من الزبداني الى الفوعة، معركة عض أصابع..

من الزبداني الى الفوعة، معركة عض أصابع..

أخبار سورية

الأربعاء، ٢ سبتمبر ٢٠١٥

 عمر معربوني
يحلو للبعض استخدام التوصيف المثير وخلط الأشياء ببعضها لتحقيق أهداف معينة تصب في خانة الحرب الإعلامية والنفسية التي تسير جنبًا الى جنب مع الحرب العسكرية، ومن ضمن هذه المواضيع الربط العضوي بين معركتي الزبداني والفوعة وكفريا وما يرافقها من تسويق وإشاعات وفبركات.
وآخر ما يتم العمل عليه هو ربط معركة الزبداني وتداعياتها بالهجوم الذي تنفذه الجماعات المسلّحة على الفوعة وكَفَريا، وهو أمر لا يخرج عن السياق الذي تجري فيه الحرب على سورية.

وقبل الدخول في شرح تفاصيل المعركتين لا بدّ من الإشارة الى أمر هام جدًا، وهو أنّ الجيش العربي السوري يقاتل حيث يستطيع القتال بكل اشكاله وانماطه انطلاقاً من معايير وطنية أولاً وميدانية ثانياً، وليس انطلاقاً من هوية المنطقة ومذهب سكانها، وهو موضوع يمكن دحضه من خلال النظر الى أماكن تواجد الجيش العربي السوري سواء في الجنوب السوري او في العاصمة او في المنطقة الوسطى وفي حلب وكذلك في الحسكة ودير الزور وغيرها من المناطق، والأمر الذي يجب عدم تجاهله هو أنّ الكثير من عمليات إعادة التجميع التي قام بها الجيش العربي السوري جاءت بناءً لتقدير دقيق للموقف راعى معطيات الميدان وقدرات الجيش البشرية والنارية وعوامل اخرى منها عدم الوقوع في فخ الانتشار الواسع غير المترابط بهدف تحقيق اعلى مستوى من التماسك للجبهات التي تقاتل وحدات الجيش العربي السوري عليها.

من المؤكد أنّ الحرب على سورية أخذت منذ البداية شكل الحرب اللامتوازية اعتمدت فيها الجماعات المسلّحة على حرب العصابات ولا زالت حتى اللحظة تطور أنماطها وأساليبها بدعم تخطيطي ولوجستي وتقني وناري من الدول الداعمة، عبر وضع أكبر مساحة جغرافية من سورية تحت الضغط وخصوصاً العمل على قطع خطوط الإمداد وتقطيع اوصال المحافظات والمدن الكبرى لإدارة معركة سريعة كان مؤملاً منها تفكيك الجيش ومؤسسات الدولة بسرعة، وهو الأمر الذي لم يحصل بل حصل عكسه تماماً، حيث نشهد حتى اللحظة سيطرة كاملة للدولة السورية على معظم المجال الحيوي للبلاد وهو ما يعطي الجيش العربي السوري ميزة التحكم بالكثير من مفاصل المعارك حتى اللحظة سواء في العمليات الهجومية او الدفاعية. وهنا الكلام عن تفاصيل المعارك وليس الجانب الإستراتيجي للحرب، حيث تخوض الدولة ومؤسساتها بما فيها الجيش معركة دفاعية بحتة.
وبالعودة الى موضوعنا الأساسي، لا بد أولاً من توصيف كل معركة ونتائجها على حدة، وماذا يمكن ان تشكل من اضافة للمنتصر في كل معركة بالبعد الإستراتيجي.
تحاول الجماعات المسلّحة عبر الضغط على الفوعة وكَفَريا إجبار الجيش العربي السوري والمقاومة اللبنانية على وقف العمليات العسكرية في الزبداني، وهو ما تمثل في الوصول الى هدنتين في المعركتين لم تصمدا طويلاً ولم تعطيا نتائج ايجابية في وقف المعارك لمجموعة من الأسباب.
وإن سقطت الفوعة وكَفَريا، وهنا سأحصر الكلام في الجانبين العسكري والإنساني، فإنّ ذلك لن ينتج عنه تحولات استراتيجية مضافة للجماعات المسلّحة حيث لا تشكل الفوعة وكَفَريا نقاط استراتيجية عسكرية كونهما لا تشكلان بموقعهما شمال مدينة ادلب اية اهمية عسكرية يمكن أن تحدث تحولًا ميدانيًا مضافًا لمصلحة الجماعات المسلحة، حيث تخوض هذه الجماعات معاركها على تخوم سهل الغاب على بعد عشرات الكيلومترات من البلدتين المحاصرتين بعد سقوط ادلب بيد تلك الجماعات.

أما سقوط البلدتين بيد الجماعات المسلّحة فسيضيف لسجل هذه الجماعات مجزرة كبيرة ومزيدًا من الدماء ليس أكثر، وهو أمر ستكون له تداعيات لن تستطيع الدول الداعمة تحمله وخصوصًا تركيا والسعودية الداعمين الأساسيين لـ"جيش الفتح".
حتى اللحظة، لا يبدو أنّ الجماعات المسلحة استطاعت إحداث خرق كبير في هجماتها المتتالية، خصوصاً أنّ إرادة القتال لدى أهالي البلدتين عالية جدًا ويمكن لوحدات الحماية الشعبية أن تستمر لفترة ليست بالقصيرة في تنظيم خطوط الدفاع رغم الحجم الكبير للمهاجمين وعدد الدبابات والمدرعات والاسلحة المستخدمة في الهجمات.

أما تحرير الزبداني فمختلف تمامًا لجهة النتائج الإستراتيجية لتحريرها، حيث سنكون أمام محطة مفصلية كبرى سترخي بظلالها على كامل الجغرافيا السورية، حيث سنكون بتحرير الزبداني أمام تحوّل استراتيجي وهو إسقاط مفاعيل مخطط ربط القلمون بحرمون، أخطر المخططات التي استهدفت سورية لجهة السيطرة على المجال الحيوي للدولة ابتداءً من مشارف دمشق عند سعسع وصولًا حتى المنطقة الوسطى في حمص وحماه، وهو مخطط كان له مخططات رديفة في ارياف حمص وفي ارياف درعا والجولان يمكن القول انه بانتهاء معركة الزبداني التي سبقتها طيلة سنتين معارك كبيرة من القصيرالى تل كلخ وقلعة الحصن في ارياف حمص وتحرير بلدات القلمون وغالبية جرودها في الفترة الأخيرة وصولاً الى الزبداني التي سيشكل تحريرها ضربة كبيرة للجماعات المسلّحة والدول الداعمة، وعلى رأسها الكيان الصهيوني الذي انكشف دوره بشكل فاضح منذ معارك باب عمرو وصولًا الى الزبداني مروراً بالجولان وارياف درعا.

من هنا، وانطلاقاً من عدة اعتبارات، تحاول الجماعات المسلّحة إنجاز مقايضة بين الزبداني والفوعة وكَفَريا لمعرفة هذه الجماعات بأهمية التحولات التي ستنتج عن تحرير الزبداني استراتيجيًا، وهو ما أوضحناه ميدانياً لجهة تعجيل حسم الكثير من الجبهات العالقة والباردة في وادي بردى وداريا وخان الشيح كجبهات يجب حسمها بعد معركة الزبداني.
وعليه، فإنّ ما يحصل هو أشبه بلعبة عض الأصابع، حيث سيجهد كل طرف الى إجبار الطرف الآخر على الصراخ أولاً في لحظات حساسة واستراتيجية تتشابك فيها المواقف الإقليمية والدولية حيث تتقاطع سلباً وإيجاباً بشكلٍ متسارعٍ قد يدفع الأمور نحو التصعيد أكثر، وهو الأمر الأكثر توقعاً للمرحلة القادمة.