فكّ الارتباط .. «النصرة» تبيع بضاعة كاسدة

فكّ الارتباط .. «النصرة» تبيع بضاعة كاسدة

أخبار سورية

الاثنين، ٢٥ يوليو ٢٠١٦

بعد «عهد الأمان» الذي جددته «جبهة النصرة» لواشنطن والغرب، الأسبوع الماضي، في محاولةٍ لعدم كسر معادلة التعامل القائمة بينهما والتي أضفت مظلةَ حمايةٍ واسعة على جزء كبير من مقاتليها باستثناء جماعة صغيرة تسمى «جماعة خراسان»، ها هي اليوم تُبادر وتعيدُ طرح موضوع فكّ الارتباط مع تنظيم «القاعدة»، لتدرأ عن نفسها مصير العزلة الذي بدأ يلوح في الأفق، خصوصاً في حال نجحت المساعي الأميركية والروسية في بلورة التفاهم بينهما حول محاربة الإرهاب.
وقد سبق لموضوع فكّ الارتباط أن طُرح في ثلاث مراحل مختلفة، كانت «جبهة النصرة» تسارع في كلّ منها إلى رفضه أو إفشاله بشكل مباشر أو غير مباشر.
ففي أواخر العام 2014، عرضت بعض الدول الأوروبية (حسب وكالة «آكي») حذف اسم «جبهة النصرة» من قائمة الإرهاب في حال قامت بتغيير أيديولوجيتها وسياساتها. بعد ذلك بأشهر عدة، كان يفترض أن زعيم «النصرة»، أبا محمد الجولاني، قد وضع النقاط على الحروف حول هذا الموضوع خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في حزيران من العام الماضي، عندما أكد على رفض فكّ الارتباط، وشدد على أن «التصنيف الأميركي أو الغربي لا يتعلق بالقاعدة إنما بالفكر»، مشيراً إلى أنه «سواء كنا مع تنظيم القاعدة أو لم نكن، فنحن لن نتنازل عن مبادئنا وثوابتنا، نحن سنبقى نقول نريد أن نحكّم الشريعة، وسنسعى لذلك وسنستمر في الجهاد ولن نهادن أو نوقف معركة».
ومع ذلك، فقد أعيد طرح موضوع فك الارتباط مطلع العام 2016 بمبادرة من «مجلس شورى أهل العلم» قامت آنذاك على أساس توحيد الفصائل الإسلامية الكبرى مقابل أن تقوم «جبهة النصرة» بفك ارتباطها مع «القاعدة» وتغيير اسمها، لكن المبادرة فشلت كما فشلت المحاولتان السابقتان.
وقد تجدد قبل أيام طرحُ موضوع فكِّ الارتباط، حيث سادت شائعات حول قرب الإعلان عنه، بل ذهب البعض لحد القول إن الجولاني سيظهر بصورته الحقيقية ليعلن الأمر. ولم يكن مستغرباً أن تصدر التسريبات الأولى حول هذا الأمر عن بعض الأوساط البحثية المقربة من حكومة الدوحة. فدولة قطر لها باعٌ طويل من التعامل الاستخباري والأمني مع «جبهة النصرة»، وقادت ذات يوم حملة كبيرة لإقناع الأخيرة بفكّ الارتباط، شارك فيها وزير خارجيتها مباشرة. كما أن الباحث الذي نشر التسريبات الأخيرة سبق له أن استجرّ لنفسه اتهاماً شائناً وجهه إليه الكاتب البريطاني روبرت فيسك في إحدى مقالاته، عندما وصفه بأنه يعمل على تلميع صورة «جبهة النصرة».
ومن المرجح أن التسريبات الأخيرة ليست دقيقة بما فيه الكفاية، إذ أكدت مصادر متقاطعة من «جبهة النصرة» عدم صحة صدور أي قرار من مجلس شورى الجماعة بإقرار «فكّ الارتباط». وأشارت إلى أن فكّ الارتباط لا يتخذ بقرار من «مجلس الشورى»، بل يتطلب توافقاً بين قيادة «النصرة» وقيادة «القاعدة» لأن خلع البيعة له أحكام فقهية تضبطه وتحكمه، أما قرار الشورى فهو لمنح القيادة الترخيص بمناقشة الأمر مع قيادتها العليا في خراسان لأنه من المستبعد أن يكرر الجولاني خطيئته السابقة بالانفصال عن «داعش» وإعلان البيعة للظواهري من دون مشاورة الأخير. وبالتالي حتى في حال صدور قرار الشورى، فإنه ما زال يحتاج إلى موافقة الظواهري، وهو ما لم تشر التسريبات إلى حصوله.
لكن هذا لا يمنع أن «جبهة النصرة» قامت بالفعل باتخاذ مبادرة وزّعتها على العديد من الفصائل الإسلامية الكبرى، تقوم على أساس أن تعلن فك ارتباطها مع «القاعدة» (مع عدم وضوح هل يتعلق الأمر بفك ارتباط حقيقي أم مجرد إعلان) مقابل موافقة هذه الفصائل على التوحد والاندماج ضمن جيش كبير. وبحسب المبادرة، تكون مهمة الجيش هي تمثيل «أهل السنة والجماعة» والعمل على «تحكيم الشريعة الإسلامية»، والتخلي عن الدعم الخارجي المشروط، لا سيما ذلك القادم من غرفتَي عمليات «الموك والموم»، وتأمين حماية مطلقة لـ «المقاتلين الأجانب»، وإسقاط الأجندات الخارجية التي لا تصب في النهاية في مصلحة «أهل السنة»، كما قال لـ «السفير» محمد الخطاب، أحد الناشطين المقربين من «جبهة النصرة».
وقد دفعت تغريدات أدلى بها «المرجع السلفي» الأردني أبو محمد المقدسي حول عدم ممانعته موضوع «فك الارتباط»، العديد من الأوساط إلى تفسير ذلك بأنه بمثابة تمهيد لتحقيق الانفصال. إلا أن المقدسي سرعان ما تراجع عن هذه التغريدات وقام بحذفها من حسابه، موضحاً ذلك بقوله إن «ما كتبته عن جبهة النصرة جاء موافقاً لرغبة بعض الإخوة وهشّ له وبشّ بعض الخصوم والأعداء».
كما كان أيمن الظواهري قد تناول موضوع فكّ الارتباط في خطاب «انفروا للشام أرض الجهاد الصحيح»، لكنه ربطه بشروط معقدة تجعل تحقيقه صعباً للغاية، منها إقامة حكومة إسلامية راشدة. وكرّر الظواهري في خطابه ما ذكره الجولاني في مؤتمره الصحافي من تساؤلات حول فائدة فك الارتباط والجدوى منه، وهل سيمنع الغرب من استهداف النصرة، أم سيكون ذلك مجرد استدراج لـ «النصرة» للخوض في العملية السياسية وبالتالي تدجينها ومن ثم القضاء عليها.
ومع ذلك، فإن بعض المستجدات قد يكون لها دور في دفع «جبهة النصرة» إلى تغيير موقفها، وإبداء مرونة أكثر حول موضوع فكّ الارتباط، خصوصاً بعد تصاعد وتيرة الحديث عن تفاهم أميركي – روسي من أهم بنوده وضع «الجبهة» على قائمة الاستهداف الجدي. وقد تكون المبادرة التي تقدمت بها «النصرة»، والتي لا تختلف في جوهرها كثيراً عن مبادرة «مجلس شورى أهل العلم»، خطوة أولى تهدف إلى جس نبض الفصائل ومحاولة معرفة موقفها من هذه القضية، وذلك بعدما كان المتحدث باسمها قد حذّر هذه الفصائل من مصير مماثل في حال تخلت عن «النصرة» في هذه المرحلة. وفي حال كانت استجابة الفصائل لمبادرتها جيدة، فقد تستكمل «النصرة» خطواتها انتهاءً بالقبول بفكّ الارتباط بالفعل. رغم أن ذلك سيتطلب من الجولاني اختلاق خطاب جديد مغاير لخطابه السابق الذي استنكر فيه مطالبته بفكّ الارتباط وتسخيفه لمن يؤيده.
وبغض النظر عن كل ذلك، فإن موضوع فكّ الارتباط تحول إلى بضاعة كاسدة ليس لها أي سوق للتربّح من الاتجار بها كما كان عليه الأمر قبل عام من الآن. وبالتالي تنحصر فائدة «جبهة النصرة» من وراء طرح الموضوع في محاولة حماية نفسها ومنع تنفيذ سيناريو عزلها كما تطالب موسكو. وحتى من هذه الناحية، يبدو أن فك الارتباط لم يعد له أي قيمة ذات أهمية، فـ «النصرة» مصنفة على قائمة الإرهاب بقرار من مجلس الأمن الدولي، وهو ما لا يمكن تغييره، لذلك تدرك الكثير من الفصائل أن القبول بمبادرة «جبهة النصرة» لن تكون له أي فائدة في حماية الأخيرة، بل قد يتسبب القبول بالمبادرة في هذه المرحلة بالإضرار بالفصائل وإغراء موسكو بالمطالبة برأسها لارتباطها بالإرهاب.