الجماعات المسلحة في سورية نحو الطوق..

الجماعات المسلحة في سورية نحو الطوق..

أخبار سورية

الأربعاء، ١٠ فبراير ٢٠١٦

المراقب والمتابع لسير العمليات العسكرية في سوريا منذ اربعة اشهر لا يجد صعوبة في تحديد مسار هذه العمليات والنتائج التي ستصل اليها، حيث يبدو واضحًا ان الهدف الرئيسي هو اغلاق الحدود عبر شق ممرات داخل مناطق سيطرة الجماعات المسلحة، ووضع المسلحين ضمن جيوب شبه مغلقة لإتاحة الفرصة لها للإنسحاب دون الدخول في معارك تماس طويلة الأمد، وحسم الصراع بشكل سريع.

هذه العمليات تتم بشكل متزامن على اغلب الجبهات السورية، وخصوصًا جبهات الشمال والجنوب التي ترتبط بالحدود مع تركيا والأردن.

وضع المسلحين داخل الطوق ليس مقتصرًا على هاتين الجبهتين، حيث يحصل الأمر نفسه في جبهات المنطقة الوسطى ومحيط العاصمة دمشق.

والسؤال المطروح، هل ينهي هذا الشكل من العمليات العسكرية بشكل قاطع ونهائي او ان المعارك ستستمر لفترة طويلة؟

بدايةً، لا بد من الإجابة على السؤال الذي يشكل محور المرحلة حيث كان الشروع في هذا الشكل من العمليات مرتبطًا بمسألتين اساسيتين:

1- حرمان كل من تركيا والاردن ومعهما السعودية وقطر وكل الدول الداعمة للإرهاب من التأثير في الميدان، وتاليًا عدم قدرة هذه الدول على التأثير في المسار السياسي، لتتحول الجهود الحالية من مفاوضات مفترضة مع قوى لا تملك التأثير في الميدان الى حوار سوري - سوري يعقد في دمشق على قواعد ترتبط بالسيادة الوطنية وخيارات السوريين انفسهم في كل المجالات.

2- قطع اي شكل من اشكال الإمداد للجماعات المسلحة يجبرها على الإختيار بين الإنسحاب خارج الحدود، وهو أمر بات متعذرًا بعد اقفال تركيا والاردن حدودهما، او القتال حتى الرمق الأخير او الإستسلام للجيش السوري او عقد تسويات على غرار التسويات التي تحصل في اكثر من مكان، علمًا أنّ هذه التسويات لا تحصل إلّا بعد دخول المسلحين في حالة الإنهيار وفقدانهم قدرة الإستمرار في القتال وتحت ضغط الوجهاء في حالات كثيرة.

وبالرجوع الى سير العمليات العسكرية، سنبدأ من ريف حلب الجنوبي الغربي الذي بات فيه الجيش قادرًا على تطوير اكثر من اتجاه هجوم، اهمها سيكون نحو الفوعة وكفريا والسير بموازة خط الحدود حتى جسر الشغور بالتزامن مع عمليات تنطلق من ريف اللاذقية الشرقي وسهل الغاب، وهو أمرٌ لن يتم برأيي إلّا بعد اغلاق طريق الإمداد الوحيد المتبقي للجماعات المسلحة في ريف حلب الغربي وما تبقى من جيوب في ريف حلب الشمالي والأحياء الشرقية في مدينة حلب، ففي الوضع الحالي استطاعت وحدات الجيش السوري ان تقطع بالكامل طريق الإمداد من اعزاز الى مدينة حلب والجيوب المتبقية في الريف الشمالي.

ويتضح ان الجيش يؤجل قطع الطريق على الأحياء الشرقية لمدينة حلب لأسباب تتعلق برغبة الدولة في الضغط على جماعات الأحياء الشرقية لعقد تسويات ومصالحات تجنب الناس مزيدًا من الدماء والدمار، رغم قدرة الجيش على تنفيذ عملية الإغلاق قرب طريق الكاستيلو. وهنا لا بد من الإشارة الى أنّ وحدات الجيش نفذت مع وحدات سوريا الديموقراطية عملية الإغلاق قرب ماير وعلى مشارف كفرنايا دون تنسيق معلن ولكنه يؤدي الغرض الذي تتكامل فيه الأهداف، حيث سيطرت قوات سوريا الديموقراطية على دير جمال والزيارة بينما سيطرت وحدات الجيش على ماير وكفين، فيما تتقدم قوات سوريا الديموقراطية نحو مطار منغ شرقًا للضغط على الجماعات المسلحة في تل رفعت، بينما تنتظر وحدات الجيش اتمام التسوية مع اهالي تل رفعت ودخولها دون معارك ومن ثم الإندفاع نحو اعزاز والتي سيتم منها إطلاق عمليات بموازة الحدود وصولًا الى جرابلس، بتنسيق الضغط مع وحدات الجيش شمال السجن المركزي وتلك التي تندفع نحو مدينتي تادف والباب بما يحقق عمليات العزل والطوق ووضع جماعات النصرة وداعش امام الخيارات المذكورة اعلاه، والتي نستبعد منها خيار التسوية. وتحت ادراك جماعات ريف حلب مصيرها انطلاقًا مما نشرحه، عمدت هذه الجماعات لعقد اتفاق مع داعش سيعقد عليها الأمور اكثر لناحية تصنيف الجماعات المسلحة ولن يؤدي بها الى تحقيق اية انتصارات على الجيش السوري.

وكما يبدو، فإنّ تركيا التي تهدد مع السعودية بدخول الحرب بقوات مباشرة، ستعمد في الفترة الحالية والمقبلة الى اعتماد خيارات بديلة ستكون بتحصين خط الإمداد الوحيد الى الأحياء الشرقية لمدينة حلب، من خلال دفع قوات من ادلب واريافها الى ريف حلب الغربي ومحاولة تغيير خط التماس الحالي والحفاظ على قدرة الجماعات المسلحة في مدينة حلب لإستخدامها في اية مفاوضات قادمة للضغط على الدولة السورية.

وانطلاقًا من هذه الوقائع، فإنّ المهلة المعطاة لمسلحي تل رفعت وبيانون وعندان لن تطول كثيرًا وسيستكمل الجيش عملياته بسرعة ضمن تكتيك تقطيع الأوصال ووضع الجماعات المسلحة في اطواق ضيقة هذه المرة.

ما يحصل في ارياف حلب سينطبق في المرحلة القادمة على جبهات اخرى سيكون اهمها خط الحدود بين محافظة ادلب وتركيا وخط الحدود بين سوريا والأردن، وهو ما بدأت معالمه تتوضح جنوبًا حيث بات من المؤكد أنّ مدينتي ابطع وداعل ستدخلان مع الدولة في مصالحة، ما يحقق الإتصال بين الشيخ مسكين ودرعا ويسهل العمليات نحو فتح معبر نصيب مجددًا ويؤدي الى فصل الجماعات المسلحة غرب درعا وريف القنيطرة عن شرق درعا، وحصر تواصلها بالطرقات الفرعية ما سيعقد عليها التحرك ويفقدها قدرة التواصل السريع وامكانيات المناورة.

إذًا، يمكننا القول إنّ المرحلة الحالية هي مرحلة اغلاق الحدود والشروع في ضرب الجماعات المسلحة ضمن الجيوب والأطواق التي سيتم وضعها فيها لإجبارها على الإستسلام وتحقيق الهزيمة فيها.