الجيش السوري يواصل تقدمه في ريف اللاذقية

الجيش السوري يواصل تقدمه في ريف اللاذقية

أخبار سورية

الأربعاء، ٢٥ نوفمبر ٢٠١٥

لم يكن من قبيل المصادفة أن يتزامن إسقاط المقاتلات التركية طائرةَ «السوخوي» الروسية، مع هجوم معاكس شنّته «جبهة النصرة» على برج زاهية الاستراتيجي في ريف اللاذقية الشمالي.
فأمام التقدم الميداني النوعي الذي أحرزه الجيش السوري، مدعوماً بغطاء جوي روسي، في المنطقة خلال الأيام الماضية، والذي أصاب مصالح أطراف محلية وإقليمية عدة في مقتل، وهدد جديّاً بقلب المعادلة وتغيير قواعد اللعبة، كان من الطبيعي أن تشهد المنطقة تصعيداً مركباً مثل الذي حدث صباح أمس.
ويؤكد تزامن هذين الحدثَين على مدى حساسية المعارك الجارية بمحاذاة الشريط الحدودي مع تركيا، خصوصاً في محيط برج زاهية الذي لا يبعد عن الحدود سوى 3 كيلومترات. ويبين كذلك كيف يتداخل البُعدان المحلي والإقليمي في محاولة التحكم بمسار تطورات الأحداث هناك. كما أنه يضيف دليلاً جديداً على أن السلطات التركية، ومهما رفعت صوتها ضد «جبهة النصرة»، إلا أن تقاطع المصالح بينهما يفرض عليها، مرة تلو الأخرى، أن تعود للعمل معها في إطار سياق معين.
وبالرغم من أن الهجوم المتزامن من قبل المقاتلات التركية في السماء ومسلحي «جبهة النصرة» على الأرض، ترك تأثيره على محور برج زاهية حيث اضطرت وحدات الجيش للتراجع منه، إلا أن المحاور الأخرى بقيت تسير وفق الإيقاع الذي فرضه الجيش السوري في عملياته الأخيرة.
وشنّت، فجر أمس، مجموعات من «جبهة النصرة»، بقيادة «مقاتلين أجانب» من الجنسيتين البريطانية والشيشانية، هجوماً مضاداً على مواقع الجيش في برج زاهية ومحيطه. وتمكنت بعد اشتباكات عنيفة بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة من أن تسيطر على البرج الاستراتيجي وتعيد فتح طريقَي الإمداد في كوع الحطب وكوع العذر، بعد أن كان الجيش قطعهما الخميس الماضي، كما سيطرت على نقطة «الكعكة» القريبة من نبع المر.
وقد قتل في هذه الاشتباكات أبو بصير البريطاني الكشميري أحد قادة العملية الميدانيين في «جبهة النصرة». وقد تسبب تشابه الألقاب في حدوث لغط حول هوية القتيل، حيث ظن البعض أنه هو نفسه لوكاس كيني الذي يحمل لقب أبو بصير البريطاني أيضاً وسبق له الظهور في أحد إصدارات «مؤسسة البصيرة» التابعة إلى «جبهة النصرة»، وهذا ما أكد إعلاميون مقربون من «جبهة النصرة» عدم صحته، مشيرين إلى أن القتيل من أصول هندية.
كما شاركت في الهجوم على برج زاهية «كتائب أنصار الله» التابعة إلى «حركة أحرار الشام الإسلامية». ومن المعروف أن قادة هذه الكتائب ينتمون إلى الجنسية الشيشانية، وأبرزهم أبو موسى الشيشاني الذي سبق له قيادة الهجوم على مدينة كسب مطلع العام 2014.
ويعتبر برج زاهية من المرتفعات ذات الأهمية الإستراتيجية في المنطقة، بسبب ارتفاعه وإطلاله على عدد كبير من قرى جبل التركمان، وكذلك بسبب قربه من النقطة 45 التي يسيطر عليها الجيش السوري.
في غضون، ذلك أسقطت مقاتلتان تركيتان طائرة «سوخوي 24» روسية بينما كانت تحلّق فوق منطقة الجبل الأحمر المحاذي لبرج زاهية من جهة الشمال. وسقط حطام الطائرة في منطقة عطيرة بين برج زاهية ونبع المر. ويأتي الاستهداف التركي للطائرة الروسية بعد حالة الغضب التي عمّت بعض الشوارع التركية نتيجة تقدم الجيش السوري في جبل التركمان، وخروج تظاهرات لمطالبة الحكومة التركية بعدم التخلي عن أبناء جلدتها من التركمان.
من جهة أخرى، تابع الجيش السوري تقدمه على محور جب الأحمر، وسيطر، أمس، كما كان متوقعاً على تلة كتف الغدر الإستراتيجية، متقدماً إليها بعد سيطرته على تلة الغرز الواقعة إلى الشمال منها، والتي انفتح الطريق باتجاهها بعد السيطرة على كتف الغنمة الاثنين. وبذلك يكون الجيش قد أحكم سيطرته على أهم قمتين ضمن محاور القتال التي يخوضها في هذه المنطقة.
ويكتسي كتفَا الغنمة والغدر المتجاوران أهمية خاصة لأنهما من أعلى المرتفعات في ريف اللاذقية، ويشرفان على عدد من القمم الحاكمة في المنطقة، وبالتالي فإن السيطرة عليهما تسهل السيطرة على تلك القمم، أو على الأقل تؤدي إلى تحييدها مؤقتاً، لأن استخدامها من قبل الفصائل المسلحة يصبح متعذراً بعد انكشافها أمام نيران الجيش السوري. وكما أن اعتلاء كتف الغنمة ساعد الجيش وسهّل له النزول باتجاه تل الملوحة، فإن اعتلاء كتف الغدر كشف قرية مرشيلة أمامه، وسهل له السيطرة عليها. في هذا الوقت كانت مجموعة أخرى من وحدات الجيش السوري تتعامل مع المسلحين في تلة كتف الشيخ أحمد المواجهة لكتف الغدر وتسيطر عليها بعد اشتباكات عنيفة، كما سيطرت وحدة أخرى على النقطة 1281 شمال شرق كتف الغدر.
وبسيطرة الجيش على كتفَي الغدر والغنمة، أصبحت بعض القرى تحت مرمى النيران بشكل مباشر، مثل عكو وعرافيت وكباني، والأخيرة كان الجيش قد اقترب منها، أمس الأول، بسيطرته على النقطة 1154 التي لا تبعد عنها سوى كيلومتر.
والأهم من ذلك، أن قرية سلمى أحد أهم معاقل المسلحين في ريف اللاذقية، تكون قد فقدت واحداً من الحصون الطبيعية التي كانت تؤمن لها الحماية من هجمات الجيش السوري. ومن المتوقع أن تصبح عمليات الجيش في كفردلبة وترتياح المجاورتين لها أسهل. ومن المعلوم أن محاولات الجيش خلال الأسابيع الماضية للتقدم على محور كفر عجوز ـ كفردلبة باتجاه سلمى، كانت تصطدم بصعوبات كبيرة اضطرته إلى الانسحاب من تلة الخزان التي كان سيطر عليها لبعض الوقت، أما اليوم بعد السيطرة على كتفَي الغدر والغنمة فإن تقدم الجيش على هذا المحور سيصبح أقل خطورة بكثير.