هل يستفيد مؤتمر «موسكو 3» من فائض قوة الاتفاق النووي؟

هل يستفيد مؤتمر «موسكو 3» من فائض قوة الاتفاق النووي؟

أخبار سورية

السبت، ١ أغسطس ٢٠١٥

 أول زيارة لمسؤول غربي إلى إيران بعد الاتفاق النووي كانت لمبعوث الامم المتحدة للأزمة السورية دي ميستورا، دلالة واضحة على وضع أزمة سوريا على رأس لائحة الاهتمامات الدولية بعد الملف النووي سيما وأنّ دي ميستورا كرر أكثر من مرة مؤخرًا بأنّه يجب أن يقارب الحل السلمي في سوريا بطريقة مختلفة عن السائد من خمس سنوات حتى الآن . كلام المبعوث الأممي أكده الناطق الرسمي باسم بان كيمون بالأمس، بأنّ على الجميع مقاربة الحل في سوريا بطريقة جديدة وكأنّ مرحلة جديدة قد بدأت بعد الاتفاق النووي ترتكز على قناعة دولية بأنّ استمرار الستاتيكو السوري بهذا الشكل سيرتب تداعيات كبيرة على المنطقة والعالم، بدأت تتعاظم في انعكاساتها على أمن المنطقة ودولها وتتعداه للأمن الدولي كله. وفي تصريحات أكثر من دولة أوروبية حول توقع هجمات إرهابية على المدى القريب، دلالة واضحة على وقوع أكثر عواصم العالم تحت مرمى الإرهاب المتوالد من حريقهم العربي الذي اشعلوه في منطقتنا عام 2011.
بعد الاتفاق النووي، دخلت المنطقة في استحقاق كبير وهام يتجسد في تثبيت النفوذ ورسم حدود هذا النفوذ في التشكيل الجديد لمشرق ما بعد الاتفاق النووي، والمعركة الإيرانية-الأمريكية لم تنته بتوقيع الاتفاق بل على العكس، لقد بدأت الآن وبشراسة. فمرحلة جني الأرباح بين إيران وحلفاء أميركا في المنطقة من أنقرة إلى الرياض هي المرحلة الأصعب، ولهذا السبب نرى هذا التصعيد في اللهجة الإيرانية وهذه الإستماتة السعودية لكسب عدن ومرفئها وهذا الجنون التركي لكسب شمال سوريا أو أكثر من ذلك.
الكل يسعى الآن لتقاسم كعكة الـ"سايكس بيكو" الجديد، والكل يحاول أن يستولي على الحصة الأكبر من هذه الكعكة، أو بأقل تقدير أن يحافظ على نفوذ ومكتسبات ما قبل تلك المواجهة. فإيران تستكمل عملية حماية الدور الإقليمي بوصفها رائدة المحور الممانع ومرتكزه، وبالتالي هي تسعى لمنع تقسيم العراق وسوريا أو خسارة اليمن، وتركيا من جانبها تحاول الحصول على آخر غنائم الحرب بقضم ما تيسر من الجغرافيا السورية تمامًا كما حصل عام 1936 بلواء الاسكندون، أما السعودية التي خسرت الكثير من نفوذها الإقليمي وتورطت في لعب دور الوكيل عن الأصيل في هذا الحريق العربي، فهي تستميت من أجل الحفاظ على النفوذ وحتى على العرش من خلال رفع سقف المواجهة والانغماس بالحروب المباشرة كاليمن وغير المباشرة كالعراق وسوريا ومصر وليبيا وغير مكان.
لكن للأمريكي رأيٌ اخر، فأوباما الذي بدأ عهده بوعد سحب الجنود من العراق وأفغانستان، وبحل القضية الفلسطينية، استطاع أن يسجل للتاريخ كأول رئيس أمريكي من أصول أفريقية، استطاع أن ينهي حقبة النزاع الكوبي الامريكي الطويل واستطاع ان ينهي اربعة عقود من الصراع مع إيران، وقد استطاع أن يحقق ما فشل به أكثر من ستة أو سبعة رؤساء سابقين وهو لا يرغب أن ينهي ولايته الثانئة والأخيرة والتي شارفت على نهايتها من دون حل للحرب في سوريا لانعكاس ذلك على "إنجازاته" الإيرانية الكوبية وتأثيرها السلبي على سجله "للسلام". ولذلك سيحاول أوباما مسك العصا بالنصف للحفاظ على مصالح أميركا في الخليج، والوصول إلى حل "سلمي" في سوريا، يحقق له خرقًا ولو جزئيًا في الساحة السورية ممكن أن يغير شكل وعقيدة النظام السوري وخصوصًا فيما يتعلق بناحية الصراع بين الكيان الصهيوني ومحور الممانعة. ولذلك أيضًا، يرسم الإيراني بتصريحاته العالية السقف خطوطه الحمر، يلاقيه حليفه الأسد بخطاب الثوابت منذ يومين، ويتلقف الروسي هذا المتغير في المشهد ليعلن عن رغبته في مؤتمر موسكو 3 مستفيدًا من أجواء مرحلة التسويات بأريحية سياسية آتية من مفاعيل الاتفاق النووي، ومن صدى الفيتو الأخير الذي أغلق الباب على ابتزازات الولايات المتحدة بملف الطائرة الماليزية.
كلام بوغدانوف اليوم يعكس جوًا من التفاؤل، مرده للإيعاز الأمريكي لقوة ما تسمى المعارضة السورية للسير بجدية في مباحاثات عملية للتسوية والحل السلمي في سوريا، بسقفٍ أمريكي يحاكي الرغبة الأمريكية في إيجاد حل وكسب أقصى ما يمكن كسبه من الحكومة السورية بمؤازرة ودعم وتأثير روسي قادر على إنضاج وإنتاج تسوية تحافظ على سوريا ودورها في المنطقة، وتسمح بمشاركة بعض المعارضة في الحكم بشكل لا يؤثر على خيارات سوريا تجاه قضايا المنطقة وعلى رأسها قضية فلسطين.
الأيام القادمة لن تبخل بإعطاء المؤشرات الواضحة لنوايا الأسرة الدولية إن كانت صادقة أو لا، ولكن الثابت في هذه المسألة هو أنّ أصحاب الطلقة الأخيرة سيكونون هم المنتصرين، وأنّ أية طروحات بديلة لإخضاع سوريا لن ينال منها أعداؤها إلا الخيبة. فقرار النصر لا يعني دولة واحدة من دول المحور الممانع، بل يعنيها كلها وعلى رأسها إيران التي لن تسمح بإعطاء خصومها ما رفضت أن تعطيه في جينيف، وغدًا لناظره في موسكو... قريب.