بعد أن عاد إليها الأمن والأمان عدرا العمالية ..مئات الملايين كلفة إصلاح الأبنية والبنى التحتية والأهالي ينتظرون على أبواب العودة

بعد أن عاد إليها الأمن والأمان عدرا العمالية ..مئات الملايين كلفة إصلاح الأبنية والبنى التحتية والأهالي ينتظرون على أبواب العودة

أخبار سورية

الجمعة، ٣١ يوليو ٢٠١٥

لم تكن القصص المأساوية التي شملت الوطن على امتداده على يد العصابات الإرهابية تستثني أحداً، حتى باتت تنافس أكثر الأفلام الهوليوودية  دموية ورعباً، فقد تحملت عدرا العمالية من الإرهاب والعنف ما فاق قدرة أبنائها وصبرهم على ممارسات المجموعات الإرهابية التي قتلت وحرقت ونكلت وخطفت وهجرت أهالي  المدينة .
لعل أبرز تلك القصص التي سمعناها هي تفجير المهندسة وأسرتها لأنفسهم قبل وصول الإرهابيين إليهم في منزلها، فكانت صدمة لوجدان كل عربي وسوري يصر على كتابة الموت لأبنائه بيديه، قبل أن يكتبها الآخر بسيفه أو بفتوى تشرعن الموت والذبح باسم الله، أو بإلقاء الأطفال الأحياء في الفرن ليثبتوا للعالم ماهية هذه  العصابات الإرهابية .
وبعد تحرير المدينة العمالية من سيطرة العصابات المسلحة، تعالت أصوات المواطنين الذين هجروا من بيوتهم ليطالبوا بإعادة إعمار المدينة ليتمكنوا من استعادة بيوتهم واستقرارهم ، بعدما خسروا ما خسروه.فما هو واقع هذه المدينة الآن؟وأين وصلت عملية إعادة الإعمار فيها ؟.

نريد العودة
خديجة الشاطر من ساكني المدينة وممن نالوا حصة الأكبر في الاعتداء على المدينة، حيث خُطف زوجها وبقيت مع ثلاثة أطفال لأكثر من أسبوعين تحت الحصار، ثم هجروا من المدينة في عام 2013 ، بعدما تهدم بيتها بشكل كامل مثل معظم الأبنية، وتنتظر قرار الهدم والإنشاء، حتى تستطيع العودة إليه، مثلها مثل جميع مالكي الأبنية المهددة بالسقوط وينتظر أصحابها قرارات الإزالة والبناء من جديد،  وأكدت الشاطر أن معاناتها لم تقف عند تحرير المدينة ، بل تجددت بمنعها من دخول المدينة والسكن ببيت أحد أصدقائها لتحتمي وأسرتها من نار الإيجارات المستعرة، لأنها لم تحظ بأي مساعدة للسكن أو الإيجار داخل المدينة، وحالها حال الكثيرين ممن يعانون أوضاعاً معيشية صعبة نتيجة الاعتداء والتهجير من مدينتهم، والاضطرار إلى الاستئجار خارج مدينتهم بأسعار ترهق كاهلهم وتعرضهم إلى الذل والقهر والانتقال من سكن إلى آخر، فإما السماح بالإيجار داخل المدينة أو التسريع  بإعادة إعمارها ليرجع إليها سكانها بأسرع وقت واضعين نهاية لمأساتهم وآلامهم.

على حسابهم
كما حاولنا الاتصال بمن عاد إلى المدينة لنرى واقع الحياة هناك، حيث  حدثتنا فداء عبد العال مدرسة في مدينة عدرا، عن حجم الأضرار في منزلها، فقالت إن خسارتنا مادية تتمثل بأضرار في البيت، ولقد خجلنا من أنفسنا أمام خسارة الآخرين أرواحاً ومفقودين ، فلم يكن بوسعنا سوى إصلاح البيت بشكل تقريبي يساعدنا على السكن فقط، بالإضافة إلى احتراق سيارتهم بالكامل من جراء القذائف الإرهابية، وهم كغيرهم من الذين أصلحوا بيوتهم على حسابهم لإحساسهم بصغر معاناتهم أمام الآخرين، ولكن في جردة حساب بسيطة أكدت عبد العال أن الإصلاحات تجاوزت  200 ألف ليرة سورية ، ولكن السؤال: من لايملك هذا المبلغ هل يبقى خارج بيته ينتظر التعويض؟ وإلى الآن لم تخرج أي قرارات من الحكومة لتساعدهم أو تنصفهم .

نقابة العمال تنتظر
المكان الأول الذي قصدناه هو الاتحاد العام لنقابات العمال حيث التقينا برهان عبد الوهاب أمين شؤون الخدمات الذي قابلنا بوجه مبتسم شارحاً لنا ما قدمه الاتحاد  من كتب ومتابعات بشأن عدرا العمالية، ومن متابعة للسكن العمالي المسلّم لأصحابه والسكن غير المسلم وهو الذي  بعهدة المؤسسة العامة للإسكان، ويضيف عبد الوهاب أن هناك /3000/قسم جاهز، وآخر مازال على “العظم” وسيصار إلى توزيعهم على الوضع الراهن أي حسب رغبة العامل باستلام شقته، هناك اقتراحات وحلول لوضع العمال بشكل عام، للعمال الذين استلموا بيوتهم ولم يسكنوها، فالقسط الذي يبدأ بـ3000/ آلاف ليرة يصبح/ 1000 / ليرة والقسط الذي يبلغ عشرة آلاف ليرة يصبح ثلاثة آلاف ليرة، لكن المتابعات بشأن الأبنية المهدمة لم تفض إلى قرارات وطبعاً الأمر لاتتحمله نقابة العمال فقط ،لكننا نوجه العتب بلسان المحب الذي يعلم  أنها من يجب أن تحمل هموم العمال ومعاناتهم وتناضل للحصول على حقوقهم، وهو ما يشرعن وجودها وعملها.

الأضرار بين الدراسة والتعويض
وللوقوف على حقائق الأوضاع بوثائق ومستندات في محافظة ريف دمشق ودورها، سألنا أحمد زيتون الأمين العام لمحافظة ريف دمشق، عن عدد الطلبات المقدمة للمحافظة فيما يخص الأضرار التي لحقت بمدينة عدرا العمالية، حيث أكد أنها بلغت حوالي /2000/ طلب تشمل أضرار العقارات “المنازل” المحلات التجارية والسيارات، منهم حوالي /1366/ طلباً تتعلق بالمنازل فقط، وتقدر الأضرار حسب ضبط الشرطة بأكثر من /6/ مليارات ليرة سورية، وهذه الأضرار حسب نسبة التعويض المقدرة تعادل 1.8 مليار ليرة سورية، وشُكلت لجان الكشف الحسي منذ اليوم الأول لتحرير المدينة لتقييم الأضرار التي لحقت بالأبنية والسيارات في المدينة، وتداوم لجان الكشف الحسي مدة يومين في الأسبوع بشكل دائم، وقد تابعت المحافظة بعض الإصلاحات في البنى التحتية كالهاتف والمخابز والكهرباء وإعادة توصيل المياه، وكما تتابع بشكل دائم وضع المدينة لاستكمال الإصلاحات التي تضمن إعادة الحياة إلى مدينة عدرا العمالية ومدارسها، ومديرية الصحة أيضاً تم تجهيزها. وكما علمنا أن المحافظة كلفت الشركة العامة للبناء والتعمير لتقييم الأضرار وفق الكتاب الصادر من محافظة ريف دمشق 773/ص بتاريخ 29/9/2014، وبناء عليه أكد زيتون أنه أحدث مكتب خاص للشركة في المدينة لاستكمال أعمال التقييم هناك، ومتابعة الوضع الإنشائي للمباني المتضررة مع وزارة الأشغال، و كل ما يصدر من قرارات عن لجنة إعادة الإعمار ليتم تنفيذها بالسرعة القصوى.

الشركة العامة للدراسات والإنشاءات الهندسية
وفي إضاءة على دور الشركة العامة للإنشاءات الهندسية، أوضحت المهندسة مجد مصطفى معاون مدير عام، أن عمل الشركة انحصر في وضع تصور عن حجم الأضرار وتقييم السلامة الإنشائية للأبنية السكنية في المدينة، فقامت بوضع الإطار اللازم لإجراء عملية التقييم وإدارة وتنسيق العمل من حيث تشكيل /6/ فرق عمل حقلية تتألف كل فرقة من (3-4) مهندسين من أصحاب الكفاءات والخبرة الفنية مع ممثل للشركة، مرتبطين مع (3) فرق مكتبية تدرس المعطيات الحقلية وتنسقها ضمن ملف خاص لكل بناء، وأكدت مصطفى أنه خلال 30 يوماً تقريباً تم الكشف على /400/ بناء طابقي مسبق الصنع ومصبوب بالمكان، وتحديد العيوب الإنشائية باستخدام استمارة خاصة لهذه الغاية تحدد حجم الأضرار وتوثقها بالصور الفوتوغرافية، ووضع التقييم الإنشائي الأولي للسلامة الإنشائية للبناء وذلك ضمن تصنيفات ( سليم – ترميم – تدعيم – تدعيم جزئي )، وتفرغ المعلومات مكتبياً ضمن ملفات وجداول خاصة وإصدار الخارطة اللونية لسلامة الأبنية من 7 ألوان متوافقة مع التصنيفات أعلاه ( اللون الأخضر سليم- واللون الأحمر إزالة).

الشركة العامة للبناء
وكون الشركة العامة للبناء والتعمير هي المتعهد الرئيسي لمعظم أبنية المدينة العمالية، توجهنا إلى مدير فرع دمشق  محمد يونس الذي أكد على  تكليف الشركة بإعداد تقييم للسلامة الإنشائية لمباني عدرا العمالية منذ اليوم الأول، وبيان مدى صلاحيتها للاستخدام والحلول للتدعيم، ليصار إلى رفعه للجنة إعادة الاعمار، فقد تم تشكيل فرق عمل حسب يونس لتقوم بجرد الأبنية المتضررة وتصنيفها ضمن مجموعات حسب نسب الضرر لكل نموذج من الأبنية، كما أشار إلى عدة اجتماعات للشركة مع الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية بغية وضع آلية ومنهجية للعمل، وإعداد الدراسة اللازمة لرفعها إلى لجنة إعادة الإعمار للمصادقة.

التكاليف التقديرية للأبنية المأهولة
وأطلعنا يونس على التكلفة الإجمالية لإعادة إعمار المدينة، حيث درست ووثقت الشركة /300/ بناء مسبق الصنع من الأبنية المأهولة ( المستلمة من قبل أصحابها والتي أصبحت أملاكاً خاصة)، حيث تم تصنيفها وفق سبعة مستويات حسب مستوى الأضرار الإنشائية التي لحقت بها بكلفة إجمالية تقديرية /800/ مليون ليرة سورية، وكذلك تم توثيق /105/ أبنية مصبوبة بالمكان بلغت الكلفة التقديرية لإصلاحها إلى /20/ مليون ليرة سورية.

الأبنية المنجزة أو ضمن الإنجاز
وأضاف يونس أن الأبنية المنجزة أو ضمن الإنجاز (التي لم يتم تسليمها للمخصصين بها وهي في عهدة المؤسسة العامة للإسكان أو متعهد التنفيذ(حيث تم توثيق  /170/ مبنى مسبق الصنع وتصنيفها حسب درجة الضرر لكل منها بكلفة تقديرية /226/ مليون ليرة و /76/ مبنى مصبوباً بالمكان بتكلفة تقديرية /546/ مليون ليرة سورية حسب درجة الضرر لكل منها، ويضاف إلى مجموع هذه القيم تكاليف الدراسة والتدقيق والإشراف، والأعمال اللازمة للموقع العام ( طرق – أرصفة – شبكات الصرف الصحي – كهرباء – مياه – مراكز تحويل – أسواق تجارية)، وكذلك ردم الأنفاق التي قامت المجموعات المسلحة بحفرها بلغت القيمة التقديرية لهذه الأعمال حوالي /780/ مليون ليرة سورية، ولكن بقيت أعمال الإصلاح لمباني القطاع العام ( مدارس – مبنى البلدية – مركز شرطة – مركز صحية – مخبز – استهلاكية) ، والتي تم تقييم أضرارها من قبل الجهات العائدة لها.

أولوية المدن العمالية
نظراً لأهمية ورمزية المدن العمالية لدى الحكومة، فقد أولتها الأهمية القصوى لإعادة تأهيلها، وإعادة كافة المهجّرين إليها من خلال لجنة إعادة الإعمار، ففي اجتماعها الأخير عُرضت المذكرة المشتركة التي أعدتها وزارة الأشغال العامة، ممثّلة بكافة الشركاء الأساسيين في عملية إعادة إعمار مدينة عدرا، وهم: الشركة العامة للبناء والتعمير، والشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، والمؤسسة العامة للإسكان، ومحافظة ريف دمشق، لتبيّن الوضع الفني للأبنية، وتحدد طريقة المعالجة المطلوبة، والتكلفة المالية المترتبة لكل حالة على حدة، والمبرر الفني لذلك.

ترميم بسيط
وقد أطلعنا رامز اليوسف، الأمين العام للجنة إعادة الإعمار، على عدد الأبنية التي تحتاج إلى ترميم بسيط، وهي /88/ بناء، ستتم معالجتها وفق الأسس والنسب المعتمدة من قبل لجنة إعادة الإعمار، بصرف التعويضات المستحقة لأصحاب الشقق المتضررة، والتي تمثّل 30% من قيمة الضرر الحاصل، حيث يتم الصرف عن طريق اللجنة الفرعية للأضرار في محافظة ريف دمشق.

تعويض مبشر
وأضاف اليوسف: أما فيما يتعلق بالأبنية التي تحتاج إلى ( تدعيم جزئي- تدعيم كلي– إزالة بالكامل– محروقة)، وعددها / 175/ بناء، فإن وضعها الفني والإنشائي يتطلب تدخلاً للإصلاح من قبل الدولة، ممثّلة بالشركات الإنشائية العامة، كون المساكن هي مسبقة الصنع في معظمها، ولا يمكن بالتالي للأفراد أن يقوموا بأعمال التدعيم والإنشاء لها، بالإضافة إلى أن شاغليها من فئة العمال والموظفين من ذوي الدخل المحدود، وهي مازالت مملوكة قانوناً للمؤسسة العامة للإسكان إلى حين انتهاء كل من هؤلاء من دفع الأقساط المترتبة عليهم لصالح المؤسسة، وبالتالي فإن تطبيق نسبة 30%، (المعتمدة للتعويض من قبل لجنة إعادة الإعمار)، عليهم سوف يؤدي إلى تحمّلهم مبلغاً كبيراً من قيمة الأضرار يتمثّل بالنسبة المتبقية وهي (70%)، وعليه فإن لجنة إعادة الإعمار قررت أن يتم استثناؤهم من النسب المعتمدة للتعويض، والسير في آليات وأسس تعويض استثنائية عن طريق جعل نسبة التعويض للأضرار التي لحقت بالأبنية المذكورة بمقدار (60%) من قيمة الضرر الحاصل، وذلك بدلاً من نسبة (30%)، وهذه القيمة يتم دفعها من قبل لجنة إعادة الإعمار للشركات الإنشائية العامة التي ستقوم بعملية الإصلاح للأبنية والشقق المتضررة، والتي تندرج وفق الحالات سابقة الذكر، وفيما يتعلق بالنسبة المتبقية البالغة (40)%، سيتم تكليف اللجنة الفرعية للأضرار في محافظة ريف دمشق بتمويلها، وتقوم المؤسسة العامة للإسكان لاحقاً بتحصيل هذا المبلغ من أصحاب الشقق المستهدفة بالمعالجة والتأهيل من خلال توزيع القيمة الإجمالية لنسبة (40%) بالتساوي على عدد الشقق المستهدفة بالترميم في الأبنية المتضررة، (175) شقة، وتحويل هذه المبالغ إلى وزارة المالية تباعاً حسب التحصيل، مع مراعاة عدم تحميل أصحاب هذه الشقق أية أعباء مالية إضافية للدفعات الشهرية المطلوبة من قبل المؤسسة، حيث وضّح اليوسف أنه سيتم تمديد فترة الأقساط لعدد من السنوات الإضافية وفق آلية تنفيذية تضعها المؤسسة العامة للإسكان.

حرص وإصرار
ولم تستثن المذكرة من تقييم حالة البنى التحتية في عدرا العمالية: (كهرباء- مياه شرب- صرف صحي- هاتف- صحة…)، فأطلعنا اليوسف  على الكشوف التقديرية للأضرار التي لحقت بها، من قبل الجهات العامة المعنية، كل حسب اختصاصه، وتم رفعها إلى لجنة إعادة الإعمار لتخصيص الاعتمادات اللازمة لذلك، وقد تم بالفعل إصلاح القسم الأكبر منها، ومازال العمل مستمراً لاستكمال إصلاح جميع البنى التحتية المتضررة، وتأمين عودة كافة الخدمات لقاطني هذه المدينة، وبما يؤمن عودة سريعة لجميع المهجّرين إليها، وأكد لنا اليوسف أن مقررات لجنة إعادة الإعمار عرضت على مجلس الوزراء، ووافق عليها بالكامل، الأمر الذي يبشّر جميع ساكني مدينة عدرا العمالية، والمهجّرين منها، بأن إعادة إعمار المدينة قائمة وجارية بالسرعة الممكنة، مترجماً حرص الحكومة، بعدما نشر الإرهاب سمومه على أرض الوطن، على إعادة الأمن والأمان لكل شبر من أرض الوطن الغالي، ولكل أبنائها الأوفياء.

فاتن شنان- البعث