في حضرة غيابها سهرات رمضانية خالية من الخصوصية .. وجلسات عائلية افتراضية

في حضرة غيابها سهرات رمضانية خالية من الخصوصية .. وجلسات عائلية افتراضية

أخبار سورية

الخميس، ٩ يونيو ٢٠١٦

لم يكن شهر رمضان بمنأى عن التغيرات والتبدلات التي يعيشها المجتمع السوري، حيث لم يعد الضيف الكريم الذي يطل علينا مرة كل عام محافظاً على طقوسه وابتهالاته التي أحياها السوريون على مر الزمن، فمن الحكواتي إلى المسحراتي، مروراً بموائد الرحمن، أجواء شعبية ممتعة تلاشت، لكنها بقيت عالقة في ذاكرة كل من عاشها وأحياها واعتاد عليها، ومع اندثار تلك الطقوس التي تكسب هذا الشهر الفضيل خصوصيته الاجتماعية تسللت إلى ليالي هذا الشهر الكريم سهرات وجلسات مواقع التواصل الاجتماعي بعلاقاتها الافتراضية وتواصلها الوهمي الخادع اجتماعياً وأخلاقيا، فإلى أي مدى أثّر غياب تلك الطقوس الاجتماعية على  السوريين، وما هي أسباب اندثارها، وكيف يمكن أن نحافظ على قدسية الشهر الكريم ؟.
من الماضي
لا شك بأن الأزمة الخانقة التي أرهقت كاهل السوريين، أضاعت فرحة اللقاء بهذا الشهر الكريم، وغيّبت الكثير من طقوسه التي تستلزم الأمن والأمان وقدرة على الإنفاق واجتماع الأهل والأحبة الذين تفرقوا عن بعضهم بسبب الحرب الهمجية التي طالت الحجر والبشر، فلم يعد المسحراتي ذلك الرجل المميّز الذي يقوم بجولة في الحي الذي يقطنه قادراً على أداء مهمته المعتادة إلا ما ندر بسبب الظروف الأمنية التي نعيشها، لكن ملامحه وعباراته التي يرددها على أنغام قرع الطبلة التي ترافقه (يا نايم  وحّد الدايم ..يا أبو فلان قوم على السحور) عالقة في أذهاننا، أما الحكواتي فهو أحد الطقوس الرمضانية التي اندثرت منذ زمن، لكنه بقي رمزاً شعبياً وذكرى جميلة عن أيام الزمن القديم، حيث كان يجلس الحكواتي في المقهى، ويجتمع حوله الساهرون من وجهاء وزعامات الأحياء وعامتهم، ويستمعون إلى ما يرويه الحكواتي من سير شعبية، يتمازج فيها الواقع بالخيال، وتضيع معها معالم المدن وأسماء الأبطال الحقيقية، وتظهر أسماء وأماكن جديدة غير معروفة، بل وحدها البطولات هي المعروفة، وقد كان الحكواتي يرتجل الحوار ارتجالاً مثيراً للعاطفة، منتزعاً إعجاب رواد المقهى، كما قد يتخلل الجلسة إنشاد الأشعار والتي تختتم بالصلاة على النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وكذلك افتقد السوريون الخيمات الرمضانية وموائد الرحمن التي كانت تجود بها الجمعيات الخيرية بفضل المتبرعين من أهل الخير، وذلك لاختلاف الظرف، وتفرّغ تلك الجمعيات لمساعدة وإغاثة المتضررين والمهجّرين جراء الأحداث الدامية التي نشهدها حالياً.

هوية ثقافية
تشكّل الطقوس التي تزيّن شهر رمضان الفضيل هوية ثقافية لأبناء المجتمع السوري والمحافظة عليها والتمسك بها هي واجب على كل سوري حسب رأي الكثير من الناس الذين التقيناهم خلال جولتنا في أحياء دمشق القديمة، حيث أكدوا أنه خلال  الثلاث سنوات الأخيرة افتقد الشهر الكريم إلى الكثير من طقوسه التي ترتبط حتماً بوجود الأمان والسلام، فلم يعد بإمكان المسحر التجوال ليلاً بين الأزقة ولم تعد الزيارات أو ارتياد المطاعم أو المقاهي والسهر لساعات متأخرة ممكنة في ظل خطر محدق يهدد إما بقذيفة أو تفجير أو ما شابه من الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الإرهابيون، كما خفت العزائم والولائم التي كانت تقام في رمضان لأن قدرة المواطن الشرائية أصبحت محدودة جداً، وموائد الرحمن التي غابت عن الجامع الأموي مرتبطة دون شك بإعادة ترتيب للأولويات، ولكنهم أكدوا في الوقت ذاته أنهم، وعلى الرغم من الاستهداف الممنهج الذي يتعرض له الشعب السوري، ما زال السوريون يواصلون حياتهم بإصرار أكبر من ذي قبل، بل أصبح هناك تحد ونضال، بعد أن أدرك الجميع بأن هدف الحرب المسعورة هو سرقة هوية الشعب السوري وثقافته وطمس تراثه وتغييب عقله وفكره وإلغاء انتمائه.

اختلاف الزمان
إن اختلاف البيئة وتبدل الزمان والتطور التكنولوجي وانتشار التقنيات الحديثة لعبت دوراً كبيراً في انحسار الطقوس الرمضانية الجمالية، كما رأى رفعت الحكيم (باحث اجتماعي) وأضاف، هناك بدع دخلت المجتمع السوري وأفسدت أبناءه منها السهر من وقت الإفطار إلى السحور وقضاء الليل، بدلاً من التعبد، في رؤية المسلسلات والبرامج الفنية التي تبث معظمها الأفكار المسمومة والمشوهة والبعيدة عن تقاليد وثقافة وأصالة المجتمع السوري، أو ارتياد المقاهي وتدخين الأركيلة ولعب الشدة أو السهر على شبكات التواصل الاجتماعي وقضاء الليل في الدردشة أو تصفح مواقع منها ما قد يكون غير أخلاقي، وهي معاص يعاقب عليها الله سبحانه وتعالى، فكيف إذا ارتكبت في الشهر الفضيل؟ وغيرها من وسائل التسلية والترفيه، متجاهلين تماماً قدسية الشهر الكريم وواجباته المفروضة على المسلمين، أما عن تلاشي ظهور المسحر، فتحدث الحكيم  عن أن مهنة المسحر قديماً كانت مهنة وراثية يتوارثها الابن عن الأب ويكون من سكان الحي الأصليين والمعروفين، ويكون على علم ودراية بكل سكان الحي، فينادي أثناء جولته على المنازل بالأسماء لإيقاظهم على السحور، وكان البعض يكرم المسحر بإعطائه طعام سحوره، بمثابة شكر له لما يقوم به من فعل خير، أما اليوم مع وجود المنبهات، فقد تم الاستغناء عن المسحر، ومن ناحية أخرى لم تعد تلك المهنة محافظة على أصالتها، وقد امتهنها اليوم بعض الناس طلباً للرزق فقط.