حلبي من الداخل: لماذا كل هذا الضخ الإعلامي؟!

حلبي من الداخل: لماذا كل هذا الضخ الإعلامي؟!

أخبار سورية

الاثنين، ٢ مايو ٢٠١٦

محمد حبش
لم أخرج من حلب طوال سنوات الحرب الماضية، وعاصرت كل أزماتها (ماء وكهرباء ونقل ومحروقات واتصالات وطعام.. إلخ)، وحصاراتها ومعاركها ولياليها الطويلة. لسان حال الناس في الداخل عندما يشاهدون الصور والهاشتاغات اليوم يقول: عن أي حلب يتحدث هؤلاء؟ لماذا كل هذا التشنج وكأنها أول مرة يحدث تصعيد عسكري يستهدف المدنيين بهذا الشكل؟

خلال السنوات الماضية مرّت على المدينة العديد من المعارك التي كانت تستهدف مقرات أمنية أو محاولة خرق إحدى الجبهات والسيطرة على مناطق سكنية جديدة، وبالفعل تمكنت المعارضة بشكل أو بآخر من السيطرة على جزء من المدينة الذي يُدعى بالجزء الشرقي وبعض الجيوب والنقاط في الجزء الغربي.

أصبح بعدها المشهد مؤلفاً من خطوط جبهات واضحة، وفي هذه الجيوب كانت المعارضة تستخدم التصعيد ضد المدنيين كورقة ضغط بشكل شبه يومي. إجمالاً التصعيد ضد المدنيين كان يأتي في ظروف محددة، إما لتشكيل ضغط سياسي ما، أو قبل مفاوضات، أو عند قرب فرض طوق ومحاصرة وإلى ما هنالك.

استهداف المدنيين أمر سهل للغاية؛ لأن أسلحة المعارضة عشوائية بطبعها وهي عبارة عن مدافع هاون قصيرة المدى ومدافع تم تطويرها محلياً تستخدم أسطوانات الغاز وغيرها من أوعية معدنية تُحشى بالبارود وقطع الحديد، وأينما ضربتها ستأتي في بيت أحدهم.

شهدت شخصياً عشرات المعارك التي حاولت استهداف والسيطرة على أحد المقرات الأمنية الهامة بالقرب من منطقة جمعية الزهراء، وكانت المعارك تمتد من أول الليل حتى الفجر أو ساعات الصباح الأولى يستخدم فيها شتى أنواع الأسلحة ويتم الدفاع عن المقر بشتى أنواع الأسلحة بدءاً من الرشاشات وصولاً للطائرات.

هذا كان شيئاً شبه روتيني في حلب، لم يكن أحد يتحدث عنه في شبكات التواصل الاجتماعي، لم نشهد هاشتاغاً ولا صورة موحّدة حتى لو كان لونها أبيض كالكفن، على الرغم من تضرر منازل المدنيين ووقوع شهداء في صفوفهم وكأنهم "أضرار جانبية" لمعركة كبرى تجري شاء حظهم العاثر أنهم يسكنون بالقرب من الهدف.

ما الجديد هذه المرة؟ الجديد الوحيد هو استهداف مناطق مدنية جديدة نوعاً ما، كانت تستهدف سابقاً لكن بتواتر أقل، ليس الجديد هو استهداف المدنيين فهذا تكرر مئات المرات، حتى لو كانت النية من القذيفة مكان عسكري ما، فإن عشوائيتها يجعل احتمال إصابتها لهدف مدني أكبر، وهو ما حدث بكثرة بالطبع. لكن الملاحظ أن القذائف أصبحت بمدى أبعد وتستطيع إصابة أماكن مكتظة سكنياً بسبب النزوح الداخلي من مناطق كانت هدفاً سهلاً.

المؤكد أن التصعيد الأخير كان المواطن المدني الضحية الوحيدة والأولى، أكثر من 200 شهيد خلال أيام قليلة، لكن متى كانت لحياة المواطن العربي عموماً قيمة؟ لا أرى أن هذا الضخ الإعلامي والحملة تهدف فعلاً نصرة هذا المواطن الذي يعيش في الداخل والمغلوب على أمره، فلا الهاشتاغات تهمه ويعرف معناها، ولا الألوان الحمراء والصفراء والخضراء.

هافنغتون بوست