خطاب الأسد.. نقطة الفصل بين ما يجب وما يحب أن يسمعه الشعب!

خطاب الأسد.. نقطة الفصل بين ما يجب وما يحب أن يسمعه الشعب!

أخبار سورية

السبت، ١ أغسطس ٢٠١٥

ســــــــامر عبد الكريم منصــور
امتلأت القاعة الواسعة بالتصفيق, يسراه قابضة على كلمته, ويمناه مرفوعة ترحيبا بالحاضرين, وهو يعبر بخطوات هادئة, المسافة الفاصلة عن منبر الحق والحقيقة. المحللون السياسيون في العالم, كانوا متأهبين من خلف شاشاتهم, للغطس بين الكلمات والسطور. تبين فيما بعد, أن بعضهم غطس في مكان بعيد جدا عن الخطاب, بل في مكان غير الخطاب!, فطفت جثث كلماتهم على مستنقعات معارضتهم العفنة.
منذ الأيام الأولى للمحنة السورية, برز حلفان متصارعان؛ حلف الأيام المعدودة, وحلف المؤقتات!. كلا الحلفان فشلا في امتحان الواقع. حلف الأيام المعدودة, توقف عن العد!. فلما يستمر الحلف الآخر، بضبط مشاعر السوريين, على مؤقتاتهم الفاشلة!. لقد اثبتت التجربة الطويلة جدا من عمر الأزمة السورية, أن خطابا واحدا كان يملك الصدق والوضوح والشفافية. لذلك على السوريين, وهم يصغون إلى "التحليلات الاستراتيجية" أن يتبعوا القاعدة التالية: " ما وافق خطاب الأسد فخذوه, وما خالفه فردوه!".
بين (ما يجب) و (ما يحب), ثمة نقطة واحدة في الشكل, ومساران مختلفان في المضمون. اعتقد كثير من المحللين السياسيين, بأن ما يجب أن يقال للشعب, هو ما يحب أن يسمعه الشعب . ألم يتنبهوا بعد إلى أن وعي الشعب يفوق, في كثير من الأحيان, سذاجة تحليلاتهم التي تولد الشكوك والإحباط بقدر ما تفعل محطات التضليل!. ما يحب الشعب أن يسمعه, هو الحقيقة. وما يجب ان يقال للشعب هو الحقيقة مهما بلغت قسوتها. لذلك وقف الأسد ليقول, كعادته, ما يجب وما يحب أن يسمعه السوريون. فتوزعت كلمات خطابه على محاور ثلاثة رئيسية؛ المحور السياسي والعسكري والإقتصادي.
المعارضة الخارجية أو المرتبطة بالخارج, هي صوت الغرب على طاولات "الحوار السياسي". هذه الحقيقة باتت واضحة أمام جميع السوريين. أما الإرهاب فهي وسيلة الضغط على الشعب السوري والدولة السورية للاستسلام والرضوخ. فالمعارضة الخارجية والإرهاب هما أداتا "التغيير" المطلوب في سوريا. "ﺍﻹﺭﻫﺎﺏ ﻫﻮ ﺍﻷﺩﺍﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺴﺎﺭ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﺄﺩﺍﺓ ﺍﺣﺘﻴﺎﻁﻴﺔ ﺛﺎﻧﻮﻳﺔ". ولكي يحقق الغرب أهدافه في " الحرية والديمقراطية و الأمن" للسوريين, فإنه لن يتخلى عن أداته الرئيسية في ذلك: الإرهاب!. فطرح الحل السياسي غير المقترن في جوهره بالقضاء على الإرهاب بشكل جاد وحقيقي, هو كلام لا معنى له. وعلينا أن نستمر بمكافحة الإرهاب حتى يصل "المجتمع الدولي" إلى هذه الحقيقة. فمع الإرهاب لا يمكن الحديث عن مقومات الحياة الطبيعية, فكيف عن السياسة والديمقراطية والحرية!
عن الوضع الميداني والعسكري, وتراجع القوات المسلحة من بعض المناطق, بسبب ارتفاع حاد وغير مسبوق في مستويات الدعم للمجموعات الإرهابية. بلغ الأسد في خطابه حدود الشفافية المطلقة. قال ما يجب أن يسمعه الشعب أيضاً, وليس كما فعل كثير من المحللين الذين واجهوا أسئلة الناس إما بالتجاهل والإنكار, أو تشغيل مؤقتات زمنية لإستعادة المناطق.
لذلك قال الرئيس الأسد بأن كل شبر من سورية غال وثمين ولا تنازل عن السيطرة عليه، هذا ما يقوله العرف السيادي والوطني. لكن للحرب شروط واستراتيجيات, وتحكمها أولويات القيادة والوقائع الميدانية. في أولويات القيادة تحدث عن نقطتين: المناطق المهمة ( عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا وخدميا) وهي التي تتمسك بها القوات المسلحة منعا لانهيار بقية المناطق. النقطة الثانية هي حياة الجنود. فالتراجع عن بعض المناطق يتم لحماية جنود القوات المسلحة, الذين سيحررون الأرض التي خسروها عند توفر الشروط المناسبة لذلك. كما أكد الأسد على أن الجيش ليس سلاحا وعتادا فقط, بل هو الطاقة البشرية بالدرجة الأولى. فحتى يتم تحقيق الإنجازات, يجب توفر ما تحتاجه من الطاقة البشرية المناسبة. فالقوات المسلحة قادرة على تنفيذ مهماتها, لكن تحقيق الانجازات العسكرية التي تعني تحرير بعض المناطق من العصابات الإرهابية, تتطلب دعما إضافيا بالطاقة البشرية من تلك المناطق. "فالجيش موجود في حلب ودير الزور, ويصمد صمودا عظيما, لكن الصمود شيء وتحقيق الإنجازات شيء آخر".
الوضع السياسي والميداني يؤثران بشكل مباشر على الوضع الإقتصادي. الإرهاب دمر جزءا كبيرا من البنية التحتية للاقتصاد السوري, إضافة إلى الحصار الإقتصادي, ساهمت في تدني الوضع الإقتصادي المعيشي. من طبيعة الحروب أن تترافق بتدنٍ في مقومات الحياة. بالتأكيد الحروب لن تنشط الحركة الإقتصادية. مبادرات الدولة بقطاعاتها الإقتصادية المختلفة, مع إرادة وتصميم السوريين, تفتحان أبوابا لتحسين الوضع اللإقتصادي والمعيشي. أما عن الحرب الإعلامية النفسية و ما يجب أن يسمعه الإعلام ومن يظهر على شاشاته من محللين استراتيجيين. قال: "أن ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻳﻈﻬﺮ ﻓﻲ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﻳﺘﺤﺪﺙ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻄﺎﺋﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻘﺴﻴﻤﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﻔﺘﻴﺘﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﺘﺤﺪﺛﻮﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩﻱ.. ﻫﻮ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺭﺑﻤﺎ ﻋﻦ ﺣﺴﻦ ﻧﻴﺔ ﺑﺄﻧﻪ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻭﺍﻗﻌﻲ ﻭﻣﻮﺿﻮﻋﻲ.. ﻻ ﻳﺠﻮﺯ ﺃﻥ ﻧﺴﺘﺨﺪﻡ ﺟﻤﻼ ﺗﺘﺤﺪﺙ ﺑﻤﻈﻬﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﻭﺣﺪﺓ ﺍﻟﻮﻁﻦ ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻤﺎﺭﺱ ﺍﻟﺘﻔﺘﻴﺖ.. ﺗﺘﺤﺪﺙ ﺑﻤﻈﻬﺮﻫﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﺒﻨﺎء ﻭﻟﻜﻨﻬﺎ ﺗﻨﺘﺞ ﺍﻟﺘﺪﻣﻴﺮ.. ﻳﺠﺐ ﺃﻥ ﻧﻜﻮﻥ ﻭﺍﻋﻴﻦ ﺑﺪﻗﺔ ﻟﻠﻤﺼﻄﻠﺤﺎﺕ ﻷﻧﻬﺎ ﻣﻬﻤﺔ.."
"هل هنالك أمل أو لا يوجد أمل؟", هذا سؤال المواطن الذي سمع الخطاب. قال الأسد. في رده على هذا التساؤل, قال ما يجب أن يسمعه الشعب, وايضا ما يجب ان يفهمه بعض المحللين التكتيكيين والإستراتيجيين, بأن تكونوا صادقين في مقارباتكم للواقع, وعدم توزيع شيكات الأمل, حين يكون الرصيد غير كافٍ. كونوا على قدر وعي الشعب.
عن الإقتصاد قال الأسد: بأن التصدير تحسن بشكل نسبي, ﺍﻷﺑﻮﺍﺏ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ, ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺃﻥ ﻧﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﻁﺮﻕ ﻭﺃﺳﺎﻟﻴﺐ ﻭﻭﺳﺎﺋﻞ .. ﻧﺤﻦ ﻛﺪﻭﻟﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻘﻄﺎﻉ ﺍﻟﺨﺎﺹ. ﻓﺈﺫﺍ ﻧﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻧﺘﻔﺎءﻝ, ﻭﺗﺒﻘﻰ ﺍﻟﻌﻘﺒﺔ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﺨﺪﻣﻴﺔ ﻛﺎﻟﻜﻬﺮﺑﺎء ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﺩ ﻭﻫﺬﺍ ﻧﺤﺎﻭﻝ ﺣﻠﻪ ﻣﻦ ﻭﻗﺖ ﻵﺧﺮ. ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﻌﺴﻜﺮﻱ, ﻟﺪﻳﻨﺎ ﺍﻹﻣﻜﺎﻧﻴﺎﺕ ﻣﻊ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺒﺎﺩﺭﺍﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ فإنه ﻳﻮﺟﺪ ﺃﻣﻞ. ﺃﻣﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻓﻔﻲ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻟﺪﻱ ﺃﻱ ﻋﻨﺼﺮ ﺃﻗﺪﻣﻪ ﻟﻜﻢ ﻭﺃﺧﺪﻋﻜﻢ ﻭﺃﻗﻮﻝ ﻟﻜﻢ ﻧﻌﻢ ﻫﻨﺎﻙ أمل. ﻧﺤﻦ ﻟﺴﻨﺎ ﺍﻟﻌﺎﻣﻞ ﺍﻟﻮﺣﻴﺪ ﺍﻟﻤﺴﻴﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻌﻤﻞ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﻻ ﺃﺻﺪﻗﺎﺅﻧﺎ, ﻫﻨﺎﻙ ﺩﻭﻝ ﺃﺧﺮﻯ.
في النهاية, كان خطاب السادس والعشرين من تموز, في أحد جوانبه, درسا واضحا حول مخاطبة الشعب بصدق وشفافية. وفي جانب آخر كان محطة جديدة لإثبات مدى ضحالة المعارضات الخارجية في مقاربتهم للخطاب, وبرهانا جديدا على مدى العمالة التي يستمتعون بها