لهذه الأسباب تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال.. الإرهاب والفقر والتفكك الأسري وضعف تطبيق التشريعات الناظمة

لهذه الأسباب تفاقمت ظاهرة عمالة الأطفال.. الإرهاب والفقر والتفكك الأسري وضعف تطبيق التشريعات الناظمة

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٠ أبريل ٢٠١٦

لم تنج الطفولة البريئة من تداعيات الحرب الإرهابية التي دمرت كل شيء، فلم يسلم قلب ذاك الطفل وعقله من هول الأحداث الراهنة، فمنهم من تهجر ونزح مع عائلته للبحث عن مكان آمن ومنهم من تشرد.

وخلال سنوات الحرب الخمس بدت ظاهرة عمالة الأطفال تزداد بشكل كبير عما كانت عليه سابقا، فبتنا نرى في كل منطقة بل في كل شارع أو حي أطفالاً يمارسون أعمالاً مختلفة بهدف كسب المال ربما لمساعدة أسرهم في مصروفها بعدما ضاقت الحياة ذرعاً بهم، بينما البعض الآخر من كان حظه الأكثر سوءاً  وبقي في أماكن وجود الإرهابيين  ليكتب له أن يسمع ويرى وربما  تجبره تلك التنظيمات على حمل السلاح ومشاركتها في جرائمها الإرهابية ما أثر سلباً في حياتهم الطفولية كالذي حدث مع الطفل /أحمد /الذي أصيب بحالة عجز حيث فقد النطق نتيجة الخوف الشديد من جراء مشاهدته أعمال العنف بأم العين في إحدى مناطق وجود الإرهابيين التي كان فيها قبل تمكنه وعائلته من الخروج منها، أحمد الذي كان يحصل على المراتب الأولى في مدرسته، لم يعد في مقدوره الآن الذهاب إليها كغيره من أقرانه حيث لا يستطيع أن يقرأ ويتفوق كالسابق.
«تشرين» وفي جولة ميدانية رصدت حالات بعض الأطفال الذين يعملون في سن مبكرة، وماهي الأسباب والدوافع لذلك، وأيضاً الانعكاسات النفسية والاجتماعية عليهم، وأهم الإجراءات المتخذة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية في هذا المضمار.  
طفولة مسلوبة
الطفلة / شهد / ذات الأعوام السبعة والعينين الخضراوين الجميلتين اللتين تملؤهما نظرات حزن بريئة تظهر طفولتها المسلوبة، تجوب شهد شوارع دمشق متنقلة بين منطقة جسر الثورة وشارع الحمراء تبيع علب محارم صغيرة، أخبرتنا أنها لم تسجل في الصف الأول الابتدائي، وأنه لم يتسنَ لها الذهاب للمدرسة كغيرها من الأطفال، وأنها وأخاها يعملان طوال النهار بعد أن أرسلتهما أمهما للعمل لإحضار المال.
بينما الطفل/ محمد / ابن الرابعة عشرة من عمره يعمل في محل لتصليح السيارات بعدد ساعات طويلة -حسب قوله- مقابل أجرة 3 آلاف ليرة أسبوعياً إضافة إلى الشتائم التي يسمعها من رب العمل بين الفينة والأخرى، يتابع محمد أنه لم يتمكن من متابعة دراسته، فهو وأسرته بأمس الحاجة للعمل ما يجعله يتحمل كل تلك الضغوطات التي تمارس بحقه.
قانونياً
وزارة الشؤون الاجتماعية تعد الجهة الأساسية المعنية بمعالجة عمالة الطفل.. فقد أكد محمد مايري المسؤول عن دائرة الدفاع الاجتماعي التي تعنى بمعالجة حالات عمل الأطفال في الوزارة  أن قانون العمل رقم 17 لعام 2010 يمنع تشغيل الأطفال إذ تنص المادة 113 على الآتي: يمنع تشغيل الأحداث من الذكور والإناث قبل إتمام مرحلة التعليم الأساسي وإتمام سن الخامسة عشرة من عمره، وقد أجاز القانون تشغيل  الاحداث في الفئة العمرية من 15 – 18سنة ضمن شروط محددة لحماية  الحدث في هذه المرحلة العمرية،  مشيراً إلى أن عامل الرصد يقع على وزارة العمل ومديرياتها في المحافظات من خلال الجولات التفتيشية على المنشآت والمعامل أو من خلال الشكاوي، كما يعاقب قانون العقوبات السوري في المادة رقم 756 الحبس وبالغرامة كل من يخالف الأنظمة أو القرارات.
الفقر والتفكك
بدورها / ميس عجيب / رئيسة دائرة الأسرة والطفولة في وزارة الشؤون تقول: نتيجة الأحداث الراهنة تغيرت ظروف وبنية الأسرة السورية وأصبح هناك ما يسمى الطفل المعيل لأسرته، مشيرة  إلى أن أهم أسباب ظاهرة عمالة الأطفال هو الفقر والتفكك الأسري وكذلك غياب رب الأسرة أو المعيل الأساس لها لسبب أو لآخر، لذلك لا نستطيع أن نضع القيود الكبيرة على عمالة الأطفال، بل نعمل على تمكين الطفل وبما يتناسب مع قدراته الجسدية والعقلية.
وهذا ما أكده أكرم القش مدير المعهد العالي للدراسات السكانية ودكتور علم الاجتماع، فعمالة الأطفال مترافقة مع الضغط المعيشي للأسرة حيث تركت بعض الأسر أماكن استقرارها، وبعضها الآخر هاجر وتفكك ، إذاً تلك العوامل مجتمعة  أدت إلى عمالة الأطفال، موضحاً أنّ المشكلة الأهم تكمن بنوعية العمل الذي يمارسه الطفل من هنا تجب حماية الطفل من العمالة السيئة خاصة ممن هم تحت سن 15 سنة، أي ضمن سن التعليم الإلزامي، فعندما يدخل  هؤلاء الأطفال إلى سوق العمل مبكراً وحين يبلغ سن 25 من عمره سيؤدي ذلك حتماً إلى خلق  جيل غير متعلم أو مدرب .
النظرية الاقتصادية
للاقتصاديين رأيهم الخاص في تفسير الظواهر الاقتصادية والاجتماعية  التي تحدث في الأزمات
هيثم عيسى دكتور في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق أوضح أن النظرية الاقتصادية بالنسبة لعمل الأطفال تقول إن اتجاه مصدر الدخل ضمن الأسرة يحدد عدد الأطفال الذين تنجبهم الأسرة وطبيعة الأنشطة التي يقوم بها، فهناك اتجاهان الأول عمل الآباء تجاه الأسرة والآخر عمل الأبناء والآباء تجاه الأسرة، مشيراً إلى أنّ دخول الأطفال إلى سوق العمل في البلدان النامية سهل جداً، حيث يصبح الطفل مصدر دخل الأسرة بسبب سهولة مزاولة عمله من قبل أصحاب العمل نتيجة تدني أجورهم.
وأشار عيسى إلى أنه في فترة الأزمات تقل فرص العمل لدى الجميع فقد يتوفى  بعض العاملين، والبعض الآخر يترك العمل نتيجة إصابة ما أو إغلاق المنشأة التي كان يعمل فيها، من جهة أخرى تزداد تكاليف المعيشة بسبب ارتفاع الأسعار لذلك تعتمد الأسرة على الطفل بسبب الاعتياد والاستسهال كبيعه علب المحارم مثلاً، لكن ما نلاحظه  أنه وبعد تحسن الوضع المعيشي للأسرة  فإنها لا تتخلى عن عمل طفلها في كثير من الأحيان.
ليست في مستوى واحد
أما الدكتور القش فقد أوضح أن العمالة ليست على مستوى واحد في كل المحافظات وليست بحجم الضرر نفسه، فمثلا دمشق، تعد ضمن المناطق الآمنة، لذلك فإن نسبة عمالة الأطفال محدودة حيث تنحصر في التسول، أما بالنسبة للمناطق غير الآمنة فهي تعد ظاهرة خطيرة حيث تعمل المجموعات الإرهابية على تجنيد الأطفال واستغلالهم في الأعمال القتالية واللوجستية، مبيناً أن المسألة الأكثر خطورة تكمن في مناطق اللجوء حيث يتم استغلال الطفل في الأعمال المجهدة وغير المناسبة وبأجور متدنية، مضيفاً أن  الظروف المصاحبة لسوء الحال هو العنف – التحرش الجنسي واللفظي من قبل رب العمل التي تؤثر سلباً  في شخصية الطفل مستقبلاً فقد يصبح  أقرب للانحراف السلوكي حيث تؤثر هذه العملية في شخصيته بالدرجة الأولى ومن ثم في أسرته ومجتمعه ككل. 
انعكاسات نفسية
في حين بيّن الدكتور هيثم علي الرئيس الفخري لرابطة الطب النفسي الانعكاسات  النفسية لعمالة الأطفال ولاسيما الموجودين في الأماكن الساخنة ويمارسون أعمالاً لا تناسب طفولتهم، لذلك لا يمكن لهذا الطفل في المستقبل أن يكون طفلاً مستقراً أو ناضجاً بسبب عدم وجود أصول التربية الصحيحة فهو يفتقد  وجود بيئة آمنة ومسالمة له، من هنا نقول إن الطفل الموجود في المناطق المتوترة أمنياً يتربى على مقومات القوة والأذى، لا على القيم الإنسانية ليفقد بذلك  الأسرة – المدرسة..  ويجد نفسه قادراً ومستعداً لأن يقتل ويذبح، مؤكداً أن الأطفال تابع سهل ممكن استخدامهم بطرق مختلفة حيث يجسد لهم الإرهابيون  أنه  إذا قام بتفجير عبوة ناسفة مثلاً فهذا يعد عملاً بطولياً ويكبر به أمام الناس.
حالات
الدكتور علي شددّ على خطورة تواجد الطفل في أماكن يتواجد فيها الإرهاب،  مستعرضاً حالات أدت بالطفل إلى الشلل، إضافة إلى حالات تسمى اضطراب تحويل ثان يصاب بهستيريا ربما يفقد يده - رجله وآخر فقد  حاسة السمع لأنه يعبر عن الرفض لهذا الشي الذي بداخله لكن لا يستطيع أن يفعل شيئاً، لافتاً إلى أن البعض أصيب  بحالات العزلة – الانكماش  – البكاء المستمر، وكذلك عدم القدرة على الاختلاط – العدوانية مع الإخوة الأصغر، مؤكداً أن أخطر ما يتعرض له الطفل في مناطق تواجد الإرهابيين هو الاعتداءات الجنسية لدرجة أن بعض الأطفال أصبحوا يمارسون هذا العمل ضمن أسرهم سواء كان بإغرائهم، ربما بالمال أو من خلال الضغط عليهم،  والسبب يعود لعدم وجود قانون يحميهم هناك ، مؤكداً  أنّ تلك الحالات تم رصدها  من الأسر التي لجأت إلى الدولة بعد أن هربت من المناطق الساخنة، وكشف علي أن هذه الحالة من الاعتداء الجنسي تتحول عند الطفل إلى التمثل بالحالة أي أن الطفل يبدأ بتعلم هذا الأسلوب لعوامل أهمها دافع الانتقام والحقد، إضافة إلى وجود  حالات فصام الطفولة التي نسبتها عالميا ثابتة تتراوح بين 1- 3 % بينما نرى هذه النسبة تزداد نتيجة الأحداث الراهنة، علماً أن آخر إحصائية كشفت عن وجود 10% من المجتمع السوري لديه إعاقة جسدية نتيجة الحرب الإرهابية ترافقها إعاقة نفسية بالتأكيد أي ما يعادل 2- 3 ملايين إعاقة جسدية ونفسية.
من جهته الدكتور عيسى أشار إلى الأسباب التي تساعد على وجود عمالة الأطفال في سورية المتمثلة بضعف التشريعات والقوانين الناظمة لعمل الأطفال أو عدم تطبيقها بشكل صحيح، مضيفاً أنّ الطفل مشروع استثمار، فالذي يتلقى منهم تعليمه بشكل طبيعي في المدرسة والأسرة ويتربى بطرق صحيحة لحين يكبر فإنه بذلك يدخل سوق العمل بشكل جيد، بينما الطفل الذي يتربى على مبادئ وطرق خاطئة  حتماً سيكون فاشلاً في المستقبل، وتكون هناك ردود أفعال نفسية وجسدية وخسارة اقتصادية أيضاً لأن الأسرة والدولة تعلم الطفل وتنفق عليه لكنه لا  يعطي النتائج المرجوة منه، إذاً  بالمعنى الاقتصادي أي إصابة نفسية أو جسدية تعوق دخول الطفل للعمل مستقبلاً بشكله الصحيح يعد خسارة اقتصادية للأسرة والدولة بشكل عام
معالجة الفقر
من جانب آخر،  تقول ميساء ميداني مديرة الخدمات الاجتماعية: بما أن السبب الأساس لعمالة الطفل هو الفقر والتفكك الأسري فقد بدأت الوزارة بالعمل على دراسة حالة الأسرة والتفكير بالبحث عن فرصة عمل للأم مثلاً  لكي تمنع طفلها من العمل وهنا العمالة تشمل الذكور والإناث، لافتةً إلى أنّ الوزارة لديها قوى فاعلة لمعالجة حالات الفقر، أهمها الجمعيات الخيرية أو الأهلية التي هي ذراع الوزارة لتقديم شريك وأيضا لتقديم التدريب وفرصة العمل، حالياً هناك مشروع مع غرفة صناعة دمشق أبدت الغرفة خلاله رغبتها باستقبال طلبات العمل بهدف إيجاد فرص عمل لمعيل الأسرة من الكبار عند الصناعيين، وقد ركزت الوزارة في برنامجها على النساء وهنا الحديث عن فرص عمل بالقطاع الخاص وليس العام  ولا سيما المشاريع الصغيرة والمعول عليها كثيراً في الفترات القادمة فهي أفضل من تقدم الاستقرار الاقتصادي  لأي بلد إضافة إلى وجود جهات داعمة تضع استراتيجيات لدعم تلك المشاريع المتناهية الصغر، وهناك أيضاً الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية والذي سيكون مركزاً لدعم التدريب والمشاريع الصغيرة.
قانون للرعاية البديلة
المسؤول عن دائرة الدفاع الاجتماعي في وزارة الشؤون كشف عن وجود قانون للرعاية البديلة قيد الإصدار يشمل عمالة الأطفال، وفي حال تم إعداده ووضعه في حيز التنفيذ،فإنّ الوزارة تستطيع أن تقدم للأطفال برامج ومراكز تأهيل ورعاية اجتماعية وفق إجراءات معينة مثلا الطفل الذي يعمل ضمن أسرته فإنه يمكن عبر الجمعيات الأهلية أو الوزارة معرفة فيما إذا كانت الأسرة محتاجة مادياً وتقديم معونة لها بهدف منع طفلها من العمل، أما إذا بقيت الأسرة تشغل الطفل فيحق للوزارة سحب هذا الطفل من أسرته ووضعه في مؤسسة رعاية اجتماعية بمعايير وإجراءات معينة .
خطة إسعافية لحماية الطفل 
من جهتها ميداني أكدت وجود  خطة إسعافية وضعت من قبل الوزارة لحماية الطفل بالتعاون مع الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان حيث أعدت دراسة رصد وابلاغ وادارة لتسع حالات حماية الطفل، وقد بدأت الوزارة تطبيقها منذ بداية هذا العام، وأهم تلك الحالات  حماية الطفل من الاعتداء الجسدي – الجنسي – العنف -الاتجار – العمالة- التسرب، لافتة إلى أن الوزارة تتابع مع وزارة العمل وبقية الوزارات البرامج التي تحد من ظاهرة عمالة الطفل من خلال تفعيل القوانين العاملة بالاتجاه التنفيذي فليس من المعقول أن تفرض غرامة 500 ليرة على الأب الذي يحرم ابنه من التعليم في المدرسة، وحتى على صاحب العمل غرامة 25 أو 50 ألف ليرة، فهذا مبلغ قليل جداً ولا سيما في الظروف الراهنة..  في حين أشار الرئيس الفخري لرابطة الطب النفسي إلى ضرورة دعم الأسرة والتخفيف عنها – اقتصادياً وأمنياً واجتماعياً- من قبل الحكومة والمجتمع الأهلي حتى تستطيع مواجهة الحرب وأيضاً الاستمرار في الحياة، لأنّ إرادة الموت لن تنتصر على إرادة الحياة.
التعقب الأسري
بدورها رئيسة دائرة الأسرة والطفولة في وزارة الشؤون أشارت إلى وجود ملفات خلقت نتيجة الحرب الإرهابية ولم تكن موجودة سابقاً منها برنامج التعقب الأسري ولم الشمل (المنفصلين عن ذويهم)، لافتة إلى أنّ هذا البرنامج تمّ بالتعاون  مع اليونيسيف وكانت باكورة نتائجه  في محافظة حمص حيث تم التعرف على  48 أسرة لأطفال فقدوا ذويهم، علماً بأن الأولوية للأب والأم، وفي حال تعذر إيجادهم فهناك الجد والجدة، وأنّ تلك الحالات تحدث نتيجة تفجير إرهابي أو تهجير مفاجئ أثناء دخول الإرهابيين إلى منطقة أوقرية مؤكدة أنه وصل إلى دمشق وإلى محافظات أخرى حالات كثيرة مشابهة لما حدث في حمص وتعمل الوزارة جاهدة على إيجاد ذوي بقية الأطفال، بأساليب مختلفة منها تخصيص صفحة على الفيس بوك، من أجل سهولة تواصل الناس مع بعضهم، كما صممت الوزارة استمارة بالتعاون مع منظمة اليونيسيف والهيئة السورية لشؤون الأسرة، وتحتوي هذه الاستمارة على معلومات عن الطفل وأيضاً عن الأسرة  التي وجدته بهدف توثيق الحالة.