موائد رمضان .. إسراف وتبذير غير مقبول.. وسلوك متمرد على منظومة التكافل الاجتماعي..

موائد رمضان .. إسراف وتبذير غير مقبول.. وسلوك متمرد على منظومة التكافل الاجتماعي..

أخبار سورية

الجمعة، ٢٤ يونيو ٢٠١٦

موائد كبيرة.. وأموال تُهدر.. وطعام ينتهي في أكياس القمامة، هذا حال موائد الكثيرين في شهر العبادة والرحمة، شهر رمضان الذي يتهافت فيه الناس لتخزين المواد الغذائية، ظناً منهم أن وجباتهم ستتضاعف، حيث تتزايد أصناف الطعام على مائدة الإفطار، في وقت تكون فيه الأسر الفقيرة في أشدّ الحاجة لكسرة خبز…ليتحول شهر الإحساس بالفقراء وإطعامهم إلى شهر الإسراف والبذخ والتبذير، فما مبرر هذه العادات السيئة التي ستتحول مع الأيام إلى ظاهرة خطيرة، وما هي السلوكيات السليمة لتجنّب هذه العادات…؟
غياب ثقافة
تحول مشهد شراء الأطعمة الكثيرة قبل وخلال شهر رمضان إلى سمة غالبة عند الكثير من الأسر السورية، ليتكرر مشهد الإسراف والتبذير، وتمتلئ حاويات القمامة بما لذّ وطاب للقطط الضالة، مبررين هذه العادة بأن شهر رمضان هو شهر الكرم وصلة الرحم، لذا تقوم الأسر بتحضير عدد كبير من الوجبات التي لا يستهلكون ربعها خلال الإفطار وينتهي باقي الطعام في الخارج، متناسين أن هذا الشهر هو شهر الإكرام والزكاة والإحساس بالفقراء ممن لا يجدون ما يأكلون، وأن ما يلقونه هؤلاء في القمامة هو وجبات تحلم بها الكثير من الأسر، فغياب ثقافة موجودة لدى الكثير من الدول في كيفية الاستخدام الأمثل لموائد الطعام هو ما أوصلنا إلى هنا كذلك تكمن المشكلة في التفاخر والتباهي عند بعض ربات البيوت بعدد أصناف الطعام التي تم إعدادها لفترة الإفطار.

توعية استهلاكية
تختلف أنماط الاستهلاك بين المجتمعات، لكن الإسراف في الاستهلاك في شهر رمضان تتشابه به أغلب المجتمعات العربية، وهذا نابع من ضعف في مفهوم الشهر الفضيل لدى الناس، وغياب معنى الإحساس بجوع الفقراء وحاجتهم للطعام والشراب، فقد بات الإقبال المتزايد على شراء السلع الغذائية بكميات كبيرة في رمضان تقليداً دائماً لدى أغلب العائلات التي تجتاحها حمى الشراء الزائد لدرجة المبالغة دون تحديد للأولويات، في حين يوجد من يفتقرون إلى أدنى متطلبات المعيشة، ولا شك أن الأسرة قادرة من خلال وضع ميزانية محددة تلبي طلباتها ضمن المعقول في شهر رمضان بعيداً عن مظاهر الإسراف، وهذا يتطلب الرقابة والتوجيه بدءاً من سلطة الأب في المنزل وانتهاءً بدور الإعلام في توجيه الأسر لثقافة الاستهلاك المعتدلة، حسب رأي الدكتورة رشا شعبان، “علم اجتماع”، فترشيد الاستهلاك ضرورة حتمية خاصة في رمضان، وهذا لا يعني التقشف أيضاً، فالمغالاة في تعداد أصناف الطعام والتباهي بكثرتها أمر سيىء، خاصة في ظل الظروف التي نعيشها والتي يعاني فيها أغلب الناس من تدني مستوى المعيشة والغلاء الفاحش يجعلهم يقتصرون مائدتهم الرمضانية على صنف واحد فقط، في حين نجد الولائم تُمد على طاولات الآخرين، مبررين  الإسراف في الإنفاق بأنه كرم، لكن هذه السلوكيات مفاهيم خاطئة يجب التفريق بينها، وعلى وسائل الإعلام أخذ دورها الكبير في الوقت الراهن في هذا الجانب التوعوي الاستهلاكي.

مرفوض شرعاً
شهر رمضان هو شهر الفضيلة والكرم على الفقراء لا شهر البذخ والتبذير، وجميعنا يعلم أن شهر رمضان هو شهر العبادة والتضرّع لله عز وجل، وأن الله أمر المسلمين في هذا الشهر بأن يحسّوا بإخوانهم الفقراء ويحسنوا إليهم دون شح أو مبالغة، ودعا الدكتور عبد الرزاق المؤنس “معاون وزير الأوقاف سابقاً” في حديثه معنا حول التبذير في هذا الشهر، إلى الإقلال قدر المستطاع من أنواع الطعام، وقضاء هذا الشهر على المتيسر من الأطعمة الموجودة، وذلك للوصول إلى الغاية المرجوّة من شهر الفضيلة، فالزيادة في الطعام تضعف النفس عن ممارسة العبادة، والمعروف عن شهر رمضان أنه شهر العبادة، لا شهر لإلقاء نعم الله في القمامة وحرمان الفقراء من الاستفادة منها، فإلقاء الطعام بهذه الطرق هو نوع من التبذير وهو مرفوض شرعاً، لأنه نعمة يجب أن تُكرم ولا تُهان، بل يجب أن يتم توزيعها على الفقراء والمحتاجين الذين هم في أمس الحاجة لها، فلابد من الفهم الصحيح لفريضة الصيام على أنها تطهير للنفس والمال، وأنها عبادة صحيحة، وأنها صبر وجهاد، وليس لإقامة الولائم والحفلات والتنافس في الملذات، لذا لا بدّ من  الاقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة من بعده في سلوكهم ونفقاتهم في شهر رمضان، واستشهد المؤنس كلامه بالحديث النبوي الذي يقول “من فطَّر صائماً فله مثل أجره” وهناك آيات تنهى عن الإسراف كقوله تعالى “وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إن الله لا يحب المسرفين”…
ميس بركات