عَصفٌ عسكري لحسم معركة الحدود.. والأكراد من "الاعتدال الأمريكي" إلى "العقلنة الروسية"

عَصفٌ عسكري لحسم معركة الحدود.. والأكراد من "الاعتدال الأمريكي" إلى "العقلنة الروسية"

أخبار سورية

الجمعة، ٢٧ نوفمبر ٢٠١٥

أعلنت موسكو عن وصول الطراد الروسي "موسكفا" إلى سواحل مدينة اللاذقية، كما أعلنت عن وصول منظومة الدفاع الجوي "S-400” إلى قاعدة "حميميم" السورية، لتنظيم إلى جملة المنظومات الإلكترونية التي وضعتها الحكومة الروسية في الأراضي السورية لحماية الطائرات الروسية المشاركة في العمل العسكري المشترك مع دمشق ضد الإرهاب، ولا يخفي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن حكومته سلمت للقيادة السورية دفعة من الأسلحة الصاروخية والمدرعات المتطورة خلال المراحل الأخيرة لتكثيف العمليات العسكرية البرية ضد مواقع الإرهاب، فمن وجهة نظر موسكو إن عملياتها الجوية في سوريا بهدف استراتيجي يتمثل بمنع ارتداد الجهاديين إلى روسيا، في حين أن الهدف الأكبر من العمليات الروسية هو حماية الوجود الروسي في المياه الدافئة من خلال الحفاظ على شكل منطقة "شرق المتوسط" كما هي، إذ إن سوريا في حسابات واشنطن هي البوابة نحو تقسيم منطقة الشرق الأوسط وفقا لما تسميه بـ "الشرق الأوسط الأكبر".

القوات السورية وباستخدام المناصات الصاروخية الجديدة والمدفعية الثقيلة المتطورة التي حصلت عليها من موسكو خلال المراحل الأخيرة كثفت من عملياتها في الشمال السوري، وخاصة في المنطقة التي سقطت فيها القاذفة الروسية "SU-24”، وبرغم إن المقاتلات الروسية تشارك بكثافة بهذه العمليات، إلا الأمر يخرج من إطار الانتقام السوري الروسي لسقوط الطائرة، والرد على الانتهاك التركي، إذ إن العامل الأساس للعمليات في تلك المنطقة هو الوصول إلى إغلاق الحدود مع تركيا، والتي تستفيد منها الميليشيات التي تشهد حضورا لمقاتلين من الحزب القومي التركي إلى جانب مقاتلين أجانب من جبهة النصرة وميليشيا جند الأقصى، ومجموعات أخرى ترتبط بتنظيم القاعدة، إلا أن أردوغان يعتبر إن العمليات موجهة ضد مساعيه نحو إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري بشكل خاص، وإن كانت دمشق وموسكو أسقطتا فعلا هذه المنطقة بحكم الأمر الواقع من خلال فرض منطقة "حظر الطيران" بدون تنسيق معهما في الشمال السوري، فإنهما في الوقت ذاته يعملان على إعادة رسم خارطة خطوط التماس، على أن تكون هذه الخطوط تبدأ عند الحدود مع تركيا، ليترك النظام التركي وحيداً أمام معضلة الإجابة عن السؤال حول كيفية التعامل مع الميليشيات التي ستنسحب إلى الأراضي التركية، وأين يمكن أن يصرفها النظام التركي، وسيكون من الطبيعي أن يتعاون مع شركائه الخليجيين على تسهيل مرورهم إلى الأراضي العراقية، أو نقلهم إلى ليبيا أو اليمن، والاخير مرشح أكثر من غيره لاستقبال هذه"النفايات الجهادية" بكون آل سعود مستمرين بعدوانهم عليه.

ولا يأتي من باب المصادفة إن يعلن الرئيس الروسي من خلال مؤتمره الصحفي المشترك مع الرئيس الفرنسي فرانسو هولاند عن الاتفاق على دعم "المعارضة العاقلة" في محاربة تنظيم داعش، بالتزامن مع إعلان "حزب الإعلان الاتحاد الديمقراطي الكردي" الدخول إلى منطقة المالكية بالقرب من إعزاز بالريف الشمالي إلى حلب بعد معارك شرسة مع ميليشيا "الجبهة الشامية" وبغطاء جوي روسي، ومن اللافت إن الحزب أعلن أن عملياته شمال حلب تأتي من خلال ما أسماه "جبهة الكرد"، دون الإشارة إلى "الوحدات الكردية" الجناح العسكري التابع له، وقد يكون السبب إن هذه الوحدات تلعب دورا أساسياً في "قوات سوريا الديمقراطية" المكون من مقاتلي أكراد وعرب وتركمان ومسيحيون، بحجة محاربة تنظيم داعش، وبكون القوات الأمريكية أعلنت عن دخول 50 من عناصر وحداتها الخاصة إلى مدينة عين العرب السورية بمهمة تدريب "مقاتلين" ضد داعش.

بعض التقارير الإعلامية ألمحت إلى أن دعم حزب العمال الكردستاني، والمسلحين الأكراد سيكون واحدا من جملة الردود الروسية على إسقاط المقاتلة "su-24” من قبل القوات التركية شمال سوريا، إلا أن الأمر يبدو مستبعدا، لجهة تصنيف الأمم المتحدة للكردستاني كمنظمة إرهابية، ولا تجد الحكومة الروسية ملزمة في توريط نفسها في ملف كهذا، وسيكون من المنطقي أكثر في حسابات موسكو العمل على استمالة المجموعات الكردية إلى القتال بغطاء جوي روسي، الأمر الذي لن تعارضه دمشق التي قدمت الكثير من الدعم اللوجستي لهذه المجموعات أثناء الدفاع عن مدينة عين العرب التي كان في الوقت نفسه لتركيا، دور سلبي بفتح حدودها أمام تنظيم داعش لمهاجمة المدينة من المحاور الشمالية، - كما أثبتت تسجيلات الفيديو التي تناقلتها وسائل التواصل الاجتماعي-.

ومن الطبيعي القول إن التحالف السوري الروسي الذي فرض منطقة حظر جوي باستخدام أحدث منظومات الدفاع الجوي الروسية، أن يعمل على أن يوسع دائرة السيطرة في الشمال السوري من قبل القوات السورية والمجموعات الموالية لها، وعلى ذلك يمكن أن يلعب الروس بورقة الأكراد على المستويين السياسي والعسكري، ونقل حزب الاتحاد الديمقراطي من الخانة السلبية إلى جبهة العمل الوطني ضد الإرهاب، خاصة وإن التجربة الطويلة للمجموعات التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي لم تقم بأعمال عدائية ضد الدولة السورية، على الرغم من وجود مواقف سلبية لهذه المجموعات من قبيل، التصادم مع القوات السورية في حوادث حصرت سريعا في مدينة الحسكة بحسم فاعل من الجيش السوري أعاد ضبط إيقاع الوحدات الكردية داخل المدينة، إضافة إلى مساومة الأكراد على مصير مدينة الحسكة حين هاجمها داعش في مراحل سابقة، وهي مساومة كان من الواضح وجود الأصابع الأمريكية في موقف الوحدات الكردية من عملية مواجهة تنظيم داعش، إلا أن الجيش السوري حينها حسم المعركة بشكل نهائي مع تنظيم داعش في المدينة، مع مؤازرة فاعلة من مقاتلي العشائر.

إلا أن انقشاع الكثير من الضبابية عن مسار الحدث السوري خلال المرحلة الماضية بتراكم منجزات الجيش السوري على مختلف الجبهات السورية، وفي محاور متعددة، سيكون عاملا لتحول "حزب الاتحاد الديمقراطي" في مواقفه نحو التنسيق مع الروس في العمل ضد الإرهاب، ولن تدخل روسيا في حساباتها الميدانية أو السياسية أيا من الأطراف من دون موافقة دمشق، وهذا ما سيشكل إرباكا لأردوغان الذي يخشى من تشكل بؤرة كردية مسلحة على الحدود الجنوبية للجمهورية التي يسعى إلى إعادتها إلى النظام العثماني، من خلال فرض الهيمنة الإسلامية لحزب العدالة والتنمية إخواني الهوا، على كافة المفاصل السياسية في الجمهورية التركية، وفي ناحية أخرى يكون الروس قد سبقوا الأمريكيين بخطوات في العمل الصحيح في مكافحة الإرهاب، فواشنطن التي تعول على "قوات سوريا الديمقراطية" وخاصة الأكراد لكسب التسابق الميداني البري في سوريا، وصناعة منجز أمريكي ضد الإرهاب من خلال هذه القوات ستجد نفسها بين ليلة وضحاها أمام معادلة انقسام الكرد أنفسهم مابين الخندق السوري – الروسي، وخندقها، في وقت باتت المعطيات الميدانية بشكل واضح تميل لصالح الجيش السوري الذي اعتبرته موسكو منذ اللحظة الأولى لقرارها القبول بطلب دمشق وإعانتها جويا، أنه الشريك الوحيد القادر على تحقيق التقدم الميداني، وهو جيش أثبت تماسكه خلال السنوات الطويلة للحرب، وأحبط  محاولات دول المحور الأمريكي في إمكانية إسقاط الدولة السورية.

في حسابات طاولة الحوار السوري التي يريدها المجتمع الدولي قبل نهاية العام الحالي، سيكون على القوى السياسية التي لها حضور على الأرض مهمة إيجاد كرسي في الطرف المقابل للدولة السورية، وتحرك الأكراد للتنسيق مع موسكو قد يضمن لهم الحضور الفاعل على هذه الطاولة، إلا أنه من المبكر الجزم بالتحول الكردي في التعاطي مع الملف السوري، والقول بانتقاله الكامل من الخندق الأمريكي إلى خندق العمل الوطني، إذ إن التقارير العلاقات المريبة لزعيم الحزب الديمقراطي مع "تركيا والسعودية" مازالت تشوب أجواء العمل الكردي، كما إن بقاء الوحدات الكردية على تنسيقها الكامل مع التحالف الأمريكي عامل يستدعي الحذر من قبل دمشق، إضافة إلى أن السعودية اللاهثة لتشكيل الوفد المعارض وفقا لمنظورها من خلال استدعاء عدد من المعارضات الخارجية والميليشيات المسلحة لمؤتمر في مدينة "أبها" السعودية، لن يستثني دعوة "مسلم" وحزبه ووحداته المقاتلة، ويبقى السؤال عن شكل العمل الكردي في المرحلة القادمة ضد داعش، والهدف من وراءه رهن بالاحتمالات المفتوحة على مصرعيها في لعبة المصالح الضيقة من قبل المعارضات، إلا أن الباحث عن مكان لنفسه في ناتج الحل السياسي في سوريا عليه العودة إلى دمشق، فهي من تمتلك مفاتيح الميدان والسياسية، وللميدان القول الفصل في مسار الحدث السوري.