التدخل التركي السعودي البري والخطوط الحمراء السورية

التدخل التركي السعودي البري والخطوط الحمراء السورية

أخبار سورية

الأربعاء، ١٠ فبراير ٢٠١٦

ماهر الخطيب
 في الأيام الأخيرة، ضجت وسائل الإعلام العربية والعالمية بالمواقف التي تحدثت عن الإستعداد السعودي والتركي، للمشاركة في عملية عسكرية في الداخل السوري، تحت عنوان محاربة "تنظيم داعش" الإرهابي، ضمن قوات التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، الذي يعقد إجتماعاً في العاصمة البلجيكية بروكسل يوم الخمس المقبل، من أجل عرض آخر التطورات، من دون أن تتوفر الكثير من المعلومات التي تجيب على علامات الإستفهام التي بدأت تطرح على بساط البحث، خصوصاً في ظل التعارض في المواقف التي تعيق الإنطلاق نحو دعم المسار السياسي لحل الأزمة القائمة منذ العام 2011.
ما تقدم، يقود إلى طرح التطورات التي رافقت صدور هذه المواقف، والتي قد يكون أبرزها إستعادة الجيش السوري، مدعوماً من سلاح الجو الروسي، السيطرة على مناطق ريف اللاذقية وفك الحصار عن بلدتي نبل والزهراء بعد تقدم لافت في ريف حلب، بالإضافة إلى إنهيار المحادثات في مؤتمر جنيف الثالث على وقع العمليات العسكرية، بسبب إصرار قوى المعارضة على التوصل إلى إتفاق يقضي بوقف إطلاق النار، الأمر الذي رفضته الحكومة السورية، على قاعدة أن هذه النقطة لا يمكن أن تشمل الجماعات الإرهابية، فما هي دوافع هذا التدخل في حال حصوله؟
تشير المواقف التي رافقت الإعلان عن الإستعداد لهذا التدخل، لا سيما تلك الصادرة عن المسؤولين السعوديين، إلى أن الهدف ليس القضاء على تنظيم "داعش" فقط، بل هو يتضمن أهدافاً أخرى تصب في خانة رؤيتها التي تُصر على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، والتي تتوافق مع الرغبة التركية على هذا الصعيد، الأمر الذي يدل على الأسباب التي دفعت إلى صدور الإعلان عن الإستعدادات في هذا التوقيت بالذات، أي بعد إستعادة الجيش السوري زمام المبادرة على أرض الواقع، وبعد أن نجحت العمليات العسكرية في إضعاف النفوذ التركي في الشمال، في وقت تثبت فيه قوى المعارضة عجزها عن المقاومة بأي شكل من الأشكال.
بالإضافة إلى ذلك، قد يكون من المستبعد أن تقدم الحكومة التركية على أي خطة لا تتضمن إبعاد قوات "حماية الشعب الكردي" عن حدودها، لا سيما أنها تعتبر تواجدهم أخطر على أمنها القومي من تواجد عناصر "داعش"، لكنها في هذا المجال تصطدم بالموقف الأميركي، حيث تعتبر واشنطن الأكراد حليفاً أساسياً لها، نظراً إلى أنهم القوات البرية الوحيدة التي من الممكن المراهنة عليها، كما أن تجاوز كل هذه المعوقات لا يعني أن الولايات المتحدة قد توافق على تغطية مثل هذه العملية، من دون أي تنسيق مسبق مع الجانب الروسي، الذي وضع خطوطاً حمراء لأي عمل على الساحة السورية، بعد أن بات المقرر الأول في المسارين السياسي والعسكري.
في هذا السياق، قد يكون من المستبعد أن تذهب واشنطن إلى الصدام مع موسكو، خصوصاً في ظل وجود الرئيس الأميركي باراك أوباما، الراغب بعدم العودة عسكرياً إلى المنطقة بشكل مباشر، والإكتفاء بارسال القوات الخاصة التي تتولى مهام التدريب وتقديم الإستشارات، وبالتالي أي عملية عسكرية برية قد يقوم بها التحالف الدولي ستكون بالتنسيق مع موسكو، أي ضمن الخطوط الحمراء التي تتجاوز تقرير مصير الرئيس الأسد، ما يعني أن تركيا والسعودية ستقدمان خدمات مجانية إلى الحكومة السورية، التي تحارب أيضاً عناصر "داعش"، مع العلم أن التعليق الأول الصادر عن الحكومة الروسية كان عبر طرح سؤال عما إذا كانت السعودية إنتهت من الحرب في اليمن، في حين هدّد وزير الخارجية السورية وليد المعلم باعادة أي قوات غازية بصناديق خشبية.
أمام هذه الوقائع، سيكون من الصعب على الحكومتين السعودية والتركية إرسال قوات برية إلى الداخل السوري، حتى ولو أعلنت الإستعداد لهذه الخطوة، خصوصاً أن مصر التي تم الحديث عن أنها قد تشارك في العملية العسكرية لا تعارض التدخل الروسي، بل هي على خلافات جذرية مع أنقرة، ما يعني أن كل التصريحات تأتي في إطار المواقف السياسية التصعيدية، لا سيما أن الجانبين لا يستطيعان تحمل التبعات مهما كانت الأهداف، سواء إنحصرت بمحاربة "داعش" أو شملت الجيش السوري، لكن هذا لا يعني عدم قيامهما بأي خطوات أخرى، قد تكون على شكل مضاعفة الدعم المقدم إلى الجماعات المعارضة، عبر رفع مستوى تسليحها النوعي، بالتزامن مع إعادة طرح نظرية المنطقة الآمنة في الشمال السوري لمعالجة أزمة النازحين.
في المحصلة، الدعوات إلى التدخل العسكري في الحرب السورية لم تتوقف يوماً، بل هي كانت موجودة على مدى أشهر الأزمة الطويلة، لكن تحويلها إلى أمر واقع قد يبدو في المرحلة الراهنة أصعب من أي وقت مضى، إلا إذا كان بالتنسيق والتعاون مع الحكومة الروسية، ما يعني التسليم بسقوط المشروع الأساسي، والبحث عن حجز موقع مناسب في أي تسوية سياسية قد تحصل بعد تحسين شروط التفاوض.
النشرة