الجيش يتحكم بمفاصل الميدان.. الأسد: موسكو3

الجيش يتحكم بمفاصل الميدان.. الأسد: موسكو3

أخبار سورية

الاثنين، ٢٣ نوفمبر ٢٠١٥

عمليات الجيش الأخيرة في كل الجبهات الشمالية، أفرزت حالة من التناقض بين سياسي الخط الاول في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي الوقت الذي يصر فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كل تصريحاته والتي كان آخرها في قمة "آسيان"، على أن تفصل روسيا عملياتها ضد المواقع الإرهابية عن دعم الرئيس السوري بشار الأسد، يبدو من الواضح من خلال تصريح وزير الدفاع الأمريكي السابق تشاك هيغل، إن على إدارة أوباما أن تتخلى عن هذا الشرط لمحاربة داعش، لأن البحث عن رحيل الرئيس الأسد بالنسبة لأمريكا، هو وقوع لـ "أسر الخلافات"، ومن وجهة نظر هيغل أنه لابد من التمييز بين العدو "داعش" وبين الحليف، وهي إشارة إلى ضرورة التحالف مع سوريا ممثلة بشخص الرئيس الأسد ضد التنظيم الأكثر وحشية في العالم، كما إنها دفع من شخصية كانت إلى وقت قريب من أهم أركان الإدارة الأمريكية، نحو التحالف مع كل من "روسيا وإيران" الغريمين التقليديين للسياسة الأمريكية، وتصريحات هيغل، تكشف عن عمق الخلافات بين صناع القرار الأمريكي حيال الملف السوري.

وإن كانت القوات السورية قد حققت منجزا نوعيا في جبهات الشمال المتعددة، بدأ من الريف الشرقي لحلب، وامتدادا إلى ريفها الجنوبي، وصولاً إلى مثلث أرياف "حماة – إدلب – اللاذقية"، فإن تراكم هذه المنجزات تضع دول المحور الأمريكي أمام خيارات مرتبكة، فالأتراك الذين يعتبرون إن العمليات السورية في الشمال لا مبرر لها لخشيتهم على الميليشيات التي تضم عناصر من الحزب القومي التركي، كميليشيا "السلطان عبد الحميد"، و ميليشيا "السلطان مراد"، في حين أن جبهة النصرة باتت التنظيم الذي يعول عليه القطريون والسعوديون في إحداث توازن ميداني قبل اطلاق العملية السياسية التي تريدها الأمم المتحدة قبل بداية العام القادم وفقا لمقررات فيينا، وفي الوقت نفسه، يظهر الشرخ الكبير لدى الميليشيات المسلحة في الإدارة والتنسيق فيما بينها، من خلال دعوة "الائتلاف" لميليشيا لما يسمى بـ "الجيش الحر" إلى إعلان النفير العام في مناطق ريف اللاذقية الشمالي، وكل هذه الحسابات المرتبكة دون تحقيق ناتج فعلي على الأرض يتمثل في خلق هذا التوازن، أجبر الأمريكيين على التوجه نحو المناطق الشرقية من سوريا، وفي هذا ظهور واضح لخشية الأمريكيين من إطلاق العملية السياسية مع رجحان كفة الميدان لصالح الدولة السورية، خاصة وإن الإدارة الأمريكية تدرك إنها لن تتمكن من جعل موسكو تعمل ضد الإرهاب في سوريا دون التنسيق مع دمشق، لكون القوات الروسية تدرك إنه من العبث الاستمرار بالعمليات الجوية دون وجود عمليات برية موازية تتحمل الجهد البشري الأكبر، وهذا ما لمس من خلال التكامل في العمليات، وتجنبت موسكو الفشل العسكري ضد الإرهاب في سوريا، من خلال قراءتها الجيدة لملف عمليات التحالف الأمريكي في العراق وسوريا على امتداد أكثر من عام.

ومن خلال ما يشهده الشرق السوري من تطورات أفضت إلى سيطرت "قوات سوريا الديمقراطية" على نقاط جديدة جنوب الحسكة تمثلت بـ "الفوج 122  في قرية الميلبية، والقرية نفسه، إضافة إلى قرية الخمائل، وصوامع محطة صباح الخير" بعد معارك مع تنظي داعش، ناهيك عن سيطرتها الأسبوع الماضي على بلدة الهول في الريف الشرقي للحسكة، يمكن الجزم بأن الدولة السورية التي تظهر ارتياحا لكونها تملك مفاتيح المنطقة على كافة المستويات الميدانية والسياسية والعسكرية، وفي حين إن داعش هو الخطر الأكبر على سلامة الدولة السورية، لا يبعد الحذر السياسي والعسكري من مغبة أن تحاول "الوحدات الكردية" الذهاب نحو التورط بقرار أحمق يتمثل بمواجهة الدولة السورية في معركة مفتوحة لطلب الإنفصال، إذ إن هذه الوحدات التي تحالفات مع ميليشيات بهدف إخفاء الصبغة "الكردية" عن عملياتها تجاه داعش، لا يمكنها مقاومة الجيش السوري، والسؤال الكبير الباحث عن مصادر الذخيرة والأسلحة النوعية، وطرق مرورها من منطقة الحسكة إلى جبهات القتال مع تنظيم داعش في الريفين الجنوبي والشرقي لمحافظة الحسكة، يؤكد على إن كل مجريات هذه المعارك تتم تحت عيون الدولة السورية، وموافقتها على ألا تفكر هذه الوحدات بالخروج عن مسار الحدث، وفي ظن الأمريكيين إنهم يسابقون الروس ميدانيا في سوريا من خلال تشغيل هذه الوحدات، إلا أن الواقعية التي تدير بها القيادة السورية لجملة الملفات الميدانية والسياسية، تفضي إلى القول بأن دمشق تترك المتحاربين من الميليشيات ليقضوا على بعضهم، ويضعف المنتصر، ومسألة تشكيل بؤرة "كردية" مسلحة في محافظة الحسكة أو في شمال الرقة بالتعاون مع أي من الميليشيات، مسألة مستبعدة، لقياس حجم قوة هذه الميليشيات، إضافة إلى أن أمريكا لن تورط نفسها بدفع "قوات سوريا الديمقراطية" إلى مواجهة مع الدولة السورية، فلم يعد في حسابات واشنطن إن الروس لن يذهبوا نحو دعم سوريا للحفاظ على وحدتها، وسلامة مؤسساتها، ولعل تأكيد أوباما في أكثر من محفل دولي على ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا، محاولات لطمأنة الروس إن الملف السوري لن يتسبب بحرب عالمية ثالثة، وهذا يأتي من جملة من الصواعق الروسية التي هزت واشنطن عسكريا باستخدام الروس في استهداف التنظيمات المسلحة في سوريا، لمجموعة كبيرة من الأسلحة التي كانت أمريكا تشكك بفعاليتها إضافة إلى وضع منظومات دفاع جوي روسية متطورة أهمها "S-400” التي أكدت التقارير الإعلامية إنها باتت في مناطق متعددة من سوريا أهمها مطار حميميم العسكري في مدينة اللاذقية ، وأصبحت التوجهات الإعلامية والسياسية الأمريكية تركز في الآونة الأخيرة على السؤال عما تخفيه موسكو من أسرار عسكرية.

ولا يغيب عن المشهد معارك الوسط السوري وجنوبه، فالجيش السوري اليوم يقف على مشارف مدينة تدمر، في حين أن التوقعات تشير إلى استعادة السيطرة على بلدة مهين بريف حمص خلال 48 ساعة أو أقل، والجبهة الجنوبية التي يتقدم بها الجيش على محور الشيخ مسكين ستسقط فيها العديد من الميليشيات المسلحة حال تأمين هذه النقطة الاستراتيجية بشكل كامل، بكونها عقدة مواصلات ميليشياوية حيوية، ونقطة تلاق لمجموعة من خطوط الإمداد بما فيها الواصلة إلى الأراضي المحتلة، ولمعارك ريف العاصمة وقعها الخاص على مشغلي الميليشيات المسلحة، المقسومة في أكثر من منطقة سوريا على نفسها، والتي تتقاذف فيما بينها تهم "الخيانة والتخاذل" وحتى التفكير نتيجة للخسارات الكبيرة التي ألحقت بها على يد الجيش السوري.

ولعل إدارك القيادة السورية ممثلة بالرئيس الأسد، لضرورة أن تكون العملية السياسية التي يريد المجتمع الدولي إطلاقها بين السوريين مستقلة ودون تدخلات خارجية معطلة، خاصة من رئيس النظام التركي الذي وصفه الأسد في حواره مع قناة فينيكس الصينية بـ "إمام الإخوان"، ومن قطر والسعودية الوهابية في الوقت نفسه، والأمر محسوم بالنسبة لدمشق بأن هذه الدول الثلاث ستلعب دورا سلبيا في الحوار السوري السوري إذا ما تم في مدينة لا يمكن من خلالها ضبط إيقاع هذه التدخلات، لذا أكد الأسد في الحوار ذاته على إن العملية السياسية يجب أن تكون تحت عنوان "موسكو3”، وتفسير موقف الأسد يأتي مؤكدا على إن دمشق تعول على العمل السياسي لتوسيع دائرة العمل الوطني ضد الإرهاب، وإن كانت السعودية تشتغل مع حلفائها على تشكيل ما تسميه بـ "الوفد المعارض الموحد" قد أسقطت من حساباتها المعارضة الداخلية، فإن العالم ككل يدرك ألا حل للأزمة السورية في مستواها السياسي إلا من خلال مشاركة جميع الأطراف، إلا أن نفس دمشق ليس بالقصير، وهي تدرك إنها المستفيدة من مماطلة الدول المعادية، فإن كانت الأخيرة تبحث عن توزانات ميداني تسهم في سند رأيها على طاولة السياسية، فإن دمشق تهندس في المرحلة الأخيرة لنصرها وهذا ما لمس من خلال حوارات الأسد الثلاثة الأخيرة والتي حدثت خلال أقل من أسبوع.