بعد أن باتت هدفاً الهجرة أفرغت الشركات والمؤسسات من الخبرات.. وواقع العمل مهدد بالشلل!

بعد أن باتت هدفاً الهجرة أفرغت الشركات والمؤسسات من الخبرات.. وواقع العمل مهدد بالشلل!

أخبار سورية

الاثنين، ٢٣ نوفمبر ٢٠١٥

مع استمرار الأزمة في سورية، غدت الهجرة إلى خارج البلاد حلماً يتقاسمه الآلاف من الشباب الطامحين إلى بناء مستقبلهم في دول القارة العجوز بعد أن عجزت بلادهم عن احتضان أحلامهم في ظل حرب طالت الجميع، ولم تستثن كبيراً ولا صغيراً، فالمواطن الذي بات يفتقد لأبسط مقومات الحياة المتمثّلة في سقف يحميه، أو عمل يعيش عليه، لم يجد حلاً لمأساته سوى لملمة ما أمكن حمله من أمتعة لم تطلها يد الحرب، وصور تذكارية لوطن ضربته يد الإرهاب بكل وحشية وإجرام!.
وإذا كانت الدول الغربية قد انبرت لاتخاذ سياسات تتسم في مجملها بالعداء والرفض إزاء المهاجرين الذين لا حول لهم ولا قوة، فإن الكثير من الجهات المعنية هناك أخذت على عاتقها دراسة الوضع الاجتماعي والاقتصادي للبلدان التي تشهد توافد المهاجرين، والتنبؤ بما سيكون عليه وضع هذه البلاد على المدى البعيد، وفي المقابل فإن تأثيرات هجرة الشباب على سورية نفسها لم تحظ باهتمام كاف من قبل الجهات المعنية لدينا، رغم أن هذه الهجرة قد تنذر بكارثة اقتصادية، أو مشاكل اجتماعية جمة إذا لم توضع لها حلول عاجلة!.
حلم السفر
لم يعد حديث شبابنا اليوم عن طموحاتهم وخططهم المستقبلية ضمن هذا البلد، ليكون الحديث الشائع في أغلب المنازل، وفي معظم دوائر العمل، عن طريقة السفر للخارج، وتكلفة الذهاب إلى تلك الدول التي تفتح يديها بصدر رحب لاستقبال شبابنا بعد أن يكونوا قد وضعوا مصالحهم الاقتصادية في المرتبة الأولى، غير آبهين، بكل تأكيد، بما سينتهي المطاف بهؤلاء الشباب، فكثرت الأبحاث والدراسات الصادرة عن تلك الدول، والتي تتحدث عن حاجتها ليد عاملة تدير اقتصادها الوطني، والذين وجدوا ضالتهم في هؤلاء المهاجرين بحثاً عن مستوى معيشي مقبول، وما لفت انتباهنا في حديثنا مع أحد الأصدقاء الذي يعمل الآن على إخراج الأوراق اللازمة للسفر خارج البلد، هو الهدف الذي يخرج من أجله مع عائلته، مكتفياً بالقول: «بتاكل وبتشرب متل العالم»، للأسف لم يعد تحقيق الحلم الدراسي والمهني هو الأمر المرجو من سفر الكثيرين، بل بات تأمين المأكل والمسكن وسبل المعيشة البسيطة هو الهدف لأغلب المهاجرين من بلد ضاقوا به ذرعاً في البحث عن عمل لا يقدمه لهم!.

تعثر عملية الإنتاج!
ورغم أن الأزمة التي مرت علينا خلال الخمس سنوات الأخيرة تمضي اليوم بمراحلها الأخيرة، إلا أن الشباب مازال يهاجر، والمؤسسات والشركات والمعامل لاتزال تشهد انخفاضاً كبيراً في عدد موظفيها دون تصفية حقوقهم من قبل الجهات التابعين لها، لذا توجهنا بسؤالنا إلى أمانة شؤون العمل في الاتحاد العام لنقابات العمال، ليؤكد لنا حيدر حسن على تزايد هجرة الأيدي العاملة الخبيرة، والكفاءات العلمية دون أن يأخذ الموظفون والعمال موافقات مسبقة من إداراتهم، ودون تصفية حقوقهم في المؤسسات التي يعملون فيها، وبجوازات أصولية، لتؤدي هذه الهجرة إلى إفراغ الشركات والمؤسسات من الخبرات، ما انعكس سلباً على واقع العمل فيها، وقاد إلى تعثر عملية الإنتاج، وحدوث مشكلة اقتصادية تؤثر سلباً على المصلحة الوطنية!.

التقليد والغيرة
الشباب هم الطاقة البشرية لأي اقتصاد، فالهجرة هي نقص لهذه الطاقة، واستنزاف لهذه الطاقة، وبالتالي فإن المستقبل ربما سيفتقد ويتأثر بشكل ملفت ومؤذ خاصة قوة العمل كعنصر إنتاج، وكجندي، وأب، وأخ، وهذا الاستنزاف مضر اقتصادياً واجتماعياً، ناهيك عن النقص الذي سنواجهه في التركيبة الهرمية السكانية، وبالتالي حدوث خلل خطير في بنية المجتمع، فالاقتصاد السوري وصل إلى نوع من التواؤم مع التركيبة السكانية، وهذا التواؤم اختل بسبب الحرب والهجرة، وعلى الرغم من أن المهاجرين سيعودون إلى الوطن، لكن هذه العودة لن تكون في الوقت المناسب، وهو زمن “إعادة الإعمار”، وفق ما حدثنا به المحلل الاقتصادي عابد فضلية، وعن دور الحكومة في التقليل من هجرة الشباب للخارج، لم يوافق فضلية على أن هجرة الشباب للخارج كانت بسبب الحكومة والسياسات الاقتصادية الركيكة، بل بسبب الحرب، والحكومة اليوم تحاول خلق فرص عمل مغرية للشباب، ولكن سيبقى دورها محدوداً في ظل بقاء الأزمة، مضيفاً بأنه خلال فترة 2006 ولغاية 2010، كانت هجرة الشباب تعادل 500 ألف مهاجر سنوياً، ومع ذلك فقد كان معظم الخارجين ممن يمتلكون فرصة عمل في الخارج، وبالتالي سيستفيد البلد هنا من هجرتهم من خلال مساهمتهم في رفع اقتصاد البلد، والتشارك مع الاقتصاد السوري، وتقليل نسبة البطالة في سورية، ولكن اليوم فإن وضع المهاجرين السوريين اختلف، فهم اليوم عالة على الدول الأخرى، ومما لا شك فيه أن الهجرة اليوم لكثير من الشباب باتت نوعاً من التقليد والغيرة، فكثير من المهاجرين هم من غير المضطرين لمغادرة البلاد، وتبلغ نسبتهم 90% من المهاجرين، وهنا يأتي دور الحكومة في تقديم مغريات البقاء للشباب غير المضطرين للسفر من خلال خلق فرص عمل وتحريك عجلة الاقتصاد وإعطاء قروض للشباب للبدء بمشروعات فردية.
اختناق اقتصادي
الحرب الطاحنة في البلد والوضع الداخلي المتوتر والاختناق الاقتصادي الذي يعيشه كل مواطن سوري جعل من الهجرة هوساً لمعظم السوريين بشكل عام، ولجميع الشباب بشكل خاص، للهروب من الجغرافيا الساخنة في المناطق التي يعيشون فيها، وعند سؤالنا للخبير الاقتصادي محمد كوسا عن أسباب وهدف تلك الدول من استقبال شبابنا، لخص لنا أسباب هجرة الشباب، وفي مقدمتها عدم توفر فرص العمل المناسبة لهم ولمستواهم العلمي في بلدهم ، بالتالي أكثر من يستجيب للهجرة هم من فئة الشباب، والدول المستقطبة لديها دوماً طلب متزايد لهذه الكفاءات التي تعرف جيداً كيف توظفها وتستفيد منها، واليوم نلاحظ الكثير من التسهيلات للمهاجرين التي تقدمها الدول الأوربية وعلى رأسها ألمانيا لتعوض نقصها من يدها العاملة بالتسهيلات للمواطنين للعمل لديها خاصة في مجالات عمل متدنية لا يقوم بها الأوربي وذات مردود متدنّ، وقد أوردت بعض المواقع أن نسبة المهاجرين السوريين ذوي الخبرات والكفاءات العلمية يشكلون حوالي 23 بالألف من المهاجرين، بالتالي يمكن القول إن أغلب المهاجرين هم عمالة مهنية، ومع ذلك فإنه حتى لو لم يتجاوز عدد المهاجرين السوريين المليون، فإن هذا الأمر سيحدث الخلل والشلل في الهيكل الاقتصادي، ودأب الاقتصاد السوري للتعويض عن العمالة المهاجرة باتجاه تطوير الاقتصاد عن طريق استقدام العامل التقني، وهذا مكلف مادياً، وسيعرض الاقتصاد لهزات اقتصادية، وهنا يبرز دور الحكومة في الوقوف بشكل منطقي أمام هذه المسألة متمثلة بوزارة العمل ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التنمية من خلال القيام بإحصاءات ودراسات حقيقية لحالة الهجرة تمكن متخذ القرار من اتخاذ قرار سليم بهذا الخصوص بدءاً من تحقيق الاطمئنان للمجتمع السوري لأن جميع الدول التي تعرضت للحروب فعّلت الجانب الاجتماعي في ظل الحروب، ومن ثم لا بد من قيام الدولة بعملية تأمين ضبط مالي، فالهجرة تنبع أسبابها وتصب نتائجها في العامل الاقتصادي، لذا فإن الحل الأمثل لهذه المشكلة يكمن في خلق دور اقتصادي لكل شخص في هذا البلد.

خسارة اجتماعية
أصبح الشباب السوري اليوم يحلم بمستوى معيشي لائق وبالخلاص من الضغط الداخلي المرير، ولهذا ازدادت الهجرة اللاشرعية بشكل ملفت للنظر في الآونة الأخيرة، ولعل أخطر أنواع الهجرة هي ما نسميه بهجرة العقول أو أصحاب الشهادات العليا، لأن أوطانهم لا توفر لهم مجالات تتناسب ومستوى ما يحملونه من شهادات سواء حصلوا على هذه الشهادات في بلدانهم، فيشكلون بذلك خسارة كبيرة لدولهم وبلدانهم، ولذا يجب توفير العمل لهذه العقول وأصحاب الكفاءات مهما كلف الثمن، بدلاً من تركهم يهاجرون مرغمين، حسب رأي طلال مصطفى “علم اجتماع”، فمن أهم النتائج السلبية لقضية هجرة الطاقات الشبابية في سورية والتي تقع في أعلى سلم الضرر هي خسران بلدنا لهذه الفئات العمرية الأكثر قدرة على العمل وعلى العطاء، بعد أن وصلوا إلى مراحل متقدمة من التأهيل تمكنهم من أن يكونوا قوة داعمة لبلدهم في مرحلة إعادة الإعمار، ناهيك عما تسببه الهجرة في تفكيك العلاقات الأسرية الواحدة وتماسكها الاجتماعي نتيجة توزع كثير من شباب الأسر وأولادهم بين حدود دول متعددة، فشبكات مواقع التواصل الاجتماعي لن تعوضهم بأي حال عن الجو الاجتماعي الذي يجمعهم في بلدهم.

حلول جادة
الهجرة التي تقوم بها شريحة كبيرة من الشباب السوري بسبب زعزعة الاستقرار الداخلي للبلد وغياب فرص العمل لفئة الشباب خاصة، تتطلب من الدولة بما فيها من مؤسسات ووزارات الوقوف وقفة جادة والنظر لقضية الهجرة بعين باحثة عن حلول حقيقية قبل أن تتحول هذه المشكلة من حالات فردية إلى ظاهرة اجتماعية خطيرة تشكل عبئاً مجتمعياً سيتطلب في المستقبل الكثير من الجهود لحلّه.
ميس بركات-البعث