدة، فماذا عن الجرائم التي ارتكبتها، أليس من المنطقي الدعوة لتعويض الضحايا ومحاسبة من كان يدعم هذه الجبهة بالإعلام والمال والسلاح لأنه أساساً كان يدعم تنظيماً إرهابياً، وباعتراف التنظيم نفسه؟
ختاماً، لابد من التدقيق بالشكل العام للمؤتمر والذي حاول فيه «الجولاني» تقمص شخصية «بن لادن» حتى في الهندام، هذا عدا توجهه بالشكر لزعيم تنظيم القاعدة ونائبه، كل هذه التحولات لا يمكن لها أن تُنبئ بأن هناك من يريد تبييض صفحة الجبهة تمهيداً لزجها في الحل السياسي، الأدق أن هناك من يحاول تبييض صفحة الجبهة لاستمرار «مشروعيتها» في القتال ضد قوات الجيش العربي السوري وعرقلة أي حلٍّ سياسي لكونها تشكل بعديدها النسبة الأكبر من الجماعات الإرهابية في سورية، وهذا الأمر تم بإخراجٍ «تركي- قطري»، أي إن الجبهة الجديدة هي الورقة القادمة في الميدان السوري، فهل بقي مجال للتفاهمات أو التسويات؟
بكل تأكيد هناك… لكن الواضح أن الأمر لن يكون إلا بالشروط السورية، فهل سيقبل الجميع بذلك؟ هنا علينا أن ندقق بما قاله السيد «حسن نصر اللـه» قبل أمس مخاطباً «آل سعود» بأنهم في وضع منهزم وليس بإمكانهم توزيع الحصص في المنطقة، ومع ذلك لم يغلق الباب ودعاهم ليكونوا طرفاً في التسويات، وليس في إشعال النيران فهل سيصغون؟ حكماً لا… وحده الميدان من سيحسم.