رؤية ” أهل الكار” لأقصر سبل استدراك أضرار القطاع الرزاعي بدائل اقتصادية بعائدات مجزية . . ونشاط مكثف لترميم ما خربه الإرهاب

رؤية ” أهل الكار” لأقصر سبل استدراك أضرار القطاع الرزاعي بدائل اقتصادية بعائدات مجزية . . ونشاط مكثف لترميم ما خربه الإرهاب

أخبار سورية

الثلاثاء، ١٢ أبريل ٢٠١٦

تنبىء ظاهرة ترك الكثير من الفلاحين والمزارعين أراضيهم، واستبدال عملهم الأساسي بأشغال أخرى، عن سوء وضع القطاع الزراعي في سورية خلال الأزمة، والحجم الكبير من الأضرار والتخريب نتيجة الأعمال الإرهابية، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية التي أثّرت على إنتاجهم، وهددت استقرارهم، فتوجّه معظمهم إلى قطاع الخدمات والأعمال الحرة ابتغاء مصادر رزق آمنة من الهزات الاقتصادية، والآثار السلبية، وبذلك تكون خسارة القطاع الزراعي مضاعفة لغياب الأيدي العاملة فيه، وبما أن الاقتصاد السوري هو اقتصاد زراعي بامتياز، توجب علينا تسليط الضوء عليه، واستطلاع واقعه من صعوبات ومعوقات، ثم إيجاد آليات دعم جديدة للنهوض به لجعله قاطرة العجلة الاقتصادية في البلد، وما هي خطط وتطلعات الجهات المعنية للعودة بالقطاع الزراعي إلى مرحلة الازدهار في مرحلة التعافي وإعادة الإعمار؟!.
أخطار ومعوقات
في استعراضنا لواقع الفلاحين ومعاناتهم مع الاتحاد العام للفلاحين، زرنا الاتحاد، وكان لنا حديث مطول مع علي حبيب عيسى، رئيس مكتب الشؤون الزراعية  الذي ابتدأ حديثه عن أهمية اعتناء الدولة بالفلاح، وإنتاجه، ومحاصيله، ليبقى متشبثاً بأرضه، ومستقراً بها، علماً أن الأعمال الإرهابية كانت أبرز النقاط التي استعرضناها، وحجم الضرر البالغ من حرق الأشجار والمحاصيل الزراعية، ومنع الفلاح من الوصول إلى أرضه، عدا عن سرقة الثروة الحيوانية، وتدمير المنشآت من دواجن، ومزارع أبقار، وشبكات مياه ري، فزادت أعباء الفلاح ومعاناته في البداية، لينتقل إلى زيادة أسعار نقل المحاصيل من منطقة الإنتاج إلى الأسواق، وسرقة السيارات، وقتل السائقين من قبل العصابات المسلحة، شكّلت كلها أخطاراً حقيقية وعوائق أمام التزام الفلاح بأرضه، تجلّت بقلة أو غياب بعض المنتجات الزراعية عن الأسواق، وارتفاع أسعار غير مسبوق!.

زراعات بديلة
ومنه، حسب ما قاله عيسى، انطلق الاتحاد العام للفلاحين، بالتعاون مع الاتحادات الفرعية ومؤسسة إكثار البذار، إلى إقامة ندوات تعليمية للفلاحين لزراعة محاصيل بديلة، كزراعة الفطر المنزلي على سبيل المثال في الغوطة “قطنا وبرزة” كونه مشروعاً رخيصاً، كما أن إنتاجه سريع، ولا يحتاج إلى أيد عاملة، وزراعة بعض النباتات الطبية والعطرية في بعض المناطق بدلاً من الشوندر السكري الذي يعاني الفلاحون من غلاء مستلزماته الزراعية، وكثرة استهلاكه للمياه الذي تقلّص إنتاجه من 1.3000 طن إلى 30.000 طن، وهذا ما أكده أيضاً الدكتور هيثم جنيد رئيس اتحاد الفلاحين في محافظة حماة، عن واقع الشوندر السكري الذي أحجم الكثير من الفلاحين عن زراعته بسبب طول مدة زراعته /10/ أشهر، ونقص الأيدي العاملة به، واستبداله بمحاصيل عطرية وبقولية في منطقة الغاب، ولكن  د. جنيد أطلعنا على واقع الخطة الزراعية المنفذة في حماة، وطمأننا على موسم القمح، فقد تم تنفيذ 75% من خطة زراعة القمح، ويؤكد التزامهم بزراعة المحاصيل الزراعية طالما مستلزمات الإنتاج متوفرة، يبقى علينا مناشدة الجهات المعنية لإيجاد آليات دعم لمحصول الشوندر السكري كي يعود إلى سابق عهده، ويغطي حاجات السوق منه.

خطط إسعافية
وبالرغم من حجم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالقطاع الزراعي التي حدثنا عنها المهندس هيثم حيدر، مدير التخطيط والتعاون الدولي في وزارة الزراعة، فلاتزال قيد الإحصاء، خاصة الأضرار التي تتعلق بفوات الإنتاج الزراعي، ولايزال العمل جارياً لإحصائه بالتعاون مع المحافظات لوجود مساحات كبيرة، ولصعوبة الوصول إلى بعض المديريات الزراعية كمديرية الزراعة في محافظة ادلب، أما أضرار المنشآت والمباني فهي ضمن إحصائيات دقيقة بحسب حيدر، وتعمل وزارة الزراعة على وضع  خطط إسعافية لإعادة تأهيل بعض المنشآت، كشراء صهاريج لإطفاء الحرائق التي بلغت 200 مليون ليرة سورية حسب خطة  عام 2015، و/ 58/ مليوناً وزعت على أربعة مشاريع، منها الإرشاد والإنتاج النباتي والإنتاج الحيواني،  وحالياً في خطة 2016 رُصد لها/50/  مليون ليرة سورية لترميم عدد من المباني والمنشآت، واستصلاح بعض الأراضي الزراعية، عدا عن صندوق الدعم الذي يدعم المزارعين بمستلزمات الإنتاج الزراعي، والتعويض الجزئي عن الأضرار الطبيعية الذي أسس عام 2009، وقد تم صرف إلى الآن ما يقارب/36316/ مليون ليرة سورية.

مؤسسة الأعلاف.. واقع وطموح
وخلال تواجدنا في مكتب مدير التخطيط والتعاون الدولي التقينا بالمدير العام لمؤسسة الأعلاف مصعب العوض الذي شاركنا الحديث عن الآمال والطموحات لتحسين القطاع الزراعي والثروة الحيوانية، والإجراءات التي تتم لتأمين الأعلاف لكافة المربين، حيث بيّن لنا آثار الأزمة والأعمال الإرهابية على المؤسسة، كتوقف 80 مركزاً من أصل 120 مركزاً لتوزيع الأعلاف في القطر، وخروج ثلاثة معامل أيضاً عن الخدمة: “عدرا – الشيفونية – وتل بلاط”، وحدثنا العوض بمزيد من الشجن عن خروج أربعة مجففات للذرة الصفراء عن الخدمة،  وأكثر ما يزعج في الأمر إذا علمنا أن مجفف الذرة الصفراء في الرقة هو من أكبر المجففات في الشرق الأوسط، حيث تبلغ مساحته /230/ دونماً، وطاقته التجفيفية حوالي/2500/ طن في اليوم.

النهوض بواقع المؤسسة
وبالرغم من هذا الواقع المأسوي لا تدّخر المؤسسة جهداً في تقديم المقننات العلفية لكافة المربين في القطر،  في الدورة العلفية الشتوية النظامية، ودورات استثنائية أيضاً على مدار العام، مستعينة بمراكزها في المناطق الآمنة في القطر، وبيّن العوض أن المؤسسة تقدم ما نسبته 12 إلى 14% من حاجة السوق الفعلية من المادة العلفية، منوّهاً إلى حاجة القطر الكلية  التي تقارب 14 مليون طن، مؤكداً  إصرار المؤسسة على تأدية دورها، ورغم كل الظروف القاهرة سوف تعمل، “حسب توصيات اللجنة الاقتصادية” على تأمين 50% من حاجة السوق، وذلك بشراء الأعلاف من المستوردين والمنتجين المحليين بنسبة 12 الى 20% بسعر الكلفة الحقيقية، ومن ثم تقوم المؤسسة بتقديم هذه المواد للإخوة مربي الثروة الحيوانية بسعر يقل عن سعرها في السوق المحلية ما بين 7 إلى 10%، ما يعود بالفائدة والربح على المؤسسة، عدا عن تأمين المادة لجميع الإخوة المربين بسعر مناسب.

تعلن الجاهزية
وفي الحديث عن مرحلة التعافي والخطط الموضوعة لإعادة الإعمار، وتأهيل المعامل والمنشآت التابعة للمؤسسة، كشف العوض عن المراسلات الجارية مع الجهات المعنية لإعادة تأهيل كافة المعامل والمنشآت التابعة للمؤسسة، والتي تعرضت لأعمال إرهابية، في حال إعلانها مناطق آمنة فوراً، كمعمل عدرا الذي أُعد له دفتر الشروط، وقدرت الكلفة الإجمالية التقريبية بحوالي350 مليون ليرة سورية، ويأمل العوض متابعة كل ما بدأت به المؤسسة من ترميم وإنشاء معامل جديدة، مؤكداً جاهزية المؤسسة بكافة الدراسات الفنية، واستكمال تلك التي بدأت قبل الأزمة، إلى تقديم مواد علفية مصنعة ذات قيمة مضافة لكافة أنواع الثروة الحيوانية.
إجراءات بيئية
وطبعاً الحديث عن واقع الزراعة لا يمكن دون الحديث عن واقع الثروة الحراجية التي تعرضت خلال السنوات الماضية لآلاف الاعتداءات، حيث تم قطع آلاف أشجار البطم المعمرة وأشجار السرو والصنوبر والشوح والأرز، ما سبّب خسارة كبيرة في التنوع الحيوي النباتي نتيجة الأعمال الإرهابية، وتعرضت بعض الأنواع الحيوانية للسرقة والنهب والقتل، بالإضافة إلى تدمير الموائل المختلفة للكائنات الحية، ما أوجب على وزارة البيئة أن تسارع  لوضع الخطط البديلة، كما أكدت ضمن فاكسها المرسل إلينا عن أهم إجراءاتها المستقبلية كإصدار تشريع خاص ينظّم التجارة الدولية بالكائنات الحيوانية والنباتية المهددة بالانقراض، وفتح مكاتب للحياة البرية في النقاط الحدودية والمطارات، حيث يتم التنسيق مع قطاع الجمارك والصحة الحيوانية بهذا الخصوص، كما أكدت البيئة على التعاون مع وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي على توسيع المناطق المحمية، والقيام بعمليات الجرد النباتية والحيوانية لدراسة الفلورا والفاونا، وتحديد الأنواع النادرة والمهددة بالانقراض، والعمل على حمايتها، وزيادة أعدادها.

بضمانة الأرض
لإعادة تمكين الاقتصاد الزراعي وترميمه مما لحقه من أضرار بشرية وتخريبية، توجّهنا بأسئلتنا إلى الدكتور زكوان قريط، الخبير الاقتصادي، الذي بيّن أهمية منح القروض الزراعية اللازمة والميسّرة للفلاحين، كخطوة أساسية في الأزمة، بضمانة الأرض لتغطي كافة تكاليف الإنتاج، مع إعفائهم من كل أنواع الضرائب، لتشجيعهم على التمسك بزراعة الأراضي، وإنتاج كافة أنواع المحاصيل الزراعية.. ولعل المشكلة الأبرز في عملية الإنتاج الزراعي بعد جني المحاصيل، هي نقلها وتسويقها، والتي تفاقمت خلال الأزمة، ومنعت الكثيرين من الوصول إلى ضفة الأمان، وحماية تعبهم وجهدهم، وقد سمعنا روايات لمزارعين تركوا محاصيلهم في الأرض لعدم جدواها، ومخاطر نقلها،  وباعتبار الحكومة هي الطرف الأقوى في المعادلة، اقترح د. قريط أهمية تحقيق معادلة الربط المباشر بين الفلاح والجهات المعنية متمثّلة بمؤسسة الخزن والتسويق، والمؤسسة العامة الاستهلاكية، لشراء المنتجات الزراعية والحيوانية، وتحمّل أعباء نقلها إلى الأسواق، وتقاسم الربح فيما بينهم، فتنصف الفلاح ولا تبخسه حقه وتعبه، وتلغي دور السماسرة والوسطاء في التسويق والتحكم بالأسعار، ولم يغفل د. قريط في حديثه عن أهمية دور الجمعيات الفلاحية التي لم نعد نسمع صوتها، وهي المرجعية الأساسية في دعم الفلاح، وتقديم المشورات والبذار والمبيدات الحشرية وكافة خدمات ومستلزمات الإنتاج الزراعي؟!.

تمكين الاقتصاد الزراعي
وفي سياق الحديث عن أهمية إيجاد آليات حقيقية ترتقي بالإنتاج الزراعي إلى المستوى المطلوب، بدا الدكتور قريط فاقد الحماسة لإيجاد آليات جديدة كون معظم المقترحات تبقى حبراً على ورق، ولا ترى بصيص النور إلى أرض الواقع، رغم صوابية الطرح، إلا أنه لم يبخل ببعض المقترحات لعل أهمها ربط الفلاحين من خلال جمعياتهم بهيئة المشروعات المتوسطة والصغيرة لإعطاء الثقة للفلاح بتأسيس وإدارة مشروعه بنفسه، وتشجيع الجهة المسؤولة عن تطوير المنتجات الزراعية باستخدام التكنولوجيا لزرع كافة أنواع المنتجات الزراعية في مناطق غير المناطق الأساسية لإنعاش القطاع الزراعي، وتعويض خسائر المحاصيل الرئيسية أو غيابها، وتكثيف الإنتاج الزراعي من خلال تعاون الدولة مع مراكز الأبحاث الزراعية التابعة للجامعات.

فاتن شنان-البعث