العودة إلى الحياة.. مخطوفو عدرا العمالية نموذجاً

العودة إلى الحياة.. مخطوفو عدرا العمالية نموذجاً

أخبار سورية

الاثنين، ٣١ أغسطس ٢٠١٥

سيف عمر الفرا
أمام باب بيت صغير في حي الورود الشعبي في دمشق يخط الطفل حيدر (3 سنوات) أولى خطواته تحت الشمس التي لم يألف أشعتها. يهرب الصبي الصغير من الضوء خوفاً، ليدخل منزل أقاربه. داخل المنزل أيضاً يلاحقه شبح الخوف من كل شيءٍ غريب عن حياة قضاها في غياهب سجون الإرهاب، تحكي اللحظات التي يقلب بها الطفل ناظريه بين أرجاء الغرفة حيث تفاصيل الرعب الذي نشأ عليه هناك في الغوطة الشرقية. يستغرب كل جديد، حتى الأطفال هم شيء غريب بالنسبة إليه، فلم تعرف نشأته الأولى إلا وجوه رجال حفر أَلَمُ السجن خطوطَ الشقاء على وجوههم، أو سجانين تبقى صورتهم في عقله الصغير كغربان الظلام.
هي حكاية عائلة أبو وسام المنصور، التي كان افرادها مع عشرات العائلات في مدينة عدرا العمالية في ليلة 11 كانون الأول العام 2013، «ليلة المأساة الكبرى» كما يصفها الأهالي، حين دخلت إلى مدينتهم مجموعات تكفيرية قادمة من دوما، لتقودهم عبر الأنفاق وسيراً على الأقدام إلى السجون داخل الغوطة الشرقية.
العم أبو وسام رب الأسرة، هو الوحيد الذي نجا فيها من الخطف، يتحدث لـ «السفير» عن تفاصيل الحادثة، ويقول: «في ذلك اليوم عند السادسة إلا ربعا صباحاً، خرجت من المنزل إلى العمل كما هي عادتي اليومية، السادسة والربع دخل الإرهابيون إلى المدينة، أما في الساعة السابعة فكان آخر اتصال بيني وبين إبنتي فاتن، التي أغلقت الهاتف على عبارة منزلنا الآن يحاصره الإرهابيون، إنهم يدخلون البناء».
ويضيف أبو وسام: «هي لحظة قاسية ومؤلمة. قبل ساعة فقط أغلقت باب المنزل الدافئ مودعاً أسرتي المؤلفة من زوجتي أم وسام وبناتي (فاتن وياسمين وهدى) وحفيدي الصغير حيدر ابن هدى، الذي كان أيضاً ينعم بدفء حضن أمه، ومضيت خارج أسوار مدينتي إلى دمشق». في يوم مثلج خَضَّبَت لونَهُ الأبيضَ حمرةُ دماء حامية في مدينة عدرا العمالية، وغدت صورُ شوارع المدينة وملامحُ وجوه أهلها البسطاء في طيات الذاكرة.
ويتابع أبو وسام، قائلا: «منذ ذلك اليوم حتى الآن غابت كل الأخبار والمعلومات عن أسرتي، ضربة موجعة لم أصحُ منها حتى خرجت أم وسام بجهود لجان المصالحة في تسوية أخرجتها مع مجموعة صغيرة من المسنات نتيجة مرضهن الشديد. عاد الأمل إليَّ قليلاً بأن تخرج بناتي الثلاث وحفيدي الصغير، ثم عاد ليغدو الأمل حلماً لي ولأم وسام 10 أشهر قضيناها بالألم والحسرة والخوف، وفجأةً نصحو عند الرابعة صباحاً على اتصال من الدفاع الوطني، على الهاتف تسمع أم وسام صوت فاتن تقول، لقد خرجت يا أمي خرجت يا والدي، خرجنا إلى الحياة».
هو يوم الخميس (13 - 8 -2015)، الذي حمل مع إشراقة صباحه الأمل لكل أهالي مخطوفي عدرا العمالية الذين يقارب عددهم الألف مخطوف، الخبر الذي ضجت به وسائل الإعلام «الجهات المختصة تحرر 9 مختطفين من أهالي عدرا العمالية بالتعاون مع الدفاع الوطني في دمشق وأهالي حرستا الشرفاء، من بين المختطفين الفتيات الثلاث من آل منصور والطفل الصغير حيدر».
ويقول أبو الليث صالحة، أحد قيادي مركز «الدفاع الوطني» في دمشق لـ «السفير» إن «الحديث عن كيفية إتمام العملية أمر غير ممكن لأن تفاصيل العملية سرية، ونخشى أن يؤدي الحديث فيها إلى إخفاق المراحل القادمة من العملية، خروج المختطفين التسعة هو مرحلة من سلسلة جولات نهدف أن يُطوى في نهايتها ملف مختطفي عدرا العمالية بشكل كامل. يجري العمل حالياً على الجولة الثانية التي نتوقع أن نخرج فيها أكثر من 25 مختطفا».
ومنذ اللحظة التي عاد فيها آل منصور ومن كان معهم إلى الحياة من جديد وأغلقوا أبواب بيوتهم آمنين، فُتِح باب الأمل على مصراعيه أمام أهالي مختطفي عدرا العمالية؛ ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بالآمال والأمنيات بألا تكون هي الجولة الأخيرة لخروج المختطفين، إلا أن الأسئلة التي تكررت كثيراً حول هذا الموضوع كانت: على أي أساس يتم خروج 9 من أصل ما يقارب الألف؟ لماذا هؤلاء دون غيرهم؟ وهل هناك أولويات أو اعتبارات أو حتى معايير معينة تتم على أساسها عملية الافراج؟ وهل لجان المصالحة أو الدولة السورية تطالب بخروج مختطفين معينين لأي اعتبار كان؟
وزير الدولة لشؤون المصالحة الوطنية علي حيدر يجيب عن هذه الأسئلة ويقول لـ «السفير» إن «البعض يظن أن الخيار بخروج هذا وليس ذاك هو للدولة بمؤسساتها التي تسعى في ملف المصالحة أو لوزارة المصالحة، وفي الواقع ليست الوزارة هي من تختار من يمكن أن يحرر من المختطفين، الوزارة تسعى لتحرير كل المختطفين بالمطلق ولا تضع أولويات، جميع المواطنين المختطفين في سلم أولويات الحكومة السورية، المسألة متعلقة بالخاطفين ومن يقدمون لنا للتفاوض على إطلاق سراحهم».
ويرى مراقبون لملف المختطفين في سوريا أن هذه القضية هي من أعقد تبعات الأزمة السورية من الناحية الاجتماعية، تفاصيلها يصعب الخوض فيها بالرغم من كثرة المجالس الشعبية واللجان التي بات هذا الموضوع من اختصاصها الرئيسي؛ وبالرغم من أن الكثير من المختطفين خرجوا بفضلها، إلا أنها لم تحقق أي نتيجة واضحة في ملف مختطفي عدرا العمالية الذي يعد أكبر ملف للمختطفين في سوريا، حتى خروج المختطفين التسعة، حيث عاد النبض من جديد إلى الكثير من القلوب التي ماتت حزناً على قريبٍ تساوى في الحالة مع آل منصور، وأملها اليوم أن تتساوى في المصير نفسه.
السفير