ما زالت تعاني من واقع التهميش المتعمد اجتماعياً..  العاملات الزراعيات شقاء متواصل واستغلال

ما زالت تعاني من واقع التهميش المتعمد اجتماعياً.. العاملات الزراعيات شقاء متواصل واستغلال

أخبار سورية

الاثنين، ١٨ أبريل ٢٠١٦

على الرغم مما تبذله المرأة من جهود مضنية بالمشاركة والتشارك مع الرجل في الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بل وتفوقه في بعض الميادين، إلا أنها ما زالت تعاني من واقع التهميش المتعمد اجتماعياً، والمكرس عبر النظرة الدونية والتمييز، مع الحرمان من الكثير من الحقوق، بما في ذلك بعض الحقوق الإنسانية.
ولعل ذلك يتجلى بشكل جلي ومباشر أكثر من خلال تلك الشريحة من النساء العاملات في المجال الزراعي بشكل خاص، حيث تعتمد الكثير من أريافنا وقرانا على هذا الإنتاج، ويعتبر الإنتاج الزراعي لدينا من مقومات الاقتصاد الوطني وذلك لكبر المساحات الزراعية المروية والبعل، وتنوع وتعدد المحاصيل، وكثرة الأيدي العاملة فيه، والأسر التي تعتاش من خلفه.
تمييز وتحرش
حيث تعاني المرأة العاملة في المجال الزراعي من أبشع أشكال الاستغلال والتمييز، إن كان على مستوى الأجور التي يتقاضينها، أم على مستوى التمييز في العمل بينهن وبين العاملين من الذكور، أو على مستوى التداعيات المرتبطة بالعمل وظروفه، وخاصة ناحية التعرض للمضايقات والتحرش الجنسي المباشر، وقد ازدادت تلك المعاناة بظروفنا الراهنة نتيجة النقص الكبير في الأيدي الزراعية العاملة من الذكور، بسبب الحرب والأزمة والهجرة وغيرها، مما عزز من استخدام اليد العاملة النسائية في هذا المجال، مع الكثير من أوجه الاستغلال المباشر من قبل مالكي الأراضي وغيرهم لهؤلاء النسوة.
بعض العاملات في المجال الزراعي يضطررن إلى التنقل لمسافات طويلة، بين منازلهن، ومواقع العمل في الحقول والمزارع، أو في المنشآت التابعة لهذا الإنتاج، مما يعرضهن في البداية إلى المضايقات في وسائط النقل، والتي غالباً ما تكون شاحنات صغيرة أو متوسطة، وخاصة من قبل السائقين، الذين يتعمدون أحياناً إلى نقل أكبر عدد ممكن من أجل خلق الازدحام الذي يؤدي إلى استمرارهن بالوقوف طيلة المسافة، إضافة إلى المناورات التي يقوم بها هذا السائق لتهتز الشاحنة يمنة ويسرة مع من فيها من عاملات، بغية ترقب نظرة افتراسية لأجسادهن المتمايلة مع الشاحنة، مع ما يرافق هذا السلوك الأرعن من إمكانية وقوع حوادث يتعرضن خلالها للإصابات والأضرار الجسدية، وأحياناً الوفاة، ناهيك عن التحرش اللفظي المباشر وأحياناً التلامس الجسدي الوقح، الأمر الذي تخفيه النساء غالباً، خشية الافتضاح في مجتمع ذكوري ثأري.
حقوق مهدورة
العاملات في هذا المجال لا حقوق لهن ولا ضمانات، حيث لا عقود ولا تأمينات ولا تعويضات مخاطر، أو غيرها من الحقوق الأخرى العديدة، خاصة وأن العمل بالمجال الزراعي يعني التعرض للأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية، بالإضافة إلى التعرض لأنواء متغيرات الطقس حسب المواسم، بين الحار أو البارد، ما يعني المزيد من الأعباء والمعاناة والمخاطر.
هذه الظروف من العمل تجعل منه عملاً موسمياً، وبالتالي فإن الأجر يكون مرتبطاً بالموسم، وغالباً ما يكون يومياً أو أسبوعياً، ما يعني القطع الدائم مع أية إمكانية لقوننة العمل، بما في ذلك موضوع الأجر والتعويضات، أو الزيادات، حيث تكون الأجور رهناً بسياسة العرض والطلب، واستغلال ظروف حاجة النساء للعمل، مع متغيرات طبيعة الأعمال التي يمكن أن يوكلن بها، اعتباراً من جني المحاصيل، مروراً بالتعشيب أو نقل المحاصيل، وليس انتهاءً بأعمال الحراثة في بعض الأحيان، والتي جميعها تعتبر من الأعمال الشاقة، حتى على الرجال، وجل تلك الأمور تجعل من إمكانية الاستغلال تصل لحدود أشكال الاستعباد أحياناً من قبل مالكي الأراضي، أو المستثمرين والضامنين للمحاصيل، وغيرهم العديد من التجار والسماسرة، الذين يتلاعبون ويستغلون حاجات المرأة، كما الرجل، لدخل يعينهم على تحمل مغبة شظف العيش والغلاء وتأمين مستلزمات وضرورات الحياة، التي باتت صعبة المنال.
مرض ومكابرة
غالباً ما تتعرضن المشتغلات بالعمل الزراعي إلى جملة من الأمراض، وذلك مرتبط بطبيعة الأعمال الموكولة إليهن، وظروف بيئة هذا العمل، ومن هذه الأمراض على سبيل المثال: التهاب المفاصل وهشاشة العظام والأمراض الجلدية والتحسسية وغيرها، بالإضافة إلى بعض حالات الاجهاض المرتبطة بالإجهاد المتواصل والشاق، مع ما يعنيه ذلك من تكبدهن لأجور العلاج والدواء، وأحياناً التعطل عن العمل دون تعويض أو بدل.
على ذلك فإن غالبية العاملات يكابرن على معناتهن وآلامهن، خاصة وأن أعمالهن ذات طبيعة موسمية، وبالتالي يخفن من فقدان العمل، حتى وإن وصلن لحالات حرجة أحياناً يمكن أن تضطر إحداهن لمعاودة المشفى من بعدها.
الوصاية الذكورية هي الفاعلة
ما يزيد من بؤس هؤلاء، هو حرمانهن من أدنى حقوقهن الإنسانية، بظل واقع التمييز الاجتماعي الموروث، والمتمثل بالنظرة الدونية للمرأة بشكل عام، حتى أن بعضهن يعملن طيلة الموسم ولا يتقاضين أجراً، بل يتقاضى الأجر نيابة عنهن إما آبائهن أو أزواجهن، أو أي رجل يعتبر وصياً عليهن، حسب هذا الموروث، المتمثل بسيادة الرجل على المرأة.
حتى تلك النسوة اللائي يعملن في حقول أو مزارع ذويهن، آباء أو أزواج أو إخوة، لم يجنين إنصافاً أكثر، بل على العكس، فإذا كانت العاملات يتقاضين أجراً، فإن أولائك يعملن دون أجر، بل ولساعات عمل أطول، وجهد أكبر.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا العمل وتلك الجهود الشاقة والمضنية المبذولة من العاملات بالمجال الزراعي، لا تعني غض النظر عن واجباتهن المنزلية، من أعمال التنظيف والطبخ ورعاية الأطفال وغيرها الكثير، وبالتالي فإن حياة هؤلاء النسوة يمكن اختصارها بمفردة الشقاء المتواصل، حيث لا راحة ولا حقوق، بل ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى التنكر والنكران، حيث تحرم بعض المجتمعات الريفية المرأة من ميراثها أيضاً.
مجتمعات متشابهة
ما تم سرده أعلاه عن واقع المعاناة المستمرة للمرأة العاملة في مجال الإنتاج الزراعي، يمكن تعميمه على كافة المجتمعات المشابهة في منطقتنا عموماً، ولعل عاملات الإنتاج الزراعي في مجتمعاتنا بشكل عام هن من سيفتحن باب إعادة النظر بالكثير من الموروثات الاجتماعية بعاداتها وتقاليدها، والتي حطت من شأنهن عملياً، على الرغم من دورهن الكبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، مما سيدفعهن إن عاجلاً أم آجلاً للبحث عن سبل خلاصهن.
كما أـن واقع هذه المعاناة والمشقة المزمنة التي يعشنها يجب أن تدفع باتجاه إعادة النظر بالعديد من القوانين والتشريعات، ولعل أهم ما يجب أن يتم العمل والسعي من أجله هو معالجة المسببات الحقيقية لواقع الاستغلال والإجحاف التي عبرها ومن خلالها يتعرضن هؤلاء النسوة لهذا الاستغلال، وذلك بمعالجة واقع الاستغلال العام وأسبابه المباشرة وغير المباشرة، التي يكون ضحيتها أفراد المجتمع كافة ذكوراً وإناثاً، وتلك الشرائح الاجتماعية المستفيدة بشكل مباشر من تكريس هذا الاستغلال مع مخلفات مجتمعاتنا من الموروث التمييزي كذلك الأمر، دون أن ننفي أهمية دور المنظمات والمؤسسات المعنية بالمرأة وسبل تطوير مهاراتها وإمكاناتها لتكون قادرة على المطالبة بحقوقها والحفاظ عليها.
سيرياستيبس- قاسيون