مع كثرة عددها وقلة حضورها الجمعيات الأهلية الأدبية .. مفاهيم غارقة في الوجاهة والاسترزاق أم صالونات ثقافية لتنوير الفكر

مع كثرة عددها وقلة حضورها الجمعيات الأهلية الأدبية .. مفاهيم غارقة في الوجاهة والاسترزاق أم صالونات ثقافية لتنوير الفكر

أخبار سورية

الخميس، ٢٧ أغسطس ٢٠١٥

أصبح الحصول على ترخيص لجمعية أهلية الشغل الشاغل للكثيرين ممن يرون في  أكثريتها باب للانتفاع والاسترزاق والتسول، كما أنها في منظور البعض ليست إلا شكلاً من أشكال الوجاهة الكاذبة وطبعاً المسؤولية لا تقع على مؤسسها أو من يقف وراء الترخيص وإنما على الجهات المعنية التي درست الترخيص، وقد تقول الجهة المرخصة نحن نتعامل مع أوراق ووثائق   وسيرة حسنة التوصيف، نقول هذا صحيح  في البداية  ولكن أين المتابعة  والمراقبة ؟ ولماذا يكتفى إن وجد مكروه منها أن تحل فقط؟ ولماذا لا تصادر كل ممتلكاتها ومقتنياتها وتدقق كل أموال التبرعات التي حصلت عليها أم تكتفي لجهات الوصاية فقط لحلها  على مبدأ “وذلك أضعف الإيمان وكفى الله الجهات المعنية شر المتابعة والمحاسبة”؟ وما هو واقع الجمعيات الأدبية ؟.
هروب إلى الخلف
لا يمكن أن نتكلم عن الجمعيات الرسمية دون أن نتحدث عن الجمعيات الأهلية الأدبية على حد تعبير فاديا غيبور” عضو اتحاد الكتاب العرب”  موضحة أن هذه الفعاليات تؤكد حضورها يوماً  بعد يوم  على الرغم من الظروف  التي تعيشها الفعاليات الأدبية والعلمية  ويبدو  أن هذه الجهود متفاوتة بين  جمعية وأخرى،  فثمة جمعيات تحاول أن تنفذ المزيد من الفعاليات وهناك جمعيات تتقاعس عن تأدية واجباتها  تحت حجج واهية بحجة  أن الجمعيات الرسمية تقوم بهذا الدور وهذا هروب إلى  الأمام  ونتمنى أن يكون لها نشاطات أوسع وأشمل في ظل هذه الأزمة التي تحتاج لجهود الجميع  وألا تكتفي بتسجيل اسم لها في سجلات الترخيص لدى وزارة الشؤون وأن يكون جل اهتمامها منصب على جمع التبرعات وصرفها بطرق أقل ما يقال ملتوية.

جمعيات الأزمة
من جهته دافع باسم عبدو” رئيس تحرير صحيفة النور وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب “عن سلوك الجمعيات خاصة القديمة مستشهداً بأسماء عريقة هناك مئات الجمعيات المختلفة الأهداف والتوجهات الاجتماعية منها جمعيات ثقافية مثل جمعية رواق العرفي التي وضعت أهدافاً لمواجهة الإرهاب بالثقافة، وهي جمعية تهتم بالتراث وتأسست عام 2013 لها برنامج وطني للمحافظة على الهوية الوطنية  والقومية والتراث العربي  وسميت بالعرفي نسبة إلى جده العلامة الشيخ محمد سعيد العرفي المولود في دير الزور عام 1896 وتدعمها وزارة الثقافة. وهناك الجمعية الجغرافية السورية عمرها 54 سنة وهي أقدم الجمعيات تصدر مجلة فصلية ومن أهدافها تقديم المعارف الجغرافية العامة والبحث العلمي ونشر الثقافة الجغرافية ويقوم أعضاؤها بتقديم الخبرات والاستشارات وتنفيذ خطة ثقافية تشمل محاضرات فكرية وأمسيات قصصية وشعرية وتراثية وتهتم أيضاً برسم الخرائط، وهناك الجمعيات الثقافية السريانية تأسست في نيسان 2008 مركزها مدينة القامشلي وتهتم بشؤون السريان والآشوريين والأكاديين و بالمواطنة وبالأمور الفنية  و الفلكلورية والأدبية وتنفذ ذلك بفرعها الكائن في باب توما، وكانت تضع برنامجاً ثقافياً شعبياً وتدعوا إليه المفكرين والأدباء والشعراء والقاصين، وأيضاً الجمعية الشبابية السورية للتنمية الثقافية ومن أهدافها التوعية في المجالات الثقافية والعلمية والخدمية والاجتماعية ونشر المحبة والسلام في المجتمع السوري . وفي نهاية الاستعراض التاريخي لبعض الجمعيات استدرك عبدو ما ذهب إليه من الظلم  عندما وضع جمعيات الأزمة أو الغفلة أو الثراء بكفة الجمعيات العريقة.

الأهداف في واد والسلوك في آخر
يوافق نزار بني المرجة، رئيس تحرير الأسبوع الأدبي، وعضو المكتب التنفيذي لاتحاد الناشرين العرب، الرأي مع من سبقه، وإن كان أكثر وضوحاً، واصفاً أغلبيتها بأنها جمعيات الترف، وجمهورها من نخبة القوم، مشيراً إلى أن الجمعيات والمنتديات الأهلية التي تعنى بالشأن الفكري والثقافي، والتي تكاثرت خلال السنوات الأخيرة لتشكّل ظاهرة لافتة، سواء منها المرخصة في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أو غير المرخصة، تمثّل جداً مجتمعياً لبلسمة الجراح اللاحقة بالوطن والمجتمع العربي السوري جراء العدوان غير المسبوق في شراسته ومواصفاته على مستوى التاريخ والجغرافيا، والمستمر منذ أربع سنوات ونصف.

حاملة للمشروع القومي العربي
إن البرامج الثقافية لتلك المجتمعات، والتي أتيح لي حضور بعضها، أو الاطلاع على برامج البعض الآخر منها، تشكّل جهداً وطنياً مشكوراًً تقوم به شخصيات فكرية ووطنية ثقافية رأت أنه من الواجب عليها الإسهام في نشر الوعي الضروري للحفاظ على منظومة قيمنا الوطنية والإنسانية التي تميز بها مجتمعنا العربي السوري منذ الأزل، بعد أن طال ذلك العدوان البنى التحتية والمجتمعية والقيمية بهدف تقويض الكيان الوطني السوري، بصفته يشكّل بدوره مرتكزاً للكيان القوي للأمة بأسرها، حيث كانت سورية دائماً حاملة للمشروع القومي العربي، وإسقاط سورية (لا سمح الله) يشكّل هاجساً لأصحاب المشروع الغربي الصهيوني وذيوله في المنطقة، لأن سورية هي الأساس في المشروع النقيض لمشروعهم العدواني.
جمهور النخبة
المطلوب من تلك الجمعيات، والكلام لايزال لبني المرجة، عدم الاقتصار على جمهورها الضيق المتمثّل بأعضائها، لأن ذلك يعني (جمهور النخبة)، وبالتالي فالفائدة تكون محدودة جداً في هذه الحالة، ولإظهار حالة مجتمعية ضمن جمهور عريض ينبغي إيجاد نوع من تضافر الجهود والتعاون بين تلك الجمعيات من جهة، والبحث عن منابر أكثر انتشاراً في أوساط اليافعين والشباب والكبار من جهة أخرى، وهذا يستدعي بالضرورة تعاوناً مع المؤسسات الرسمية في القطاعات التربوية والإنتاجية، لأن الاقتصار على جمهور هذه الجمعية أو تلك سيجعل من تلك الأنشطة المجتمعية حالة تشبه الترف، وتبتعد عن الغاية الأساسية التي كانت وراء تأسيس تلك التجمعات أو الجمعيات الأهلية.

هجوم تربوي
بينما كانت الدكتورة أسمهان جعفر “كلية التربية- جامعة دمشق” واضحة في توصيف الجمعيات، ولم تجامل ولم تحاب، كما فعل من التقيناهم من الكتاب، مختصرة زبدة اللقاء بجملة: الجمعيات الأدبية والتخصصية تريد ولا تعرف كيفية العطاء، وتضيف: في الحقيقة إن فكرة المنتديات والصالونات والجمعيات الأدبية فكرة راقية ونبيلة، وهي ليست بجديدة، وإنما قديمة، ولكننا نظلم الصالونات الأدبية القديمة عندما نقارنها بالجديدة، فالجمعيات والصالونات القديمة قارعت الاحتلال العثماني، والاستعمار الفرنسي، وخرج من صفوفها الكتاب والأدباء والمفكرون والسياسيون الذين رفعوا راية الوطنية والتضحية، أما اليوم وللأسف هناك مئات الجمعيات ليس معروفاً اسمها أو مقرها أو حتى أعضاؤها، وفي الحقيقة هي موجودة على الورق في وزارة الشؤون لا أكثر، وإن صادف عملت واحدة بفترة وجيزة، وتأمل لأن أعضاءها ليس بينهم انسجام أو توافق، وكذلك تجميع الأعضاء المؤسسين فقط، وكل واحد منهم يريد أن يكون آمراً للصندوق، إذاً الهدف واضح وجلي، ومن المؤسف أن تستمر الجهات المعنية بتفريخ المئات من الجمعيات دون فائدة، وهذا ظلم للجمعيات والصالونات القديمة الرائدة، ومن المفروض أن تكون هناك إعادة نظر بالجمعيات المرخصة، وماذا قدمت، وسلوك أفرادها، ومراقبة سجلاتها المالية، وإلا فإن الجمعيات ذات السمعة الحسنة سوف تذوب ببحر الجمعيات التي فاح عطرها النتن حتى زكم الأنوف باستثناء إداراتها والمعنيين بترخيصها.

حبيسة الأهداف والرغبات
أما الدكتور حسين جمعة، رئيس المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب  والذي عرفناه دائماً يقول الحقيقة، وينحاز إليها، ويشير إلى مواقع الخلل، كان هذه المرة على غير عادته، وإن لمح إلى الجمعيات، واصفاً الصالونات والجمعيات، وخاصة الحديثة منها في ظل الأزمة، أنها ظلت حبيسة للأهداف التي بنيت عليها، أو للرغبات التي تتحكم بها أحياناً، وهذا كان كافياً لرسم الصورة الحقيقية لواقع الجمعيات الفعلي، لافتاً، ليس جديداً على المجتمع العربي وجود ما يسمى بالجمعيات الأهلية، فقدأسست لها الثقافة العربية من خلال ما يسمى بالتكافل الاجتماعي، أيضاً التعاون الاقتصادي في إطار المبادرة الذاتية القائمة على التكافل بين أفراد المجتمع، وثمة جمعيات أهلية تخصصية تتبع لهذه الجهة أو تلك، لا سيما ما يتبع للمؤسسة الدينية، وابتداءً من عصر النهضة بدأ العالم يفكر بإنشاء صالونات أدبية وثقافية على أشكاله، فإن ما كان العرب يقومون به في العصر الجاهلي والإسلامي والعباسي، فكلنا يعرف سوق عكاظ، وكان سوقاً  جامعاً للمجتمع في أوقات محددة، وبشكل خاص للتباري بالشعر، ومن ثم نشأ سوق المريدين في العراق في العهد الأموي على شاكلة الأسواق  العربية القديمة، لهذا نقول إن الصالونات الأدبية التي نشأت هي صورة من تلك الأسواق، وكانت المرأة عاملة بشكل ملموس، كما عرفناها، صالون مي  زيادة الذي أقامته في القاهرة لجمع الأدباء والمفكرين.. وهو صالون يذكرنا بصالون سكينة بنت الحسين في العصر الأموي، ما يعني أن الثقافة  العربية أصلت لتلك الصالونات الثقافية العربية وشاع أمرها.
وقلدها الكثير من الناس شرقاً وغرباً، ولما قامت الدولة على أسس حديثة أنشِئت المراكز الثقافية بوصفها بديلاً عن تلك الصالونات والجمعيات، ولكنها في الحقيقة أصبحت موازية لها، إذ ظل الكثير من المتميزين، يجتمعون في هذه الصالونات الأدبية والثقافية في أماكن عامة أو خاصة.
رد رفع عتب
يقول المثل الشعبي “الضرب بالميت حرام” .. و”إكرام الميت دفنه”، هذا ما ينطق به لسان العامة عندما يأتي ذكر وزارة الشؤون، وحتى لا نكون لسان العامة وقلمهم، كان بودنا أن يأتي رد الوزارة المومأ إليها أكثر من كلمات أسئلتنا حول واقع وحال الجمعيات الأدبية والتخصصية،  غير أنه جاء مقتضباً ورفع عتب، وتكلم عن الجمعيات الخيرية، وهذا تأكيد على أن معد الإجابات لم يقرأ الأسئلة جيداً، وهذا ليس بجديد، فغصن الجمعيات يتغذى من ساق وجذور وزارة خاوية على عروشها، وكي لا نبخس الآخرين حقوقهم، لقد أعدت الأسئلة والإجابة عليها قبل الإدارة الجديدة.  وحتى لا نسهب بالوصف، هذا هو الرد المنتظر بعد أكثر من عشرة أيام ..
إن دور الجمعيات هام جداً لأنه ساهم مساهمة كبيرة في إغاثة الشعب السوري ولولا وجوده لكان الوضع أصعب بكثير، نعم أدت دورها إلى حد كبير جداً . وإن عدد الجمعيات الأهلية وصل إلى 1400 جمعية لغاية منتصف عام 2015 وقد تم حل عدد منها وفق أنظمة القانون الذي ينظم عملها، قانون الجمعيات والمؤسسات الخاصة رقم 93 لعام 1958  بالتأكيد يوجد لدى الوزارة نية لتنظيم دور الجمعيات لدعم الشعب السوري في محنته بكافة الوسائل الممكنة .
ووصل دور الجمعيات إلى أهمية كبيرة تتضح من خلال أعداد المستفيدين الذي تجاوز الملايين، إضافة إلى المبالغ المقدمة خدمة للمواطنين والذي وصلت إلى مبالغ تجاوزت في عدد منها موازنة الوزارات الحكومية.

الجمعيات.. باب للاسترزاق
أقل ما يقال في غالبية الجمعيات إنها بعيدة عن العمل المؤسساتي،  وكل ما يصبو إليه طالب الترخيص أن يكون أمين الصندوق، أو أحد من أسرته، وينتقى باقي الأعضاء من علية القوم من شهادات أو أسماء كي تستتر وراءهم الجمعية في التسول والاستجداء، ثم تصرف الأموال على أشياء لا يعلمها إلا الله، والعبرة ليس بتفاخر وزارة الشؤون بأن عدد الجمعيات بات أكثر من 1400 جمعية نصفها في السنوات الخمس الأخيرة، أي بسنوات الأزمة، إذاً المكتوب بائن من عنوانه بحجة الأزمة والتوعية ومساعدة الآخرين والوقوف إلى جانب الجمعيات الرسمية في فضح خيوط المؤامرة، ولكن ما وراء الكمة ليس كما هو أمامها، والمطلوب إعادة النظر على الأقل ببعضها.

عارف العلي-البعث