ما مصيـر الزوجات بعد فقد أزواجهن؟ .. القاضي الشرعي الأول بدمشق: إصدار 25 وثيقة فقد شـهرياً

ما مصيـر الزوجات بعد فقد أزواجهن؟ .. القاضي الشرعي الأول بدمشق: إصدار 25 وثيقة فقد شـهرياً

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٩ أبريل ٢٠١٦

قد يغيب الزوج عن زوجته بسبب الخطف أو الفقد أو ما شابه، وتبقى الزوجة طوال غياب الزوج بين مطرقة الوحدة وسندان الانتظار، تمر عليها الشهور وربما السنون ولا تعلم عن زوجها شيئاً، فإما أن تنتظره أو تتحايل على القانون كي تحصل على التفريق وتتزوج من آخر!

حالات زواج زوجات المفقودين قبل مرور أربع سنوات على فقدان الزوج الأول وقبل صدور حكم قطعي باعتباره ميتاً وانتهاء العدة، أمر خطير وفقاً للقاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي الذي يخشى أن تكثر دعاوى تثبيت الزواج بعقود عرفية تعد باطلة أو فاسدة بحكم القانون وما يترتب عليها من ضياع لحقوق الزوجات ونسب الأطفال. فما حكم القانون في هذه الحالات، وما حكم الشرع، وما وجهة النظر الاجتماعية، وهل يبرر المجتمع للزوجة التي تتزوج عندما تفقد زوجها؟
أين أولادي!
جاءت هند مع زوجها إلى المحكمة الشرعية بدمشق وطلبت الإذن لها بالسفر مع ولديها القاصرين بموافقة والدهما الحاضر معها, وبعد التأكد من شخصية الأبوين تم إعطاؤها الإذن المطلوب بعد أخذ موافقة الأب, وبعد حوالي شهر جاء شخص إلى المحكمة يسأل كيف سافر ولداه القاصران من دون موافقته ؟
يقول المعراوي: بعد التدقيق في شكواه تبين أن مطلقته قامت بالاتفاق مع شخص آخر بإجراء معاملة تثبيت زواج وتثبيت نسب الطفلين المذكورين منه بموجب شهادتي ولادة مزورتين ثم استحصلت على إذن سفر لولديها بموافقة والدهما المزعوم!
يضيف المعراوي أن عدد أذونات السفر في المحكمة الشرعية يزيد على الألف حالة يومياً, ويحدث أحياناً أن تأتي الزوجة بشاهدي زور على أن زوجها مفقود وبعد أن تسافر مع أولادها يأتي الأب إلى المحكمة ليسأل كيف سافر أولاده من دون علمه وموافقته؟!
تبرر الدكتورة في علم الاجتماع آرليت القاضي للمرأة التي تحتال من أجل مصلحتها بالقول: نجد في بعض الحالات الاجتماعية أن المرأة هي «الشريرة» والتي تحايلت على القانون بأسلوبها لأنها لم تجد من يساندها، لأنها مستضعفة، وضحية لمجتمعها ولأسرتها أيضاً وما نراه من تفشي قصص تعدد الأزواج، والزواج العرفي وغيره من القضايا ماهو إلا من مفرزات الأزمة التي تعد أزمة أخلاق وضمير.
والدليل على ذلك قصة أم ماهر التي استطاع زوجها الخروج من الغوطة، وفوجئ بأن زوجته استحصلت على حكم قضائي بوفاته استناداً إلى شاهدي زور, وأنها قد تزوجت من غيره رغم أنه كان يتواصل معها هاتفياً كلما سنحت له الفرصة بذلك. وهنا يؤكد المعراوي أنه حكم على نحو 18حالة بوفاة الزوج المفقود ثم تبين أنه على قيد الحياة وإنه عاد ليسأل عن مصير زوجته وأولاده وأمواله!
انتشار فتاوى مشايخ الفتنة
أتت أم كمال من منطقة بلودان إلى المحكمة الشرعية تسأل عن صحة الفتوى التي أخبرها بها شقيق زوجها المخطوف عندما طلب الزواج منها «وبأنه بعد مرور سنة على خطف زوجها تصبح بحكم المطلقة منه ويجيز لها الزواج من غيره», وأنه علم بهذه الفتوى من ما يسمى «الهيئة الشرعية» في بلودان، أكد لها القاضي الشرعي بدمشق عدم صحة الفتوى لأن القاضي هو الذي يحكم على المفقود بأنه متوفٍ.
أما أم مروان من دير الزور فتريد عقد زواجها على رجل يرافقها وبعد إعطائها الإذن بالزواج وأثناء شروع المأذون بكتابة العقد اكتشف من خلال كلامها أنها متزوجة, ولما استجوبها القاضي الشرعي بدمشق اعترفت بأنها متزوجة وأن زوجها مفقود منذ أكثر من سنة وأن أحد «المشايخ» هناك أفتى لها بأنها تعد مطلقة وأنها تستطيع أن تتزوج من غيره فاستغلت عدم تسجيل زواجها الأول في قيود السجل المدني نتيجة الأوضاع السائدة هناك وجاءت لتتزوج من شخص آخر, وطبعاً رفضت المحكمة تزويجها.
لا تتصف بالشرعية
حذّر القاضي الشرعي الأول في دمشق محمود المعراوي من الأخذ بفتاوى مشايخ الفتنة أو ما يسمى «الهيئات الشرعية» حيث يفتون بطلاق من فقدت زوجها بعد مرور أربعة أشهر أو سنة على غياب الزوج, ويبيحون لها الزواج من شخص آخر مباشرة ومن دون حاجة إلى انتظار مدة العدة بحجة أن مدة غيابه استغرقت مدة العدة، وأكد المعراوي أن القاعدة الفقهية التي أقرها جميع الفقهاء تقضي بأن «أي امرأة فقدت زوجها ثم تزوجت قبل انقضاء أربع سنوات على غيابه وقبل صدور حكم قطعي باعتبار المفقود ميتاً فإن زواجها يعد فاسداً وتعد آثمة وقد تتعرض لعقوبة «التزاني».
من جهته الدكتور محمد توفيق رمضان البوطي عميد كلية الشريعة بين أن ما يسمى «الهيئة الشرعية» في المناطق الساخنة التي تصدر الفتاوى لا تتصف بالشرعية، ومن ثم فلا يعتد بحكمها، متسائلاً: كيف ذلك ووجودهم غير شرعي بالأساس وأحكامهم غير شرعية؟ وعدّ البوطي أن الإرهابيين هم قطاع طرق لا أكثر، فهم من يستبيح أعراض الناس ويريق دم الأبرياء، وقال: إن ما نراه اليوم من مشكلات مجتمعية هو إحدى مفرزات الأزمة التي وقعت نتيجة مخطط خارجي هدفه تكفيري.
أضاف المعراوي أن ما يسمى «الهيئات الشرعية» المنتشرة في المناطق الساخنة غير معترف بها شرعاً وقانوناً، وأن الفتاوى الصادرة عنها مخالفة للدين, وأنها غالباً ما تصدر عن جهل بالدين، ويوماً ما سيحاسب القانون مشايخ الفتنة، وأكد أن قانون الأحوال الشخصية السوري مأخوذ من الشرع والفقه الإسلامي الحقيقي.
«امرأة ابتليت فلتصبر»
تتباين الآراء الاجتماعية بشأن تقرير مصير زوجة المفقود، إن أرادت التخلي عن زوجها والزواج من آخر، يشير سماحة مفتي دمشق الدكتور عبد الفتاح البزم إلى أن حالة غياب الزوج عن الزوجة من الحالات الشائعة وخاصة في هذه الظروف نتيجة الحرب على بلادنا، وبين أن كثيراً من النساء تراجعنه في طلب الفتوى بسبب فقد زوجها أو غيابه طويلا ً فكان وما زال يدعوها للصبر كما جاء على لسان بعض العلماء «امرأة ابتليت فلتصبر»، وفي حال صبرها وعد الله الصابرين بثواب كبير قال تعالى : «إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب».
 إلا أن بعض النساء قد ينفد صبرها أو ترى من نفسها حاجة ماسة للوصول إلى ما ينهي معاناتها يفتيها بما جاء في المذهب المالكي من أن سقف فقد الزوج أربع سنوات، ويرى سماحة المفتي أن صبر المرأة على فقد زوجها أو غيابه هو من أولويات تحصين الأسرة من التفكك.. فميثاق الزواج وصفه الله في كتابه العزيز بأنه «ميثاق غليظ» أي وثيق الصلة بين الزوجين.
أما الدكتورة في علم الاجتماع آرليت القاضي فترى أن من حق زوجة المفقود أو الغائب أن تقرر مصير حياتها، وتختار من ستكمل معه عمرها، حتى وإن كان خيارها أن تنتظر زوجها فهي أقدر على معرفة ما تمر فيه من ظروف نفسية وضغوط اجتماعية قد تجعلها تطلب الانفصال عن زوجها للزواج من آخر، وعوّلت القاضي على أهمية أن تكون المرأة متصالحة مع نفسها أولاً ثم مع مجتمعها تالياً وخاصة إن كانت تحمل مسؤولية الأبناء وإن اختارت الزواج فعليها ألا تكون مجبرة على ذلك من قبل الأهل، وإن الشرع والقانون قد وقفا مع المرأة وحللا لها أن تطلب الطلاق وتتزوج، وترى أن المشكلة في نظرة المجتمع لها وليس في القانون أو الشرع، فالمرأة ليست نصف المجتمع وحسب بل روحه وحركته وديمومته.
وكيل قضائي عنه
أكد القاضي الشرعي الأول المعراوي أن هناك أعداداً لا بأس بها من المفقودين لم يعرف مصيرهم بعد، وإن المحكمة الشرعية في دمشق تصدر نحو 25 وثيقة مفقود شهرياً وتعيين وكيل قضائي عن المفقود لكي يدير شؤون أسرته بما يحقق مصلحتها وذلك بإشراف القاضي الشرعي من أجل الإنفاق على أسرته, أو شراء بيت لزوجته وأولاده وخاصة في هذه الظروف الاستثنائية.
هل هي خيانة ؟
بعد أن استلم سامر هوية شقيقه وشهادة وفاته وقام بتسجيل الوفاة في السجل المدني، تزوج من زوجة شقيقه بعد انتهاء عدتها وذلك حرصاً على أن يبقى أولادها في كنفه, ثم سافر معها, وبعد حوالي سنة فوجئ بعودة شقيقه فأخذ يسأل عن حكم زواجه، وفي هذه الحالة يقول المعراوي: إن الزواج الثاني صحيح مادام أنهما يجهلان مصير حياته، وإذا أرادت الزوجة العودة لزوجها الأول فعليها أن تطلب الطلاق, وبعد انتهاء عدتها تعود لزوجها الأول بعقد جديد.
أما حنان فلم تصلها عن زوجها أي معلومة منذ ثلاث سنوات، منذ ذلك الحين وهي تقبع وحيدة تنتظره، إلى أن تعرفت إلى رجل أراد أن يتقرب منها للزواج، رفض أهل حنان فكرة الزواج وزوجها لم يعرف مصيره بعد.
أما رؤى فحالها مختلفة ذهب زوجها بعد زواجهما بأسبوع، وقررت أ ن تسافر مع أهلها خارجاً لذا طلبت التفريق من المحكمة ولا تريد أن تنتظر أربع سنوات فزوجها منذ عامين لم تعرف عنه شيئاً.
من جهته بين د. البوطي أنه كثر في الآونة الأخيرة عدد المفقودين وتركوا زوجات يعشن في صراع بين أنفسهن والمجتمع، هل ينتظرن أزواجهن أو يطلبن الانفصال؟ ويرى أن الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها وهو يدافع عن الأرض والعرض هي خيانة للزوج والوطن ولا مبرر لها، أما إن كانت هناك أسباب أخرى كعدم توافر النفقة الزوجية فهذا أمر آخر، وأضاف: على زوجة الجندي في هذه الفترة أن تقدر تضحيات أفراد الجيش العربي السوري حفاظاً على الوطن ولو على حساب حياتهم الزوجية وحاجاتهم المعيشية.
رفعاً للضرر
إن إجراءات التفريق تحتاج وقتاً من ستة أشهر إلى عام حتى تأخذ الزوجة حكم التفريق، أما إذا آثرت الزوجة البقاء على عصمة زوجها أملاً بعودته فإن الحياة الزوجية تبقى مستمرة إلى حين عودته أو الحكم بوفاته حقيقةً أو حكماً.
وهنا يقول سماحة مفتي دمشق الدكتور عبد الفتاح البزم: إذا ما تعرضت المرأة لمغريات الدنيا وأرادت أن تعف نفسها عن الحرام ووجدت الضرورة من الزواج فعليها أن ترفع أمرها للمحاكم الشرعية ليتم التفريق بينها وبين زوجها المفقود من قبل القاضي الشرعي رفعاً للضرر عنها بعد أن يدرس القاضي أمرها عندها يقضي بالتفريق بينهما وفي هذا نحمي المرأة من دفع ضريبة المعاناة وحدها أو المخالفة القانونية والشرعية، وبذلك نحافظ على الأسرة القديمة والأسرة التي تنشأ من جديد شرعاً وقانوناً حسب سماحة المفتي.
لجان للبحث في قضاياهم
اقترح د. البوطي أن تكون هناك لجنة تلتزم بالأحكام الشرعية وأن تقوم جهة قضائية بالبحث بشؤون المفقودين لكي يتم صدور الأحكام بشأن مصير الزوجة بناء على نتائج بحثها.
ونتيجة تساؤل قضاة الشرع في المحافظات عن آلية التعامل مع المفقودين بيّن القاضي معراوي أن وزارة العدل شكلت لجنة قانونية مهمتها دراسة آلية معالجة حالات الفقد التي مضى عليها أكثر من أربع سنوات وهي المدة القانونية لإصدار حكم شرعي بوفاتهم وفق المادة 205 من قانون الأحوال الشخصية, يترأس اللجنة القاضي الشرعي الأول بدمشق وعضوان من وزارتي العدل والدفاع.